الرئيس السوداني لا يمكنه تجنب العزلة الدولية.. رغم فوزه في الانتخابات

باريس قالت إن البشير ليس على قائمة ضيوف القمة الأفريقية الفرنسية في نيس في 31 مايو

الرئيس البشير يحيي أنصاره في الخرطوم (أ.ف.ب)
TT

لا يمكن لأحد من زعماء الدول أن يخلي مكانه أسرع من الرئيس السوداني عمر حسن البشير. وقد تحايل الزعماء كي لا يظهروا معه في صور فوتوغرافية، وتخلفوا عن مأدبة غداء رسمية لتجنب الجلوس إلى جواره، وذهب الأمر بهم إلى إلغاء اجتماع دولي من أجل الابتعاد عن البشير.

ويأتي ذلك ضمن مناورات دبلوماسية بدأت قبل عام عندما أصدرت محكمة الجنايات الدولية في لاهاي مذكرة توقيف بحق البشير، وذكرت تهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لدوره في سفك الدماء داخل منطقة غرب دارفور. واستهزأ الرئيس السوداني بمذكرة التوقيف، ولكنها أدت إلى مواقف سخرية من المشتبه فيه في السر وبصورة غير سرية بدرجة كبيرة في عواصم مختلفة.

وجاءت آخر إشارة تنم عن الاستخفاف به من باريس، حيث قالت للرئيس البشير صراحة إنه ليس على قائمة ضيوف القمة الأفريقية الفرنسية في مدينة نيس داخل الريفييرا الفرنسية في 31 مايو (أيار). وقال مسؤول في وزارة الخارجية الفرنسية: «لم تدع السودان، ولكن طلب من الرئيس البشير اختيار مندوب». ويأتي ذلك عقب رفض فرنسي أقوى، حيث كان من المقرر أن يعقد الاجتماع في مدينة شرم الشيخ المصرية، ولكن عندما رفض الرئيس المصري حسني مبارك استثناء البشير، قال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إنه لن يستطيع الحضور، ومن ثم فشل الاجتماع.

ويحظى الاجتماع الأفريقي - الفرنسي، الذي يعقد بصورة نصف سنوية، بأهمية خاصة خلال العام الحالي، حيث إن أكثر من عشر دول أفريقية تحتفل بمرور 50 عاما على الاستقلال. ومن المتوقع حضور 45 زعيما من أفريقيا والشرق الأوسط داخل مدينة نيس، ويحمل ذلك مفارقة تاريخية حيث إن بعض المستعمرات الفرنسية السابقة ستحتفل - حاليا - باستقلالها عن تراب الدول التي استعمرتها سابقا. ويقول دبلوماسي من شمال أوروبا: «يبدو الأمر مثل إقامة مهرجانات الاستقلال الأميركي عن ساحل بريطانيا».

ولا يزال وضع البشير قويا داخل السودان، فقد تمكن بسهولة من الفوز بالانتخابات التعددية الأولى داخل السودان خلال أكثر من 20 عاما، على الرغم من أن المعارضة قاطعت التصويت وتوجد تقارير عن تزوير واسع النطاق. ولكن نفوذ الرئيس على السودان ربما لا يفيد كثيرا في الحد من العزلة التدريجية في الخارج. وتقول بياتريس فرابر، وهي مستشارة قريبة من المدعي داخل محكمة لاهاي: «لا تطرح الأسئلة المعتادة من جانب الدبلوماسيين عما سيحدث حاليا»، مشيرة إلى أنه على الرغم من وجود تساؤلات حول مذكرة التوقيف في الماضي، فإنه لم يتحدث أحد حول الأثر الذي ستتركه الانتخابات على مذكرة التوقيف. وتضيف: «لقد تغير الوضع، فالحكومات تدرك أن العملية السياسة لا تؤثر على العملية القانونية».

ويبدو أن الحكومات توقفت بصورة واضحة عن محاولة تقويض هذه المذكرة النادر إصدارها بحق رئيس في منصبه - وقد أدين تشارلس تايلور أيضا بينما كان رئيسا لليبريا - ولكن ثمة إقرار واسع بأن البشير يمكن أن يلعب دورا مهما في إجراء استفتاء سلمي العام المقبل بخصوص استقلال جنوب السودان. ويمكن أن يؤدي التصويت إلى انفصال الجنوب الفقير الذي توجد به أغلبية مسيحية عن الشمال المسلم. ويتصرف البشير وكأنه لا يلاحظ إشارات الاستهزاء المتتالية. وقام بزيارة دول صديقة، من بينها مصر وموريتانيا والسعودية وقطر، ولكنه لم يذهب إلى أي من الدول التي انضمت إلى محكمة الجنايات الدولية والتي يبلغ عددها 111 دولة من بينها 30 دولة داخل أفريقيا.

وحالت هذه الدول من دون زيارته لها، حيث قالت له إنه بموجب عضويتها في المحكمة فإنها ملزمة قانونيا بإلقاء القبض عليه. وأقنعته جنوب أفريقيا بعدم حضور حفل تنصيب الرئيس جاكوب زوما، وبقي بعيدا عن اجتماعين رفيعي المستوى في أوغندا ومؤتمر للاتحاد الأفريقي حول دارفور في نيجيريا. وفي مارس (آذار)، لم يشارك في اجتماع داخل كينيا، على الرغم من أنه كان يتناول اتفاق السلام بين شمال وجنوب السودان. وغاب أيضا عن مؤتمر المناخ في كوبنهاغن واجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

وبعد أن قامت تركيا، وهي ليست من الدول الأعضاء في المحكمة، بدعوة البشير إلى قمة إسلامية العام الماضي، اقترحت عليه عدم الحضور بعد ضغوط من الاتحاد الأوروبي على الأتراك.

وفي بعض المناسبات، انسحب زعماء دول أخرى بعد حضور البشير. وفي اجتماع دولي داخل قطر العام الماضي، ترك الرئيس البرازيلي لويس ايناسيو لولا دا سيلفا مأدبة غذاء عندما وصل البشير متأخرا، وجلس على كرسي إلى جوار دال سيلفا. وفي الاجتماع نفسه، قال مسؤولون من كولومبيا وتشيلي إنهم لن يظهروا في صورة فوتوغرافية رسمية للمجموعة إذا ظهر فيها الرئيس السوداني. ولم يظهر البشير في الصورة.

* خدمة: «نيويورك تايمز»