سائقو شاحنات لبنانيون محتجزون على حدود العراق منذ شهر

وزير الأشغال والنقل: هناك ما يشي بأمور غير سليمة وغير نزيهة

TT

تتضارب المعلومات حول عدد سائقي الشاحنات اللبنانيين المحتجزين في منطقة الرطبة في محافظة الأنبار العراقية منذ أكثر من 25 يوما. وتتراوح أعدادهم بين 57 و140 محتجزا من دون أي أرقام دقيقة في هذا الشأن. كذلك تتضارب المعلومات عن سبب الاحتجاز، فقد تم تسريب رواية عن «العثور على أكياس أسمنت تحمل رمز شركة (الترابة الوطنية) (اللبنانية) (السبع) في مكان تعرض لانفجار قبل فترة، مما أدى إلى إصدار السلطات العراقية قرارا يمنع دخول الشاحنات التي تنقل أسمنتا لبنانيا مصدره الشركة المذكورة». وقد تلقت «الشرق الأوسط» نسخا من هذا القرار تشير إلى المنع من دون أن تذكر السبب.

كذلك تم تسريب خبر عن صفقات فساد في الجانب العراقي ومطالبات برشى أدت إلى احتجاز السائقين، وأيضا عن علاقة أحد التجار الذين تسلم إليهم البضائع بمجموعة إرهابية.

إلا أن هذه التسريبات لا تزال من دون أي تأكيد عراقي رسمي، ليبقى الواقع الوحيد أن سائقي الشاحنات اللبنانيين كانوا قد توجهوا إلى العراق لتسليم الأسمنت، فخضعوا لعملية تفتيش دقيقة ثم أوقفوا وصودرت جوازات سفرهم وهواتفهم الجوالة. ولم تتمكن الدولة اللبنانية عبر رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ووزيري النقل والدفاع غازي العريضي وإلياس المر من الحصول على أي توضيح رسمي بهذا الشأن. ويقول وزير النقل غازي العريضي لـ«الشرق الأوسط»: «أجرينا عددا من الاتصالات مع الجهات العراقية، ولم نتلق أي أجوبة. الوضع ليس مقبولا، فاللبنانيون محتجزون منذ ما يقارب الشهر في العراق ومن دون تهمة معلنة. وهناك ما يشي بأمور غير سليمة وغير نزيهة، نحن كحكومة لبنانية نطلب جوابا على ذلك». ويضيف: «على الرغم من كثافة المراجعات من قِبلنا وملاحقتنا إياهم عبر كل القنوات، فإننا لم نستطع أن نأخذ حقا أو باطلا من أي جهة رسمية في العراق. لو أنهم يعلموننا بما لديهم من معلومات، لكنا فهمنا ما يجري. ليبلغونا إذا كان السائقون اللبنانيون قد ارتكبوا أي شيء، ومن ثم ليتصرفوا وفق قوانينهم».

ويشير العريضي إلى «أن لبنان حريص على أمن العراق واستقراره، لكن ما يجري يدل على أن طريقة التعاطي معنا غير جيدة، ذلك أننا لم نتلق أي توضيح من أي جهة رسمية، وللأمر تداعياته. والمعروف أني كنت ولا أزال من أكثر المدافعين عن العراق وأبنائه ووضعه الأمني. كما أني، ومن منطلق مسؤوليتي كوزير للنقل، اهتم بحفظ كرامة أي عراقي في مطار بيروت. وأسارع إلى حل أي إشكال بما يحفظ العلاقات الأخوية. ونتوقع أن يعاملونا بالمثل ويحفظوا كرامة لبنان واللبنانيين».

ويستبعد العريضي أن يكون سبب الاحتجاز متعلقا بقرارات منع استيراد الأسمنت اللبناني بشكل عام. ويقول: «أستبعد صدور مثل هذه القرارات، فقد تم السماح لشركات لبنانية أخرى بإدخال الأسمنت إلى العراق بعد حادثة الاحتجاز. وهي تقوم بذلك».

وتقول إيمان عثمان، زوجة اللبناني يحيى عبد الواحد، أحد السائقين الموقوفين، لـ«الشرق الأوسط» إن ابنها الصغير البالغ من العمر ثلاث سنوات يرفض أن يكلم والده عبر الهاتف، فهو غاضب لأن الوالد كان قد وعده بالعودة سريعا وتخلف عن وعده.

وتضيف: «حاليا يهاتفني زوجي كل يومين. في الأيام الأولى للاحتجاز تمت مصادرة الهواتف كلها، باستثناء هاتف كان الجميع يستخدمونه للاتصال بذويهم. قبل أسبوع أعادوا إليهم هواتفهم».

