جهود أميركية للحيلولة دون اندلاع سباق نووي في الشرق الأوسط

مستشار أوباما للشؤون النووية: إعادة صياغة معاهدة الانتشار النووي «أصعب من تغيير الدستور الأميركي»

TT

من المحتمل أن يهيمن على المؤتمر الرامي إلى تعزيز المعاهدة الأساسية الساعية لوقف انتشار الأسلحة النووية المنعقد تحت رعاية الأمم المتحدة، الذي افتتح أمس، تنديدات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بالغرب، وتحذير هيلاري رودهام كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية، من أنه حال امتلاك إيران أسلحة نووية، سرعان ما ستقتفي أثرها باقي دول الشرق الأوسط.

إلا أنه بعيدا عن الأضواء، تشن إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، حملة على المستوى الدولي الثنائي للتحرك إلى ما وراء المعاهدة وضمان عدم استثارة سعي طهران إلى امتلاك أسلحة نووية سباق تسلح نووي إقليمي. وفي الشهور الأخيرة، عكف دبلوماسيون على عقد اجتماعات في واشنطن والقيام بزيارات متكررة إلى دول الشرق الأوسط سعيا للتوصل إلى اتفاقات من شأنها السماح للدول بتنمية طاقة نووية، مع التنازل عن حق إنتاج وقود نووي الذي يمكن استغلاله في أغراض عسكرية.

ومنذ آخر اجتماع للدول الـ189 الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي في نيويورك منذ 5 سنوات، شرعت الكثير من الدول الغنية بالنفط على مستوى العالم في التفكير في بناء أو التقدم بالفعل بعروض شراء لمفاعلات لإنتاج الطاقة النووية، موضحة أن احتياطيات النفط التي عادت عليها بالثروة لن تدوم إلى الأبد. إلا أن القلق يساور واشنطن من أن يحدو الخوف من تملك طهران سلاحا نوويا، بهذه الدول إلى استخدام تقنية إنتاج الوقود النووي في صنع أسلحة نووية.

وتدور الاستراتيجية الأميركية التي بدأ تنفيذها في عهد إدارة جورج بوش الابن حول اتخاذ تحركات استباقية ضد هذه الاحتمالية. في هذا الصدد، قالت إلين توتشر، وكيلة وزارة الخارجية لشؤون السيطرة على الأسلحة والأمن الدولي، خلال مقابلة أجريت معها الجمعة الماضي: «نعتقد أن هذه هي الصيغة الملائمة للشرق الأوسط». وفي أواخر العام الماضي، أقرت إدارة أوباما الاتفاق الأول على هذا الصعيد مع الإمارات العربية المتحدة، التي كانت تستعد لبناء مجمع نووي بتكلفة 20 مليار دولار على سواحلها المطلة على الخليج. ويتفاوض دبلوماسيون حول اتفاقات مشابهة مع الأردن والبحرين وأقروا بالفعل الملامح الرئيسية لاتفاق مع السعودية.

وتتفق معظم الآراء، بما في ذلك آراء مساعدي الرئيس أوباما، على أن مؤتمر الأمم المتحدة لن يحل نقاط القصور الواضحة في معاهدة حظر الانتشار النووي، التي سمحت لإيران بالسعي إلى امتلاك القدرة على صنع أسلحة نووية. في هذا السياق، نوه غاري سامور، كبير مستشاري الرئيس أوباما لشؤون الأسلحة النووية، الأسبوع الماضي، بأن إعادة صياغة المعاهدة «أصعب من تغيير الدستور الأميركي».

بدلا من ذلك، تحاول الإدارة حث دول الشرق الأوسط على الابتعاد عن مسار تخصيب اليورانيوم لصالح المفاعلات الرامية لإنتاج وقود، ثم تنقية الوقود المستهلك لاحقا للحصول على البلوتونيوم، وهي خطوة تعرف بإعادة المعالجة. وتسمح معاهدة حظر الانتشار النووي بكلا الخطوتين اللتين من الممكن أن تتحولا إلى سبيل سري لصنع وقود يستخدم في صنع قنبلة نووية. في إطار مسارها البديل المقترح، تشجع الولايات المتحدة إقدام هذه الدول على شراء الوقود من جهات توريد دولية، مما يقلص فرص تحويله إلى مواد صالحة لأغراض عسكرية. وفي هذا الصدد، علقت توتشر بالقول: «كلما قلت عمليات التخصيب وإعادة المعالجة كان ذلك أفضل».

من جانبه، أثنى ديفيد إيه كاي، الخبير النووي الذي قاد بحثا عقيما عن الأسلحة غير التقليدية في العراق، خلال مقابلة معه على الاستراتيجية الأميركية، قائلا: «إنها محاولة لسد الثغرات القائمة في معاهدة حظر الانتشار النووي. كما أنها محاولة ترمي بنفس القدر، إن لم يكن أكثر، لفرض العزلة على الإيرانيين».

