المناظرة التلفزيونية على الطريقة الأميركية تهيمن على الانتخابات البريطانية

سباق الانتخابات يتحول لمنافسة في «اللباقة والأسلوب» بين 3 متنافسين

رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون في اليوم الأخير من الحملة الانتخابية الذي أمضاه في ابسويتش شرق انجلتر أمس (إ.ب.أ)
TT

من الناحية التقليدية، كانت المواجهات بين رؤساء الوزراء وخصومهم السياسيين في بريطانيا بمثابة تدريبات على توجيه الشتائم والسباب على نحو يفتقر إلى التعقل أمام أعضاء البرلمان البريطاني المبالغين في حماسهم خلال ما يعرف باستجوابات رئيس الوزراء الأسبوعية في البرلمان.

وكان الهدف من وراء المناظرات التلفزيونية الانتخابية التي عقدت بين رئيس الوزراء غوردن براون وزعيم حزب المحافظين ديفيد كاميرون وزعيم حزب الأحرار الديمقراطيين نيك كليغ تصحيح هذا النهج. إلا أنه على ما يبدو تمثل التأثير الأساسي لهذه المناظرات ليس في دفع الناس للتفكير في القضايا المطروحة بقدر ما تمثل في الإسراع من وتيرة توجه مغاير تماما وهو التحرك باتجاه ولع بالشخصيات السياسية على غرار ما هو قائم في الولايات المتحدة والتركيز على الأسلوب واللياقة والكاريزما الشخصية والجاذبية.

والملاحظ أن أمورا مثل مظهر الزعامات السياسية وأسلوب حديثهم وإلى أي مدى يبدو عليهم الصدق وحجم العرق المتصبب على وجوههم ومعدل ارتسام البسمة على وجوههم ونمط ملبس زوجاتهم وما إذا كان يبدو عليهم الارتياح برفقة المواطنين العاديين وما إذا كانوا يتحدثون بطلاقة أمام الكاميرات أم أنهم يتمتمون بصوت خفيض، اكتسبت جميعها أهمية على صعيد الحملات الانتخابية السياسية الراهنة التي تعد الأهم من نوعها في التاريخ البريطاني خلال السنوات الأخيرة.

ووصف أحد كتاب صحيفة «غارديان» البريطانية المناظرة الختامية التي جرت الأسبوع الماضي بين المتنافسين الثلاثة بأنها تحولت إلى «استعراض لمواهب الملعونين»، معترفا بأن هذا التحول جاء في فترة عصيبة بالنسبة لبريطانيا التي تعاني حاليا من مشكلات اقتصادية وسياسية عديدة.

لكن إذا كان مظهر الحملات الانتخابية اكتسب طابعا أميركيا أكبر، فإن ذلك لا ينفي أن نكهة بريطانية ظلت مميزة لها، حيث أصبح العنصر الأكثر أهمية في نظر الكثيرين الآن الأسلوب الخاص لكل مرشح في التعبير عن «بريطانيته»، حيث لا يزال البريطانيون مولعين بتفاصيل الفوارق الاجتماعية. من جانبهم، بذل المرشحون جهودا دؤوبة لإظهار أنفسهم باعتبارهم ينتمون إلى الطبقة العاملة العادية. وفي الوقت الذي بدا من المحتمل أن يكون هذا الدور مقنعا بالنسبة لغوردن براون، رئيس الوزراء وزعيم حزب العمال، الذي كان والده وزيرا اسكوتلنديا وأصبح زعيما يساريا بين الطلاب في جامعة أدنبره، فإنه انطوى على صعوبة أكبر بالنسبة لكل من ديفيد كاميرون، زعيم حزب المحافظين، ونيك كليغ، زعيم الليبراليين الديمقراطيين.

وبالنسبة للمراقبين للحملات الانتخابية عن قرب - بما في ذلك جميع وسائل الإعلام الإخبارية البريطانية المولعة بالطبقات الاجتماعية - ينتمي كليغ وكاميرون إلى خلفيات اجتماعية مرفهة يطلق عليها غالبية البريطانيين «رفيعة المستوى». ومع ذلك، هناك تقسيمات داخل تقسيمات قمة الهيكل الهرمي الاجتماعي. على سبيل المثال، أشارت الكاتبة سيمون كار في صحيفة «إندبندنت» إلى أن أنونزياتا ريز ميغ، مرشحة حزب المحافظين، تتميز بلكنة مميزة لأبناء الشريحة الوسطى من الطبقة العليا.

ويشير البعض إلى أن كاميرون من أحفاد الملك ويليام الرابع وأنه ارتاد «إتون»، وهي مدرسة داخلية عتيقة لأبناء الطبقة العليا الطامحين لبناء إمبراطوريات والذين تبدو ملابسهم غريبة أمام عامة أقرانهم من البريطانيين. كما نوه البعض بأن كليغ حفيد لسيدة غير بريطانية، تحديدا بارونة روسية وأنه ارتاد «ويستمنستر»، وهي مدرسة رفيعة من الطراز الأول في لندن.

