بريطانيا تختار اليوم رئيس وزرائها المقبل.. والمحافظون يدرسون خيارات خارج التحالف مع الديمقراطيين الأحرار

كاميرون يحمل إرث ثاتشر ويقاتل معركة صعبة ظن قبل أشهر أنها رابحة

زعيم حزب المحافظين دايفيد كاميرون يتحدث لتلاميذ في مدرسة سير جون شيربروك في كالفيرتون بوسط إنجلترا أمس (رويترز)
TT

قبل أشهر قليلة على دعوة رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون لإجراء الانتخابات العامة في البلاد، كان حزب المحافظين المعارض يتقدم في استطلاعات الرأي بفارق كبير وصل أحيانا إلى أكثر من 22 نقطة. حينها، اعتقد المحافظون أن فوزهم في الانتخابات العامة التي تجري اليوم، شبه محتم. فهم يواجهون حزبا خسر الكثير من شعبيته بسبب حرب العراق، وزادت النقمة الشعبية عليه بسبب فضيحة نفقات النواب، وأنهكته السلطة بعد 13 عاما في الحكم... ويرأسه زعيم غير شعبي، اكتسب صيتا بعدم قدرته على التواصل مع الناخبين.

ومع ذلك، فإن حزب المحافظين بزعامة دايفيد كاميرون، يجد نفسه اليوم يصارع بكل طاقته لكي يكسب الانتخابات. فمنذ بداية العام تقريبا، والفارق بينه وبين حزب العمال يتقلص، حتى وصل في بعض الأحيان إلى نقطتين. واليوم، ومع اتجاه الناخبين البريطانيين لاختيار نوابهم وتقرير شكل حكومتهم المقبلة ورئيس وزرائهم، لا تزال معظم استطلاعات الرأي تشير إلى أن النتائج ستفرز برلمانا معلقا، أي عندما يعجز أي حزب عن الفوز بأغلبية مقاعد مجلس العموم الـ650. وترجح الاستطلاعات أن حزب المحافظين قد يحصل على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان، إنما غير كافية لكي يشكل حكومة منفردا.

فماذا حصل لحزب المحافظين، ولماذا يجد نفسه يصارع في معركة كان من المفترض أن تكون سهلة بالنسبة إليه؟ وما هي الخيارات أمامه في حال لم يفز بأغلبية مقاعد مجلس العموم؟

يعود أحد الأسباب الرئيسية في جعل معركة المحافظين صعبة، إلى أيام زعيمة الحزب الوحيدة، المعروفة بـ«المرأة الحديدية»، مارغريت ثاتشر. فلا يزال الحزب يرتبط في ذاكرة البريطانيين، بسنوات الفوضى والفقر والبطالة التي طبعت عهد ثاتشر في الثمانينات. حينها، أدت سياسة ثاتشر الاقتصادية التي تمثلت في خصخصة معظم قطاعات الدولة وإغلاق عدد كبير من المصانع والمناجم، إلى رفع البطالة في البلاد إلى مستويات قياسية، وبلغ عدد العاطلين عن العمل أكثر من 3 ملايين شخص. كما جمدت ثاتشر معاشات موظفي الحكومة أحيانا لمدة عشر سنوات، بعد أن ضربت البلاد أزمة اقتصادية. ويصف الكثير من البريطانيين اليوم سنوات ثاتشر بأنها كانت «كارثية».

ويقول البروفسور بول ويب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ساسكس في بريطانيا، لـ«الشرق الأوسط»، أن المحافظين «لم يقنعوا الناخبين لسبب أو لآخر بأنهم بديل جذاب عن حزب العمال، وأحد الأسباب أن البريطانيين لا يزالون يتذكرون أيام ثاتشر... قليلون ينظرون إلى تلك الفترة على أنها كانت جيدة، معظمهم يتذكرونها على أنها كانت مرحلة مؤلمة». ويضيف: «هناك مخاوف أن هذه الأيام ستعود، خصوصا أننا نعرف أن المحافظين سيطبقون سياسة تخفيض هائلة في الإنفاق، أكثر من الأحزاب الأخرى. لذلك لا أعتقد أن هذه الفكرة جذابة للناخبين».

