رجل أعمال لبناني ـ فرنسي يتقدم بـ8 شكاوىلاتهامه بلعب دور في عقد بيع غواصات لباكستان

روائح فضائح وعمولات متصلة بعقود دفاعية في فرنسا

TT

تفوح روائح الفضائح والعمولات بقوة هذه الأيام في باريس، فيوم الجمعة الماضي أصدرت محكمة فرنسية حكما بالسجن عاما واحدا مع وقف التنفيذ على وزير الداخلية السابق وعضو مجلس الشيوخ الحالي، شارل باسكوا، لدوره في الاحتيال على شركة «سوفريمي» لبيع السلاح التابعة لوزارة الداخلية عندما كان باسكوا يشغل هذه الحقيبة.

المحكمة أكدت حصول باسكوا، عبر شخصين مقربين منه، على عمولة قيمتها 36 مليون فرنك (نحو 5.5 مليون يورو) استفاد منها باسكوا وابنه بيار فيليب الذي قضت محكمة أخرى بحبسه عامين مع وقف التنفيذ.

ويوم الاثنين الماضي أصدرت هيئة تحكيمية أمرا يقضي بأن تدفع شركة طاليس للإلكترونيات الدفاعية (شركة طومسون سابقا) مبلغ 630 مليون يورو للبحرية التايوانية بسبب عمولات دفعتها الشركة الفرنسية لعملاء ووسطاء من جنسيات مختلفة بمناسبة شرائها مجموعة من الغواصات الفرنسية بينهم مسؤولون فرنسيون بينما العقد الموقع بين الجانبين ينص صراحة على منع الرِّشى تحت طائلة المسؤولية.

وتضج باريس منذ أيام بموضوع الرِّشى التي دُفعت بمناسبة العقد المبرم مع باكستان في العام 1994 لبيعها منظومة من الغواصات. وكانت صحيفة «ليبراسيون» اليسارية قد فجرت قنبلة الأسبوع الماضي عندما كشفت عن أن عشرة ملايين فرنك مصدرها عمولات صفقة الغواصات جاءت لتغذي الحملة الرئاسية للمرشح اليميني ادوار بالادور ربيع العام. 1995 وكان بالادور المقرب من شيراك رئيسا للوزراء ما بين العامين 1993 و1995 فيما كان الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي وزيرا للخزانة ومديرا لحملته الانتخابية. ولذا بدت هذه المسألة بالغة الحساسية خصوصا أن هجوما استهدف مهندسين فرنسيين تابعين لشركة الصناعات البحرية الدولية الحكومية في مدينة كراتشي الباكستانية أوقع 11 قتيلا فرنسيا ربيع العام 2002. وبعد أن اعتبرت «القاعدة» مسؤولة عن العملية، فإن أصابع الاتهام ذهبت في اتجاه آخر ربط العملية بوقف الشركات الفرنسية المعنية دفع العمولات المتفق عليها سابقا. وبطبيعة الحال، نفى بالادور أي علاقة له مع أي عمولة كانت لكنه لم يقل من أين جاءت الملايين العشرة (نقدا) إلى صندوق حملته الانتخابية. وارتفعت أصوات المعارضة لتطالب الرئيس الفرنسي بأن يشرح الوضع والحكومة برفع السرية الدفاعية عن هذا الملف لتمكين القضاء من الإطلاع على المستندات كافة.

وآخر مستجدات هذه القضية بروز اسم رجل الأعمال اللبناني - الفرنسي زياد تقي الدين الذي عمد عبر محاميه أوليفيه برادو إلى تقديم شكويين ضد الذين قدموا شهادات وصفها بالمزورة ضده وشكوى ضد من انتهك سرية التحقيق بالإضافة إلى خمس شكاوى ضد وسائل إعلامية فرنسية بينها صحيفتان كبيرتان («لو موند» المستقلة و«ليبراسيون» اليسارية).

وأساس الشكوى أن تقي الدين ينفي نفيا مطلقا، بحسب محاميه، أن يكون قد لعب أي دور في العقد مع باكستان المسمى «أوغسطا» وهو اسم الغواصات الثلاثة التي باعتها باريس لإسلام آباد أو أن يكون قد قبض أي عمولة من العقد المذكور. وبحسب برادو، فإن ثمة بعض «المتذاكين الذين يسعون لتحميل تقي الدين مسؤولية لا علاقة له بها»، ومن بينهم شرطي اسمه فريدريك بوير أكد للقضاء وتحديدا لقاضي التحقيق تريديفيك أن تقي الدين أحد المستفيدين من العمولات.

والثابت، وفق ما استطاع التحقيق إثباته ووفق تقارير عائدة للعام 2008 أن صفقة الغواصات مع باكستان أفضت إلى دفع عمولات ضخمة بعضها عاد إلى فرنسا وذهب إلى شخصيات نافذة، مما يبرر إعاقة التحقيق واستمرار فرض السرية العسكرية على الملف رغم تعاقب الحكومات يمينا ويسارا. وإلى جانب زياد تقي الدين ورد في وسائل الإعلام الفرنسية اسم عبد الرحمن عسير وسيطا ثانيا.

وقام محامي عائلات الضحايا بتقديم شكوى إلى النيابة العامة في باريس وطلب إجراء تحقيق قضائي بخصوص تمويل حملة بالادور. وكشفت صحيفة «ليبراسيون» وهي إحدى الوسائل الإعلامية التي تستهدفها شكوى تقي الدين أن «عميلين» قبضا في الأشهر الستة الأولى من عام 1995 مبلغ 184 مليون فرنك (نحو 28 مليون يورو).

وجاء في كتاب بعنوان «العقد» سيصدر بعد أسبوعين أن وزير الدفاع الأسبق شارل ميون أمر المخابرات الخارجية الفرنسية، بناء على طلب من الرئيس شيراك، بإجراء تحقيق عن العمولات التي قد تكون «عادت» إلى فرنسا وأن الجهاز المذكور استطاع العثور عليها في بنوك في إسبانيا وسويسرا ومالطا وقبرص ولوكسمبورغ. ونشرت مجلة «الإكسبريس» أمس صفحات من الكتاب ونقلت عن ميون قوله إنه لا يريد إعطاء تفاصيل إضافية مخافة أن «تستقر في رأسه رصاصة». وثمة أمر ثابت، هو شيراك أمر بوقف دفع العمولات بعد انتخابه رئيسا للجمهورية.