بعد الانتخابات المثيرة للجدل.. الأنظار تتجه إلى «معركة» الوحدة أو الانفصال في السودان

الصادق المهدي: بقاء البشير في السلطة جزء من خطة الغرب لابتزازه

الرئيس عمر البشير يحتفل مع أنصاره في الخرطوم بعد فوزه في الانتخابات (أ.ف.ب)
TT

بعد الإعلان أول من أمس عن نتائج أول انتخابات تعددية في البلد منذ نحو ربع قرن، بدأت الأنظار تتجه إلى موعد تنظيم استفتاء حول مصير جنوب السودان، يمكن أن يؤول إلى تقسيم أكبر بلدان أفريقيا مساحة.

وكان البشير قد أكد في كلمة مساء أول من أمس أمام أنصار حزب المؤتمر الوطني في الخرطوم: «الآن فرغنا من معركة الانتخابات.. والآن معركتنا القادمة هي معركة الوحدة». وكان تعهد في خطابه إلى الشعب عبر التلفزيون إثر إعلان فوزه بتنظيم الاستفتاء حول مصير جنوب السودان في موعده. وينظر كثيرون في هذه المنطقة التي تعاني من مشكلات تنموية على الرغم من أنها تضم حقول نفط هامة، إلى الانتخابات التي نظمت باعتبارها مرحلة على درب الاستقلال.

ومع طي صفحة الانتخابات تتجه أنظار جنوب السودان الآن إلى الاستفتاء. وقال حيدر إبراهيم المحلل السياسي السوداني لوكالة الصحافة الفرنسية: «سيكون على البشير وفريقه بذل جهد كبير لإقناع الجنوبيين باختيار الوحدة. أعتقد أنهم سيقومون بتنازلات، وقد يعرضون توسيع الحكم الذاتي في جنوب السودان لتفادي تقسيم البلد».

وكان صدر وعد بتشكيل لجنة وطنية لتأطير الاستفتاء. ومن المقرر أن تبدأ في الأشهر المقبلة عملية تسجيل ناخبي جنوب السودان والجنوبيين الذين يعيشون في الشمال، كما سيتعين في الأشهر المقبلة حل قضايا محورية منها رسم الحدود بين الشمال والجنوب.

ولخص دبلوماسي غربي، طلب عدم كشف هويته، الوضع بقوله: «مع اعترافنا بوجود مشكلات في الانتخابات، فإن الأولوية تبقى للحفاظ على علاقات (مع السلطات السودانية) لضمان حسن تنظيم الاستفتاء. والجميع يريد تفادي حرب أهلية جديدة بين الشمال والجنوب. ولكن إذا لم يكن الاستفتاء حرا ومنصفا، فإن ذلك سيطرح مشكلات».

إلى ذلك أكد رئيس حزب الأمة السوداني ورئيس الوزراء السابق صادق المهدي أنه لا يوجد تناقض في الموقف الأميركي والأوروبي من الرئيس السوداني عمر البشير ونظامه بين السعي لملاحقته دوليا وبين عدم إعلان بطلان الانتخابات التي، كما يقولون، جاءت دون المستوى المطلوب دوليا.

وشدد المهدي في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) على أن «الملاحقة الدولية للبشير لم تتأثر.. فالأميركان ليسوا متساهلين في هذا الأمر؛ بل العكس.. الأميركان في موضوع البشير متشددون لأنهم أضافوا إلى اتهامات المحكمة الاتهام بالإبادة الجماعية. هم يعتبرون أن البشير في هذه الحالة من الضعف يمكن ابتزازه، ولذا فليستمر بضعفه لصالح تحقيق مصالحهم، فبقاؤه في السلطة جزء من خطة ابتزازه».

وتابع المهدي بالقول: «كما أن هناك رؤية لدى بعض الأميركيين بأنه على أي حال في عالمنا الثالث هذا، الانتخابات أصلا لن تكون نزيهة مثلما حدث في أفغانستان، وهذه المسألة، أي الانتخابات المزورة، جزء من تقاليد المنطقة، وهم على أية حال معنيون أكثر بموضوع تقرير المصير للجنوب، ويريدون أن تزول الانتخابات من الطريق حتى يجرى الاستفتاء في موعده وحتى لا تتجدد الحرب، ونحن نعتقد أنه إذا حدث تقرير المصير في هذا المناخ من انتخابات مزورة وانقسام، فسيكون هذا مقدمة لحرب».

وأردف: «يوجد في الغرب من هم متأثرون بالموقف الإسرائيلي، ويرغبون في استمرار (المؤتمر الوطني) في السلطة بالتزوير لضمان استمرار الانقسام في الجسم السياسي السوداني، حيث سيضمن لهم ذلك انفصالا عدائيا للجنوب واستمرار أزمة دارفور مما قد يؤدى لتفكيك السودان».

وحذر المهدي من خطورة الفترة القادمة في حكم «المؤتمر الوطني» بقيادة البشير على حاضر ومستقبل السودان، موضحا بالقول: «فوز البشير بهذه الطريقة المزورة يعني أن الحكم الذي يقيمه سيواجه 5 جبهات حصار: الأولى هي الانقسام في الجسم السياسي السوداني بين من يؤيدون النتائج ومن يرفضونها، والثانية تقرير مصير الجنوب في مناخ غير صحي يؤدي لانفصال عدائي.. والأصوات التي حصل عليها البشير في الجنوب كانت ضعيفة جدا».

وتابع: «كما أن هنالك أسبابا بنيوية في اتفاقية السلام تشجع على الانفصال، كمسألة عوائد النفط، حيث سيرغب الجنوبيون في الحصول على كل عوائد نفطهم لا 50% فقط كما نصت الاتفاقية، وللأسف المؤتمر الوطني (بغباء شديد) دأب منذ عام 1999 على إهمال الزراعة والتجارة والاعتماد فقط على عوائد البترول. ولم يكتف بهذا؛ بل ضاعف إنفاق الحكومة عشر مرات. ولذا، ومع انفصال الجنوب، سيواجه السودان أزمة مالية كبيرة».

وأضاف: «أما الجبهة الثالثة فهي دارفور، لأن كل قوى دارفور المسلحة سترفض هذه الانتخابات ونتائجها، فضلا عن الجبهة الرابعة المتمثلة في ما سيبرزه الصراع بين المعارضة والسلطة من خلاف حول موضوع الحريات وضرورة توافرها. أما الجبهة الخامسة والخطيرة فهي المحكمة الجنائية الدولية التي ستجعل الحكومة التي يقيمها (المؤتمر الوطني) حكومة مشلولة دوليا لا تستطيع أن تتحرك؛ لأن هناك 111 دولة معترفة بالمحكمة ولا تسمح بتحديها».