إلا أن إيران وبعض الدول الأخرى المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة، بما فيها مصر، تتبع أجندة مختلفة تدور حول إجبار الدولة النووية الوحيدة في المنطقة، إسرائيل، على الاعتراف بترسانتها النووية والتوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي. المعروف أن مصر تزعمت مقترحا لجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية، وهو هدف أعلنت إدارة أوباما تأييدها له، لكن فقط في إطار سلام إقليمي أوسع.

وتمارس مصر التي أعلنت عن خطط لبناء عدة مفاعلات للطاقة النووية، ضغوطا لعقد مؤتمر العام المقبل حول المنطقة الخالية من الأسلحة النووية. وتحدث رئيسها، حسني مبارك، علانية وبوضوح حول البدائل، ملمحا إلى أن بلاده ربما تشعر بالحاجة إلى بناء أسلحة نووية. وقال عام 2007 في أعقاب خوضه مناقشات مع إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك حول البرنامج النووي الإيراني: «لا نرغب في وجود أسلحة نووية في المنطقة، لكننا ملزمين بالدفاع عن أنفسنا». واليوم، لا يوجد في الشرق الأوسط أي من الـ430 مفاعلا نوويا العاملة على مستوى العالم. ومن بين الأسباب وراء ذلك احتياطيات النفط التي تتمتع بها المنطقة، مما دفع الكثير من دولها إلى الاعتقاد بعدم وجود حاجة إلى الطاقة النووية. ويتمثل سبب آخر في أنه عندما تشرع دولة بالمنطقة في بناء مفاعل نووي، تتفاقم الشكوك بشأنها بدرجة بالغة تؤدي عادة إلى قصف المفاعل.

ففي عام 1981، دمرت الطائرات الإسرائيلية المفاعل العراقي. وبعد 16 عاما، تحديدا سبتمبر (أيلول) 2007، دمرت مفاعلا كان يجري العمل على إنشائه سرا داخل سورية. في كلا الحالتين، خشيت إسرائيل من أن يكون الهدف من المفاعلين إنتاج بلوتونيوم يمكن استخدامه كوقود للقنابل.

لكن إسرائيل لم تكن الوحيدة التي ساورتها مثل هذه المخاوف، فمثلا أثناء الحرب الإيرانية - العراقية في منتصف الثمانينات، أصدر صدام حسين أوامره مرارا بقصف مشروع لبناء مفاعل نووي في إيران في بوشهر. ولاحقا، أطلق العراق صواريخ على مفاعل بنته إسرائيل في ديمونة في خمسينات القرن الماضي لاستخدام بلوتونيوم في صنع رؤوس حربية، لكن الصواريخ العراقية أخطأت هدفها.

حاليا، تستعد إيران لتشغيل مفاعل في بوشهر. طبقا لاتفاق جرى التوصل إليه في عهد إدارة بوش، توفر روسيا الوقود الخاص بالمفاعل، ومن المقرر شحن جميع الوقود المستهلك مجددا إلى روسيا. ولا يعتقد سوى نفر قليل أن بوشهر سيوفر سبيلا أمام طهران للوصول إلى قنبلة نووية، ما دام الاتفاق مع روسيا قائما.

إلا أنه فيما وراء بوشهر، يسلط تاريخ البرنامج النووي الإيراني الضوء على عيوب معاهدة حظر الانتشار النووي، كما يفسر المنطق وراء الجهود الأميركية لإقناع دول بالتخلي عن صنع وقود نووي. في الوقت الذي لا تفرض المعاهدة قيودا على صنع الوقود النووي، فإنها تلزم الدول بالتخلي عن جميع الأهداف العسكرية من وراء هذا النشاط والخضوع لعمليات تفتيش دولية.

بيد أنه من العسير رصد وقوع أعمال غش، وربما من المستحيل إنزال عقاب بسببه.

جدير بالذكر أن ما أثار المطالب الموجهة لإيران لوقف نشاطاتها بمحال تخصيب اليورانيوم - بجانب إقرار ثلاث جولات من عقوبات الأمم المتحدة ضدها والتهديد بجولة رابعة - تاريخها في الخداع ورفضها المستمر الإجابة عن سؤالين محوريين بشأن برنامجها النووي. وتقوم إيران بتخصيب اليورانيوم في مفاعلين في ناتانز، وتبني مفاعلا ثالثا في قم، وأعلنت عزمها بناء 10 مفاعلات إضافية. وتقول إيران إنها بحاجة إلى هذه المفاعلات لتوفير الوقود لـ20 مفاعلا في المستقبل.

