مفاوض إسرائيلي كبير سابق: قادة إسرائيل وسورية أضاعوا فرصة نادرة لتحقيق السلام بين البلدين

قال إن ضعف القادة منع البلدين عن الإقدام على الخطوة الأخيرة

TT

كشف اللواء في جيش الاحتياط الإسرائيلي، والرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية، أوري ساغي، الذي تولى مهمة الإشراف على مفاوضات السلام الإسرائيلية - السورية طيلة عقد كامل، ما بين 1990 و2000، عن أن البلدين كانا على شفا التوصل إلى اتفاق سلام كامل وشامل بينهما، ولكن ضعف القادة منعهما عن الإقدام على الخطوة الأخيرة.

ويرى ساغي أن الانطباع العام بأن مفاضات السلام فشلت بسبب الخلاف حول حصة سورية من بحيرة طبريا، ليس صحيحا. وما قيل بسخرية إن الرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد، رفض التوصل إلى سلام لأن إسرائيل لم توافق على أن يغسل قدميه بمياه هذه البحيرة، لا يمت للواقع بصلة. مشيرا إلى أن الحقيقة هي أن قضية البحيرة انتهت، حيث أثبتت إسرائيل بشكل علمي أن البحيرة تراجعت خلال سنوات إلى الوراء مئات الأمتار إلى الغرب، والعودة إلى حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967، ما كان ليتيح لسورية الوصول إلى المياه.

وكان ساغي يتكلم في مقابلة مع مجلة غير مشهورة تدعى «هلوحيم» (المقاتل) تصدرها منظمة المعوقين في الجيش الإسرائيلي. وتوج حديثه بوصف الأداء الإسرائيلي في المراحل الأخيرة من المفاوضات بأنه «فشل سياسي استراتيجي من الدرجة الأولى»، وحمل مسؤولية ذلك في الأساس إلى رئيس الوزراء الأسبق، وزير الدفاع الحالي، إيهود باراك.

ووجه ساغي اتهاما صارخا قال فيه إنه لو كان باراك أكثر شجاعة لكان حقق السلام، ولكان لهذا السلام أن يمنع كل حروب العقد الأخير، ولكان تغير وضع إسرائيل في المنطقة من أساسه.

ويقول ساغي إنه بعد مفاوضات طويلة في أرجاء العالم، في قسمها السري شارك مبعوثو الرئيس حافظ الأسد وضباط عسكريون، وفي قسمها العلني شارك فيها وزير الخارجية فاروق الشرع، نجح الطرفان في جسر معظم المواضيع المختلف عليها. ويضيف: «ليس لطيفا من جانبي أن أقتبس من بشار الأسد. ولكنه محق حين يقول إن 80% من المشكلات حلت». واستخف ساغي بالتصريحات الإسرائيلية عن «عودة إلى مفاوضات دون شروط»، قائلا: «كل محادثات مستقبلية مع سورية ينبغي أن تستأنف من ذات النقطة التي انتهت إليها المفاوضات الأخيرة».

ويكشف ساغي النقاب عن واحدة من الحقائق التي يحاول زعماء إسرائيل في العقدين الأخيرين تشويهها أو إخفاءها، فيقول صراحة إن خمسة رؤساء وزراء، من إسحاق رابين وحتى إيهود أولمرت بمن في ذلك رئيس الوزراء الحالي، بنيامين نتنياهو، قبلوا مبدأ أن يتضمن اتفاق السلام مع سورية انسحابا كاملا في الجولان إلى حدود الرابع من يونيو 1967. ولكن الخلاف تركز حول 41 حجرا حدوديا تحدد المواقع الدقيقة لهذه الحدود. وقد تمكنا من التوصل إلى حلول لمعظم المسائل في مواضيع الحدود، الأمن والمياه.

والملفت للنظر أن ساغي، الذي يعتبر قائدا عسكريا كبيرا في التاريخ الإسرائيلي، يوجه أصابع الاتهام إلى إسرائيل كلها، قيادة سياسية وعسكرية وقضائية وصحافة وشعبا، على إضاعة فرص السلام فيقول: «إسرائيل تجلد نفسها بعد إخفاقات عسكرية في الحروب، ولكنها لا تفحص نفسها بعد الإخفاقات السياسية الاستراتيجية». ويضيف: «في عام 2000 كان هناك فشل سياسي استراتيجي أول في مستواه لدولة إسرائيل لكن أحدا لم يحقق فيه. وهذه الأزمة متكررة في تاريخنا: الحرب تقرر مصائر الشخصيات العامة، ولكن أحدا لا يبكي على تسوية تم تفويتها. حرب لبنان الثانية، التي صفت الشرعية القيادية لأولمرت قبل وقت بعيد من قضايا الفساد، كانت في نهاية المطاف حدثا غير هام على نحو خاص في التاريخ السياسي - الأمني لإسرائيل: صدام محلي، نقطة أزمة أخرى في الرسم البياني للمواجهة بيننا وبين حزب الله وإيران. ولكنها كانت حربا، ومع الحرب نحن نتعاطى بجدية. أما الحروب التي لم تمنع، فنحن لا نتعاطى معها على الإطلاق. وهذا لا ينبع من الحرص على حياة الإنسان. فالحروب التي لم تمنع كلفت إسرائيل حياة أكثر بكثير من الحروب الفاشلة. جزء من 2500 قتيل في حرب يوم الغفران (حرب أكتوبر 1973) نبع مقتلهم من القصور الاستخباري والإخفاقات التكتيكية، التي انشغلوا وينشغلون بها حتى اليوم؛ كل القتلى ماتوا بسبب تفويت فرصة التسوية مع مصر قبل سنتين من ذلك. وهكذا أيضا قد يكون مع سورية».

وعقب الكاتب الصحافي بن كسبيت في صحيفة «معاريف» على هذه التصريحات موافقا ومعتبرا إياها «حدثا تاريخيا»، فكتب يقول: «منذ عقد وضباط الجيش الإسرائيلي الكبار يحذرون من أنه إذا ما اندلعت مواجهة مع سورية فإنها ستكلف حياة الكثيرين، وعندها سنعود إلى نفس النقطة حقا، التي يكشف ساغي الآن النقاب رسميا عن أننا سبق أن وقفنا عندها. ولكنهم لا يفعلون ذلك علنا بل في الغرف المغلقة. وباراك، الرجل الذي ارتعدت فرائصه في لحظة الحقيقة، هو أيضا يكرر الشعار ذاته ولكنه لا يفعل شيئا لتحقيقه. تماما مثل الفلسطينيين، نحن نتعامل مع التسوية التي فوتت كقوة طبيعية، وهذا دليل على الطبيعة المتقلبة والعنيدة للطرف الآخر».