القوات الأميركية تدرب سكان القرى الأفغانية لمحاربة طالبان

كرزاي يعرب عن مخاوفه من أن تتحول هذه الفرق إلى ميليشيات معادية

TT

اعتاد مقاتلو حركة طالبان على التباهي بالإفلات من العقاب من خلال هذه القرية الزراعية، وهددوا باغتيال المتعاونين مع الحكومة. وقاموا بغرس الألغام على الطريق الرئيسي، وهو طريق ترابي مليء بالحفر. كما قاموا بدفع الأموال للسكان المحليين لمهاجمة القوات الأميركية والأفغانية.

وبعد ذلك، وبداية من أواخر شهر فبراير (شباط) الماضي، قامت كتيبة صغيرة من الجنود في القوات الأميركية الخاصة بتنظيم ما يقرب من عشرين من سكان القرية ليشكلوا مجموعة مراقبة مسلحة على الطراز الأفغاني في المنطقة.

وفي هذه الأيام، تحقق السوق ازدهارا. وقد أعيد فتح المدرسة. وأصبح الناس في المنطقة على قدر كاف من الثقة لإبلاغ القوة الدفاعية والشرطة في القرية عن نشاط مقاتلي طالبان. ونتيجة لذلك، توقفت تقريبا هجمات المتمردين ولم تصب القوات الأميركية أي قنبلة مزروعة على جانبي الطريق في المنطقة خلال الشهرين الماضيين، حسبما ذكرت الكتيبة.

وقال نصر الله، أحد شيوخ القبائل والمسؤول عن القوة في القرية: «الجميع يشعرون بمزيد من الأمان في الوقت الراهن. لم يعد أحد يشعر بالقلق بشأن التعرض للقتل».

وقد أثارت هذه التغييرات السريعة والعميقة المسؤولين العسكريين الأميركيين في أفغانستان، وعززت من الأمل في أن هذه المجموعات قد تقلب المكاسب التي حققها المتمردون عن طريق توفير درجة من الحماية للسكان لم تقدر الشرطة ولا الجيش الأفغاني ولا حتى القوات العسكرية الدولية على توفيرها.

بيد أن الخطط الرامية إلى تمديد هذا البرنامج قد تعطلت بفعل معارضة الرئيس الأفغاني حميد كرزاي، الذي يخشى أن تتحول هذه الفرق إلى ميليشيات معادية، والتي من الممكن أن تحدث فوضى كالتي أحدثتها ميليشيات مشابهة في البلاد في تسعينات القرن الماضي وأدت إلى صعود طالبان. وقال مسؤول أفغاني: «إن ذلك يعد لعبا بالنار. فهذه الجماعات قد تحقق لنا الأمن اليوم، لكن لا أحد يعرف ما الذي سيحدث غدا».

وبعد الاستشهاد باعتراضات كرزاي، عرقل كارل دبليو إيكنبيري، السفير الأميركي لدى أفغانستان، إصدار الأموال الضرورية للتوسع في هذه المبادرة. كما أصدر أوامره للعاملين بوزارة الخارجية الأميركية في البلاد بعدم تقديم المساعدة لهذه المبادرة حتى توافق عليها الحكومة الأفغانية.

وبالإضافة إلى مشاطرة مخاوف كرزاي بشأن ما الذي سيحدث لقوات الدفاع المحلية بمجرد انتهاء الإشراف الأميركي، يشعر إيكنبيري ومسؤولون آخرون في السفارة بالقلق من أن هذا البرنامج سيضعف الحكومة المركزية في أعين الرأي العام وسيتعارض مع الجهود الرامية إلى بناء الجيش والشرطة في البلاد.

وقال أحد المسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية في كابل، الذي طلب مثل مسؤولين آخرين عدم ذكر اسمه لأنه يناقش نزاعات داخلية: «في نهاية المطاف، إلى أي مدى سيكون برنامج مثل ذلك مستداما؟ إنه يتناقض مع هدف جعل القوة مركزية في أيدي الدولة فقط».