يحيى عبد الواحد أب لفتاة وولد. وتقول إيمان الحامل في الطفل الثالث: «حالة زوجي النفسية سيئة جدا، يبكي عندما يحادثني، فهو ورفاقه في الصحراء من دون ماء، يأكل الفاصولياء يوميا ولا يستطيع الاستحمام أو الوضوء لتأدية الصلاة». وتضيف: «كان يحيى يعمل على خط السعودية، فيغيب 15 يوما كلما تولى نقل البضائع. عندما بدأ العمل على خط العراق، أصبح يغيب أسبوعا ويمضي في البيت يومين، ويقبض 50 دولارا أكثر من ما كان يقبضه. هذه هي الحكاية التي فرضتها علينا الحياة الصعبة. فأنا لا أريده أن يسافر، وغالبا ما كنا نتشاجر بسبب ذلك. وعندما كنت أطالبه بالعمل في لبنان، كان يجيب بأنه لا يجيد التهريب ولا يريد الانتساب إلى أحد الأحزاب ليسوي أوضاعه. لذا، لم يكن أمامه إلا العمل كسائق شاحنة للنقل الخارجي».

ناصر سلمى، صاحب شركة شاحنات تنقل الأسمنت إلى العراق بمعدل 150 إلى 200 طن يوميا. يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «ستين سائقا لبنانيا توجهوا قبل 26 يوما إلى العراق على متن شاحنات محملة بالأسمنت، فتم توقيفهم أربعة أيام عند نقطة الوليد الحدودية، ليصار إلى فحص العينات التي ينقلوها. وبعد التأكد من سلامتها سمحوا لهم بدخول الأراضي العراقية. بعد مسيرة 70 كيلومترا، استوقف حاجز أمني 75 سائقا منهم. وصادر جوازات سفرهم وهواتفهم الجوالة ثم احتجزهم مع شاحناتهم، في حين نجا ثلاثة سائقين كانوا قد تخلفوا عن رفاقهم. واضطروا إلى الاختباء تجنبا للاعتقال، لكنهم لا يستطيعون العودة إلى لبنان».

ويضيف سلمى: «لا أحد من السائقين يعرف لماذا تم الاحتجار، لا سيما أن نتائج تحليل العينات كانت سليمة ولا شيء فيها يمس الأمن القومي العراقي. كما أن الجهات الأمنية العراقية لم تكتف بفحص العينات، إنما أرغمت السائقين على تفريغ الأاسمنت وتم فحص كل ما يحتويه بدقة متناهية، كما تم فحص الشاحنات بأجهزة السكانر، ولم يتم ضبط أي مواد متفجرة».

ويشير إلى أنه «تمكن من الاتصال بسائقيه ومعرفة ما يجري معهم عبر خط هاتف جوال كانوا أخفوه عن الأعين. أكثر من ذلك تمكن من الاستحصال على أمر بالإفراج عنهم من إدارة الجمارك العراقية، ثم اتصل بالرائد المسؤول عن توقيفهم وراجعه بالأمر، فرد الرائد العراقي بأنه يتلقى أوامره من وزارة الدفاع وليس من إدارة الجمارك».

ويشدد سلمى على أن ما يدفعه إلى المطالبة بالإفراج عن السائقين هو عدم اتهامهم بأي جريمة تستوجب توقيفهم واحتجازهم. وقال: «نريد أن نعرف سبب الاحتجاز؟ فإذا كانوا مذنبين أو إذا كانوا قد ارتكبوا ما يمس الأمن العراقي، وتم إثبات ذلك لتتم محاكمتهم. لكنهم أبرياء. وهم ينقلون الأسمنت إلى تجار عراقيين معروفين وبالوسائل القانونية. ونحن نرسل شاحناتنا إلى العراق منذ ما يقارب ثمانية أعوام، وهذه هي المرة الوحيدة التي نواجه مثل هذه القضية. وبعد إرسالنا الشاحنات، علمنا أن قرارات من وزارات الدفاع والداخلية والمالية وإدارة الجمارك قضت بمنع استيراد الأسمنت من شركة (السبع) اللبنانية. فقلنا لهم ذلك ليعيدوا الشاحنات والسائقين. لكن لا جواب على ذلك».

وعن الظروف السيئة التي يعانيها المحتجزون يقول سلمى: «يقدمون لـ75 شخصا 30 وجبة طعام يوميا وفي أكياس نايلون، ويمنعونهم من مقابلة أحد. صحيح أنهم لا يستخدمون العنف ضد السائقين اللبنانيين، لكنهم يسخرونهم للعمل في التنظيف وما إلى ذلك». وفي اتصال أجرته «الشرق الأوسط» في بغداد مع اللواء بهاء الدين حسين الكرخي، قائد شرطة الأنبار، أكد أن أوامر جاءت إلى قيادة عمليات الأنبار كما جاءت إلى منافذ حدودية أخرى بحجز «جميع السيارات التي تحمل مادة الإسمنت لإدخالها العراق»، وقال إن هذه الأوامر جاءت من رئاسة الوزراء موضحا لـ«الشرق الأوسط» أن منفذ الرطبة الحدودي تم فيه حجز 115 سيارة تحمل هذه المادة، وأن سائقي هذه الشاحنات هم من الأردنيين واللبنانيين. وأكد اللواء الكرخي أن هؤلاء السائقين موجودون في قيادة عمليات الأنبار و«يتمتعون بضيافة كبيرة لحين فحص المادة التي تحملها شاحناتهم».

وأضاف اللواء الكرخي أن هذا الإجراء جاء بعد أن وجدت مادة الإسمنت في أحد مواقع التفجيرات في بغداد، وقال إن جميع الشاحنات التي تحمل هذه المادة ستتعرض للتفتيش الدقيق من جميع منافذ العراق.