وأول مرة تحدث المحافظون عن تخفيض الإنفاق العام في حال دخلوا السلطة، كان في نهاية الصيف الماضي خلال مؤتمرهم السنوي في مانشستر. حينها وقف جورج أوزبورن، وزير الخزانة في حكومة الظل، وأعلن أن حزبه سيبدأ فورا تخفيض الإنفاق العام لكي يسيطر على الدين العام المرتفع. وقال الإعلام البريطاني في ذلك الوقت، إن هذه الخطط مغامرة قد تهدد شعبية حزب المحافظين... ويبدو أن هذا ما حصل فعلا. كما أن حزبي العمال والديمقراطيين الأحرار، يقولان إن بدء تخفيض الإنفاق العام سيؤدي بالآلاف إلى فقدان وظائفهم، وسيهدد بالتالي التعافي الاقتصادي ويعيد الأزمة المالية بشكل أعمق مما كانت عليه. ويتحدث البروفسور ويب عن سبب آخر يعيق حزب المحافظين، وهو شعبية كاميرون داخل حزبه نفسه. ويقول: «سبب آخر استنتجته من خلال أبحاثي الخاصة بين أعضاء من حزب المحافظين خلال العامين الماضيين، أن أعضاء الحزب أنفسهم رغم أنهم معجبون بما فعله كاميرون للحزب، لجهة تطويره، فلا يزال هناك شعور بأنهم لا يعرفون ما هي قيمه الحقيقية». ويعتبر بعض المتطرفين في حزب المحافظين أن كاميرون ليس محافظا بشكل كاف، وينظر بعض المعارضين بشدة لأوروبا داخل الحزب، إلى كاميرون على أنه غير معارض بشكل كاف لأوروبا. ويعارض المحافظون تقاربا كبيرا بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وقد تحالفت كتلتهم في البرلمان الأوروبي مع اليمين المتطرف عوضا عن يمين الوسط الأوروبي.

كما أن حزب المحافظين الذي كان يراهن على صورة زعيمه الشاب، مقارنة بصورة زعيم حزب العمال الحاكم الذي لا يحظى بشعبية كبيرة، وجد من ينافسه على الفوز «بقلوب» البريطانيين. فمع بدء سطوع نجم نيك كليغ، وهو الآخر شاب يعتمد أسلوبا مقربا من الناخبين، بدأ كاميرون يخسر أصواتا أكثر لصالحه.

وفي أذهان البريطانيين من الطبقة العاملة، يرتبط حزب المحافظين أيضا بالطبقة الميسورة. فسياسته بتخفيض الضرائب على الأغنياء تجعله شعبيا بينهم. ولكن في المقابل، فإن سياسته بتخفيض الإنفاق في القطاعات العامة، مثل قطاعي الصحة والتعليم المجانيين، ينعكس سلبا على الطبقة العاملة التي لا تستطيع أن تتحمل النفقات الخاصة لدفع فواتير الصحة والتعليم. وكانت ثاتشر قد قلصت ضرائب الدخل، مقابل رفع الضريبة على القيمة المضافة، مما أدى في النهاية بالأغنياء والفقراء إلى دفع الضرائب نفسها. لذلك، يقول ويب، إن عنصرين يلعبان دورا في تصعيب مهمة المحافظين: عنصر الشك، وعنصر يتعلق بالماضي وتذكر أيام ثاتشر السيئة.

وهكذا، قد يجد حزب المحافظين نفسه بعد 13 عاما في المعارضة، قد حقق أكبر عدد من المقاعد في البرلمان، إنما عجز عن الفوز بالأغلبية. وفي هذه الحال، قد يلعب حزب الديمقراطيين الأحرار دورا في «صناعة الملك». فمنذ بدء الحديث عن برلمان معلق، ظهر إلى الواجهة الحزب الثالث في البلاد، الذي قد يلعب دورا حاسما في اختيار الحزب الذي سيحكم، عندما يقرر مع أي من الحزبين، العمال أم المحافظين، سيتحالف.

وكثرت التكهنات في الأسابيع الأخيرة حول من سيختار الديمقراطيون الأحرار، وساد اعتقاد لفترة بأنه سيختار حزب العمال بسبب تشابه سياساتهما في الكثير من المجالات، خصوصا حول الاقتصاد والتقارب مع أوروبا. إلا أن كليغ أعلن رفضه التحالف مع حزب العمال إذا حل ثالثا في نسبة أصوات الناخبين، واشترط أن يبدل الحزب زعيمه. كما أنه وضع شرطا لدعم أي حكومة، وهو إدخال تعديلات على القانون الانتخابي الذي لا يعطي فرصة للأحزاب الصغيرة بأن تمثل. إلا أن هذا الشرط لن يقبله حزب المحافظين الذي يرفض تغيير القانون الانتخابي، لأنه سيصعب عليه حظوظه المستقبلية في الفوز بأغلبية مقاعد المجلس.