إلا أنه سيكون من الأرخص بكثير بالنسبة لطهران شراء الوقود من الأسواق المفتوحة. كما اعترفت طهران بإجراء تجارب في مجال إعادة المعالجة وتنقية البلوتونيوم. وأشارت إلى أنها ترمي من وراء ذلك ليس لصنع أسلحة، وإنما الحصول على نظائر مشعة لاستخدامها في أغراض طبية نووية.

ومع ذلك، يبقى الاعتقاد راسخا لدى الكثير من الدول العربية المجاورة لإيران وإسرائيل بأن الهدف الحقيقي هو صنع أسلحة. وعليه، يرى الكثير من المحللين أن الاهتمام المتنامي لدى الدول الخليجية ببناء برامج نووية يعكس الرغبة في تحقيق تفوق عسكري.

وعلى الرغم من ذلك تظل هناك دوافع أخرى، منها الجوانب الاقتصادية المتعلقة بالنفط. عندما ترتفع أسعار النفط، تفضل الدول الخليجية بيعه وجني مكاسب طائلة بدلا من حرقه لتوليد الطاقة محليا. وخلصت دراسة أجرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجموعة من الدول الخليجية إلى أنه كان خيارا منطقيا أمام دول المنطقة عندما كان سعر النفط فوق 50 دولارا للبرميل. أما اليوم، فقد تجاوز السعر 80 دولارا للبرميل. ومع استعادة الاقتصاد العالمي نشاطه تدريجيا، يعتقد الكثير من الخبراء أن يصل إلى مستويات أعلى.

الملاحظ أن جميع دول المنطقة، فيما عدا لبنان، تخطط لبناء مفاعلات نووية أو أعلنت عن اهتمامها بالشروع في ذلك.

جدير بالذكر أن تركيا وقعت هذا العام اتفاقات مع روسيا وكوريا الجنوبية لإجراء دراسات أولية حول بناء مجمع نووي على البحر الأسود وآخر على البحر المتوسط، بإجمالي قوة تصل إلى 10.000 ميغاوات، ما يعادل 10 مفاعلات ضخمة.

والشهر الماضي، أعلنت الأردن عن منافسة بين 3 شركات متنافسة لبناء مفاعل نووي بقوة 1.100 ميغاوات. وأعلنت السعودية إنشاءها مدينة نووية، تحمل اسم الملك، لإنتاج طاقة نووية.

أما الدول الخليجية التي تقدمت لمسافة أبعد على مسار منع الانتشار النووي - التي وصفتها الولايات المتحدة بأنها تشكل «المعيار الذهبي» لمنع الانتشار - فهي الإمارات العربية المتحدة.

ففي أبريل (نيسان) 2008، وقعت الإمارات اتفاقا مبدئيا مع إدارة بوش للتخلي عن محاولة التخصيب وإعادة المعالجة مقابل القدرة على دخول السوق العالمية للتقنيات النووية. وبعد عام، وقعت الإمارات العربية المتحدة اتفاقا يمنح الوكالة الدولية للطاقة الذرية حق تفتيش المنشآت النووية بمختلف أرجاء البلاد. في المقابل، سحبت إيران موافقتها على الاتفاق ذاته. وأقر البيت الأبيض تحت قيادة أوباما الاتفاق الذي أقر في عهد إدارة بوش وأرسله إلى الكونغرس الذي وافق عليه الصيف الماضي. في 17 ديسمبر (كانون الأول)، وقعت الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة اتفاقا يقنن بيع الأخيرة تقنيات نووية متطورة إلى الأولى. وبعد 10 أيام، منحت الإمارات العربية المتحدة شركة كورية جنوبية عقدا لبناء 4 مفاعلات بقوة 1.400 ميغاوات، وهي مفاعلات تعد ضخمة تبعا لمعايير الصناعة النووية. ومن المقرر أن يبدأ إنتاج هذه المفاعلات للطاقة في وقت ما بين عامي 2017 و2020.

ومن المقرر تحصين المفاعلات لحمايتها من الضربات العسكرية والهجمات الإرهابية، رغم عدم إصدار الإمارات إعلانا رسميا حول ما إذا كانت تنوي وضع بطاريات صواريخ مضادة للصواريخ أو الطائرات حول المفاعلات، مثلما فعلت إسرائيل حول مفاعل ديمونة وفعلت إيران حول مفاعل بوشهر.

من جانبها، عملت إدارة أوباما على الترويج لوجهة نظرها في أوساط الأكاديميين والمتخصصين الآخرين داخل الشرق الأوسط. وفي مارس (آذار)، أخبر دانييل بي بونمان، «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» أنه «مع تطلع دول الشرق الأوسط نحو بناء برامج نووية مدنية، يمكن للولايات المتحدة الترويج لأعلى معايير متوافرة على أصعدة السلامة والأمن ومنع الانتشار النووي».

* خدمة «نيويورك تايمز»