المغرب: رحيل ابن البلدة الحدودية الذي شغلت كتاباته العالم العربي

انشغل في الفترة الأخيرة بكتاباته حول القرآن الكريم

TT

غيب الموت أمس في الدار البيضاء الكاتب والمفكر المغربي محمد عابد الجابري عن سن تناهز 75 سنة. وكان الراحل، الذي لم ينقطع عن الكتابة والتأليف، انشغل في الفترة الأخيرة بكتاباته حول القرآن الكريم، اعتبرها النقاد تضاهي كتاباته عن «نقد العقل العربي» واختار لها عنوانا يقول «في التعريف بالقرآن» و«فهم القرآن الحكيم».

ولد الجابري عام 1935 في أسرة متواضعة في بلدة فكيك شرق المغرب قرب الحدود المغربية - الجزائرية، وتلقى تعليمه الابتدائي في بلدته قبل أن ينتقل إلى الدار البيضاء حيث شرع في دراسة المرحلة الثانوية وفي الوقت نفسه عمل مدرسا في المرحلة الابتدائية. وتقدم لامتحان الثانوية العامة (البكالوريا) من المنزل، وكان من أوائل الطلاب المغاربة الذين اتجهوا إلى سورية للدراسة الجامعية حيث سافر من الدار البيضاء إلى دمشق عام 1958 لكن لأسباب خاصة لم يكمل دراسته الجامعية في دمشق، وعاد إلى الرباط وحصل على ليسانس الفلسفة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية من العاصمة المغربية. ثم حصل عام 1967 من الكلية وهي تابعة لجامعة محمد الخامس، على دبلوم الدراسات العليا (الماجستير) في الفلسفة، وبعد 3 سنوات حصل على دكتوراه الدولة في الفلسفة عام 1971 من كلية الآداب والعلوم الإنسانية نفسها. ونال الماجستير بعد مناقشة رسالته «منهجية الكتابات التاريخية المغربية» وكانت تلك بداية اكتشافه أفكار ونظريات عبد الرحمن بن خلدون، حيث قرر أن يكون بحثه لنيل الدكتوراه عام 1971 حول فكره، وكتب أطروحة أثارت الاهتمام بعنوان «العصبية والدولة: معالم نظرية خلدونية في التاريخ العربي الإسلامي».

وبعد ذلك ظل محمد عابد الجابري يعمل في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في تدريس مواد فلسفية أهمها مادة فلسفة العلوم، وكذلك الفلسفة الإسلامية، وأشرف على عشرات الرسائل الجامعية. وكانت دروسه في كلية الآداب والعلوم الإنسانية تحظى بإقبال منقطع النظير، وتتلمذ على يده عدد كبير من الطلاب الذين عملوا في مجالات شتى، ومارس عدد منهم الكتابة.

وترك محمد عابد الجابري عددا من المؤلفات من بينها «نحن والتراث: قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي»، و«العصبية والدولة: معالم نظرية خلدونية في التاريخ العربي الإسلامي»، و«نقد العقل العربي» الذي صدر في 3 أجزاء هي: «تكوين العقل العربي» و«بنية العقل العربي» و«العقل السياسي العربي»، كما أصدر «مدخل إلى فلسفة العلوم: العقلانية المعاصرة وتطور الفكر العلمي» و«معرفة القرآن الحكيم أو التفسير الواضح حسب أسباب النزول» في 3 أجزاء، و«مدخل إلى القرآن الكريم».

كما أصدر مؤلفات أخرى خارج إطار الفكر منها: «أضواء على مشكلة التعليم بالمغرب» و«من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية والتربوية»، وكتب كذلك كتبا متنوعة في الفكر والفلسفة من ذلك: «المنهاج التجريبي وتطور الفكر العلمي» و«إشكاليات الفكر العربي المعاصر» و«وحدة المغرب العربي» و«التراث والحداثة: دراسات ومناقشات» و«الخطاب العربي المعاصر» و«وجهة نظر: نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر» و«المسألة الثقافية» و«الديمقراطية وحقوق الإنسان» و«مسألة الهوية العروبة والإسلام والغرب» و«المثقفون في الحضارة العربية: محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد» و«الدين والدولة وتطبيق الشريعة» و«المشروع النهضوي العربي: مراجعة نقدية»، واستطاع الراحل محمد عابد الجابري، عبر سلسلة «نقد العقل العربي» القيام بتحليل العقل العربي عبر دراسة المكونات والبنى الثقافية واللغوية التي بدأت من عصر التدوين، ثم انتقل إلى دراسة العقل السياسي ثم الأخلاقي. وخلص في نهاية هذه السلسلة إلى نتيجة مفادها أن العقل العربي بحاجة اليوم إلى إعادة الابتكار.

ونال محمد عابد الجابري عدة جوائز منها: جائزة بغداد للثقافة العربية اليونسكو في يونيو (حزيران) 1988 والجائزة المغاربية للثقافة في تونس في مايو (أيار) 1999، وجائزة الدراسات الفكرية في العالم العربي، مؤسسة «إم بي آي» تحت رعاية اليونسكو في نوفمبر (تشرين الثاني) 2005، وجائزة الرواد. مؤسسة الفكر العربي، بيروت في ديسمبر (كانون الأول) 2005، وميدالية ابن سينا من اليونسكو في حفل تكريم شاركت فيه الحكومة المغربية بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة في نوفمبر 2006.

إلى جانب أنشطته الفكرية والتعليمية، مارس محمد عابد الجابري العمل السياسي حيث عمل ضمن شبيبة حزب الاستقلال، قبل أن ينضم إلى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي تحول في السبعينات إلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حيث أصبح عضوا في المكتب السياسي للحزب من السبعينات، لكنه استقال في منتصف الثمانينات بعد أن اشتدت صراعات التيارات داخل الحزب، وتفرغ محمد عابد الجابري بعد ذلك للبحث والكتابة، كما دأب على إلقاء محاضرات في المغرب وخارجه. والكتابة المنتظمة في عدد من الصحف والمجلات.