وكتبت صحيفة «تليغراف» اليمينية أمس، أن حزب المحافظين لن يتحالف مع الديمقراطيين الأحرار، بل سيلجأ إلى الأحزاب الأيرلندية الوطنية التي قد تفوز بـ9 إلى 10 مقاعد في مجلس العموم من أصل 650. وفي حال كان ينقص حزب المحافظين هذا العدد من المقاعد للفوز بالأغلبية، قد يقرر التحالف مع الأحزاب الأيرلندية، عوضا عن الديمقراطيين الأحرار. وأبدى الحزب الديمقراطي الوحدوي الأيرلندي استعداده لدعم المحافظين، إنما مقابل وعد منهم ألا يخفضوا النفقات التي وعدوا بها في أيرلندا الشمالية والتي تبلغ قيمتها نحو 200 مليون جنيه استرليني، من أصل 6 مليارات تعهد الحزب بتخفيضها في أنحاء البلاد. إلا أن المحافظين يعرضون بدلا عن ذلك، إدخال وزراء من أيرلندا الشمالية إلى الحكومة وإعطائهم الفرصة للعب دور على الصعيد الوطني. إلا أن الحزب الديمقراطي الوحدوي يبدو أنه يفضل وعدا بعدم اقتطاع الأموال على الاشتراك في الحكومة.

ولكنّ حزب المحافظين لديه طريق آخر يمكن أن يسلكوه في حال أفرزت النتائج برلمانا معلقا، وهو تشكيل حكومة أقلية، والحكم بمفردهم مقابل الاتفاق مع الأحزاب على تمرير قوانين يؤيدونها.

وفي حال عجزوا عن الحكم بهذه الطريقة، يدعون إلى انتخابات جديدة. ولكن ليس هناك من قانون في بريطانيا يحدد المهلة الزمنية التي تمنح لحكومة أقلية لكي تثبت أنها قادرة على الحكم. ويقول ويب عن ذلك: «من الصعب القول متى سيقرر المحافظون أن يقولوا إنه لا يمكننا الحكم بهذه الطريقة، لأنه ليس هناك تجارب كثيرة في الماضي ولا نعرف كيف ستسير الأمور». ويضيف: «أعتقد أن الأمر سيأخذ شهورا وليس سنوات... كانت هناك سابقة واحدة في العام 1974 عند حكم حزب العمال في حكومة أقلية لمدة ثمانية أشهر، ثم كان هناك شيء شبيه في أكتوبر (تشرين الأول) 1964 عندما ربح هارولد ويلسون زعيم حزب العمال أغلبية صغيرة بمقعدين وأراد أن يوسعها، فانتظر عامين قبل الدعوة لانتخابات جديدة لكي يوسع أغلبيته».

وقد يكون تجاوب الأسواق مع حكومة أقلية هو الرد المناسب الذي قد يحدد ما إذا كانت الحكومة ناجحة أم لا. ويقول ويب: «أعتقد أنه سيكون عليهم أن يراقبوا الأسواق ويروا كيف يتجاوب الوضع الاقتصادي ليحكموا انطلاقا من هنا». إلا أن حزب المحافظين، حتى ولو حصلوا على أكبر عدد من مقاعد البرلمان، من دون الأغلبية، فإن الفرصة الأولى لتشكيل الحكومة لن تعطى لهم بل لحزب العمال. وهنا أيضا، لا يحدد القانون ماذا يمكن أن يحصل في هذه الحالة، إلا أن العرف السائد هو بأن يمنح رئيس الحكومة الحالي فرصة تشكيل حكومة، وإذا لم يستطع عندها تطلب الملكة من حزب المحافظين أن يشكل حكومة.

ويقول ويب: «عُرفا، ليس على رئيس الوزراء أن يستقيل فورا في حال برلمان معلق، إلا بعد أن يحاول أن يشكل حكومة. من المفترض أن يحظى رئيس الوزراء بأول فرصة لتشكيل الحكومة، ولكن الأمر يعتمد على الفرق بين الحزبين في عدد المقاعد. لو كانت مقاعد العمال والأحرار الديمقراطيين مجتمعة تفوق عدد المحافظين وتشكل أغلبية، فإن براون قد يفكر بأن يبدأ مفاوضات معهم، ولكن يمكن للأحرار الديمقراطيين أن يطلبوا ثمن ذلك أن يتنحى براون عن زعامة الحزب».

إلا أن براون قد يقرر أن يستقيل على الفور في حال لم يحقق حزبه نتائج محترمة، ويرى ويب أن الأمر يعتمد على الفارق في عدد المقاعد بين الحزبين، ويقول: «قد لا يرى براون أنه من المناسب أن يبقى ويحاول تشكيل حكومة، وأن الاستقالة هي أفضل للديمقراطية في البلاد». وكان المحافظون قد لوحوا قبل يومين بأنهم قد لا يقبلون بأن يمنح براون الفرصة الأولى لتشكيل الحكومة إذا حصلوا على عدد أكبر من المقاعد. إنما قد يدخل ذلك الملكة في نزاع سياسي محرج، وهي عادة لا تتدخل في السياسة، بل تقبل استقالة رئيس الوزراء عندما يقرر هو الاستقالة فقط. ويقول ويب: «الملكة لا تتصل برئيس الوزراء وتطلب إليه الاستقالة، الأمر يعود إلى رئيس الوزراء إلى أن يقرر أن يستقيل».