ويعني ذلك أيضا أن عائلة كاميرون حققت ثروتها من نشاطات تجارية بريطانية، بينما ترعرع كليغ في عائلة بريطانية ثرية، وأنه حفيد لروس من البيض ونجل امرأة هولندية. كما أنه يتحدث خمس لغات ومتزوج من إسبانية وعضو في البرلمان الأوروبي - وهي عناصر بدت نقاطا سلبية ضده من وجهة نظر الصحافة الموالية لحزب المحافظين المعادية لأوروبا والموالية لكاميرون.

ويشجع التركيز على مثل هذه التفاصيل المرشحين على توجيه مزيد من الاهتمام إلى أسلوب عرضهم لأفكارهم، واهتمام أقل إلى تناول قضايا مثل كيف تحديدا ينوون تقليص العجز السنوي البالغ 248.4 مليار دولار، حسبما أوضح ستيفين فيلدنغ، بروفسور التاريخ السياسي ومدير «مركز السياسات البريطانية» بجامعة نوتنغهام. وأضاف: «بالنظر إلى خطورة القضايا، تبدو هذه الحملات الانتخابية وكأنها تجري في عالم مناظر لما سيحدث بعد 6 مايو (أيار)».

في خضم نضالها أمام عجز هائل في الميزانية وعملة ضعيفة وتعاف اقتصادي هزيل، تواجه بريطانيا احتمال خوض حقبة جديدة من التقشف المؤلم بدرجة لم يعاينها جيل بأكمله. والأسبوع الماضي، أشارت وسائل إعلام إلى تحذير أطلقه ميرفين كنغ، محافظ بنك إنجلترا، حول أنه بغض النظر عن الشخص الذي سيتولى رئاسة الوزراء، فإنه سيتعين عليه اتخاذ إجراءات تقليص حادة في النفقات لدرجة تنطوي على مخاطرة دفع حزبه في هوة النسيان لسنوات قادمة - مثلما حدث مع المحافظين في أعقاب الكوارث التي منيت بها البلاد في مطلع ومنتصف التسعينات.

وأشار بروفسور فيلدنغ إلى أن المشاهدين الذين يتابعون المناظرات التلفزيونية بين السياسيين بدأوا ينظرون إليهم كما لو كانوا شخصيات في عمل درامي خيالي. واستطرد موضحا أن «هذا لا يعني أنهم يخلطون بينهم وبين الشخصيات التلفزيونية، لكنهم أصبحوا يرونهم داخل نفس الإطار العام. وتبالغ المناظرات بين القادة السياسيين في هذا التوجه من خلال تشجيع الناخبين على التركيز على التفاصيل الدقيقة، بدلا من السياسات العامة».

والملاحظ أن المناظرات غيرت مسار الحملات الانتخابية من خلال إعادة رسم المشهد السياسي، ذلك أن النجاح غير المتوقع لنيك كليغ في المناظرة الأولى من خلال أسلوبه الحماسي والسلس دفع حزبه إلى قلب الخريطة السياسية، ونجح كليغ في طرح نفسه كبديل ممكن للتيار السياسي التقليدي. كما استغل كاميرون المناظرات في تعزيز موقفه كرئيس وزراء محتمل وتهدئة مخاوف بعض الناخبين من أنه يفتقر على نحو مفرط إلى الخبرة بما لا يتناسب مع أعلى منصب سياسي في بريطانيا.

لكن براون، الذي يعد بطبيعته شخصية متوترة، جاء أداؤه رديئا مقارنة بخصومه الواثقين من أنفسهم. والواضح أن تأكيده على أن ملاءمة وجه المرء للتصوير أقل أهمية عن التحلي بالجدية لم يلق أصداء كبيرة في أوساط الناخبين. وبعد نصحه بمحاولة إضفاء طابع إنساني على حملته عبر التفاعل مع الناخبين البسطاء، قوض براون هذه المساعي الأسبوع الماضي عندما نسي أنه يرتدي مكبرا صغيرا للصوت وعلق على نحو سلبي على واحدة من أنصار حزب العمال منذ أمد بعيد باعتبارها «متعصبة»، بعدما أعربت عن قلقها حيال قضية الهجرة.

وقطعا لم يساعد هذا التعليق البريطانيين على صياغة فكرة محددة حول ما يعنيه كون المرء بريطانيا في مثل هذه الفترة العصيبة، وما يعنيه أن يسعى المرء لتولي رئاسة الوزراء في مثل هذا التوقيت. وقال فيلدنغ: «كثير من الناس يتساءلون: من في العالم يرغب في تحمل مثل هذا العبء؟ وقد يكون في هذا التساؤل نهاية مرشح ما».

* خدمة «نيويورك تايمز»