ويقود مصلحة الجيش في مبادرات الدفاع المحلي إلى حد كبير الموعد النهائي الذي حدده الرئيس باراك أوباما، وهو يوليو (تموز) 2011، لبدء انسحاب القوات، وهو الأمر الذي صاعد الضغوط على القادة العسكريين من أجل إظهار تقدم واضح في مهمة مكافحة التمرد العام الحالي.

وأعرب بعض المسؤولين العسكريين عن الإحباط من أن الدبلوماسيين الأميركيين في كابل لم يبذلوا الجهود لإقناع كرزاي والمسؤولين الأفغان الآخرين بتغيير وجهات نظرهم. وأخبر وزير الداخلية حنيف أتمار، الذي كان يدعم المبادرة في بداية العام الحالي، المشاركين في جلسة تخطيط أميركية - أفغانية عقدت الشهر الحالي، أنه لم يعد يوافق على المبادرة، ويرجع مسؤولون عسكريون هذا الانقلاب في الرأي إلى الضغوط من جانب كرزاي. وعلى الجانب الآخر، يريد أتمار من الولايات المتحدة أن تتوسع في برنامج مختلف للدفاع المحلي، وهو برنامج تسيطر عليه الوزارة التي يرأسها وتم تنفيذه في إقليم واحد في الشرق، لكن القادة العسكريين الأميركيين يعتقدون أن هذا البرنامج لن يكون فعالا مثل النهج المتبنى في أفغانستان.

وبدلا من انتظار موافقة كرزاي، مضت قيادة القوات الخاصة قدما في المشروعات التجريبية في هذه القرية وفي تسع قرى أخرى، على أمل إظهار أن هذه القوات التي يتم إنشاؤها ليست ميليشيات. وسمحت هذه القيادة لأحد مراسلي «واشنطن بوست» بزيارة أربعة من هذه المواقع الشهر الحالي.

وقال البريجادير جنرال أوستين إس ميلر، القائد الأعلى للعمليات الخاصة في أفغانستان: «يوجد هناك علامات لنجاح حقيقي في المستقبل».

وقال مسؤول عسكري أميركي إن كرزاي قدم موافقة ضمنية لعدد صغير من التجارب شريطة أن تتصل هذه القوات التي يتم إنشاؤها بطريقة ما بالحكومة الأفغانية. وقال المسؤول إن القوات الخاصة تهدف إلى بناء مثل هذه الصلات.

وفي واشنطن، قال مسؤول بارز بالإدارة اشترك في وضع السياسة في أفغانستان، إن هذه التجارب أثارت أهمية – ودعما حذرا – في البيت الأبيض. وقال: «تحتاج هذه الحلول المقلوبة إلى أن تكون جزءا من المعادلة».

وعندما وصلت كتيبة من الوحدة الأولى بالقوات الخاصة إلى هذه القرية في منتصف شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، بدا الأمر وكأنه مكان جيد للتجربة بالنسبة إلى مبادرة الدفاع المحلي. وهذا الجزء من وادي أرغانداب الخصب يعد ممرا أساسيا للمتمردين الذين يسعون إلى التسلل إلى داخل مدينة قندهار، التي تقع على بعد أقل من 20 ميلا. ويشكل البشتون، الذين ينتمون إلى قبيلة ألوكوزاي، غالبية السكان في هذه القرية. وكانت قيادة هؤلاء السكان تدعم بصفة عامة الحكومة الأفغانية.

لكن عندما طلب الجنود من قادة القبائل في المنطقة التجمع لمناقشة الأمور الأمنية، فقد رفضوا ذلك.

وقال قائد الكتيبة: «الشيء الوحيد الذي يمكن أن يوافقوا عليه هو أنهم قالوا لنا: لا نريد مساعدتكم». وطالب مسؤولون عسكريون أميركيون بعدم تعريف هوية أعضاء هذه الوحدة، وكذلك اسم هذه القرية، نظرا للمخاوف الأمنية المتعلقة بالعملية.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»