إيران: الوضع الاقتصادي في حالة فوضى.. والشباب يتطلعون إلى أبوظبي ودبي

المشكلات الاقتصادية تمثل تهديدا أكبر من العقوبات

TT

تمثل المشكلات الاقتصادية الداخلية في إيران تحديا أكثر تعقيدا لزعماء البلاد من العقوبات المحتملة من جانب الأمم المتحدة والولايات المتحدة، بشأن برنامجها النووي. ومع ذلك، لا تواجه إيران، خامس أكبر مصدر للنفط في العالم، خطر الانهيار، على الرغم من تراجع الأداء الاقتصادي وحالة الاستياء التي تعتمل في البلاد على مدى 11 شهرا منذ الانتخابات الرئاسية المتنازع على نتائجها.

ومن شأن العقوبات رفع تكلفة التجارة مع إيران وردع الشركات الغربية عن الاستثمار وتنفيذ أعمال في البلاد، لكنها قد تمنح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد خيطا من الأمل قد ينقذه من الانتقادات بتفاقم المشكلات الاقتصادية بسبب سوء إدارته. وقال جواد صالحي أصفهاني أستاذ الاقتصاد في جامعة «فيرجينيا تك» لـ«رويترز»: «لا أعتقد أن فريق أحمدي نجاد قادر على مواجهة التحديات الخطيرة التي يواجهها الاقتصاد الإيراني بعد الطفرة النفطية». ويقول صندوق النقد الدولي إن الاقتصاد الإيراني سيسجل نموا نسبته ثلاثة في المائة هذا العام، و2.3 في المائة في 2011 بعد نمو نسبته 8.1 في المائة في 2009. ويقارن ذلك مع نمو في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مقدر أن يبلغ 5.4 في المائة في 2010 و8.4 في المائة في 2011.

وتتوقع وحدة «إيكونوميست إنتليجنس للمعلومات» أن تبلغ إيرادات البلاد من تصدير النفط 4.63 مليار دولار هذا العام من إنتاج قدره 82.3 مليون برميل يوميا، وذلك ارتفاعا من 9.53 مليار دولار في العام الماضي عندما أنتجت إيران 74.3 مليون برميل يوميا. ويجري تداول النفط الخام عند نحو 85 دولارا للبرميل بعدما بلغ متوسط سعره 62 دولارا في 2009. وقال محمد شاكيل، الخبير الاقتصادي المستقل في أبوظبي لـ«رويترز»: «في ظل الانتعاش الإقليمي في أسعار وإنتاج النفط، من المتوقع أن تقود إيران بالفعل الطريق بنمو أكثر قوة». وتسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون إلى فرض جولة رابعة من عقوبات الأمم المتحدة على إيران وتقترح فرض حظر على الاستثمارات الجديدة في قطاع الطاقة والمزيد من القيود على عمليات الشحن والعمليات المصرفية الإيرانية وحظر كامل على الأسلحة إلى جانب فرض عقوبات على أعضاء الحرس الثوري والشركات التي يسيطرون عليها. ولكن مسودة العقوبات الغربية لم تصل إلى حد فرض حظر على واردات وصادرات إيران من منتجات النفط والغاز. ومن المتوقع أن تحاول روسيا والصين تخفيف العقوبات بدرجة أكبر. وقال شاكيل: «تأمل إيران أن تتمكن شركات من وسط آسيا وروسيا والصين من سد الفجوة، لكن تلك الشركات تفتقر للخبرة التي يمكن أن توفرها (توتال) و(شل)». وتابع: «إيران يمكن أن تتجاوز الأزمة لكن لن تتمكن من التوصل إلى درجة النمو التي تعكس إمكانياتها». وبعد التعايش مع بعض أشكال العقوبات على مدى 30 عاما، يشعر أغلب الإيرانيين بالقلق بصورة أكبر من ارتفاع الأسعار وتراجع الوظائف. وتشير بيانات البنك المركزي إلى ارتفاع معدل التضخم قليلا للشهر الثالث على التوالي؛ إذ بلغ 6.10 في المائة على أساس سنوي في مارس (آذار) لكنه لا يزال بعيدا عن مستواه القياسي البالغ نحو 30 في المائة المسجل في أواخر 2008. ويبلغ معدل البطالة الرسمي نحو 11 في المائة، لكن صالحي أصفهاني قال إن الشباب يمثلون نسبة مثيرة للقلق تبلغ 70 في المائة من إجمالي العاطلين عن العمل. وتحتاج إيران إلى توفير نحو نصف مليون وظيفة سنويا لاستيعاب الوافدين الجدد على سوق العمل.

وقال شاكيل: «الوضع الاقتصادي الإيراني في حالة من الفوضى، وإن كان يجري نفي ذلك على المستوى الرسمي». وتابع: «سكان البلاد من الشباب يتطلعون إلى أبوظبي ودبي، ويقولون: لدينا موارد أعظم بكثير من تلك البلدان الصغيرة ولا نزال متخلفين عنها بدرجة كبيرة. هناك ضغوط اجتماعية تشهدها البلاد». وما زالت إيرادات النفط تمثل أربعة أخماس إيرادات البلاد، مما يشير إلى الطريق الطويل الذي يجب أن تسلكه إيران لتنويع اقتصادها. وأضر ارتفاع الواردات من السلع الاستهلاكية تحت حكم أحمدي نجاد بالصناعات المحلية وأجبر بعض المصانع على الإغلاق خلال العامين الماضيين. ويرغب أحمدي نجاد، الذي فاز في الانتخابات الرئاسية عام 2005 بتعهده بتوصيل الثروة النفطية إلى كل أسرة إيرانية، حاليا في التخلص من نظام الدعم باهظ التكلفة بالنسبة لإيران. ويحرص أحمدي نجاد على الحد من فرص تعرض البلاد لأي عقوبات مستقبلية على واردات البنزين من خلال الحد من الاستهلاك. ويعني عدم توافر طاقة التكرير حاليا أنه ينبغي على إيران استيراد ما بين 30 و40 في المائة من احتياجاتها، إلا أن البلاد تأمل في تحقيق الاكتفاء الذاتي بحلول 2013.

وعارض البرلمان خطط أحمدي نجاد لخفض تكلفة الدعم بـ40 مليار يورو، وهو ما يساوي تقريبا نصف المبلغ المقرر للدعم سنويا، على الرغم من انتقادات بأن ذلك الإجراء سيؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم. وقال كيفان هاريس أستاذ علم الاجتماع بجامعة جونز هوبكينز: «كل طائفة في إيران خلصت إلى نتيجة أن رفع الدعم سيؤدي إلى التحول الاقتصادي. هناك إجماع على النظرية. المعركة تتعلق بالتنفيذ والإدارة والسيطرة». وتعهد نجاد بتعويض المحتاجين عن رفع الدعم عن أسعار البنزين والمنتجات المكررة الأخرى وعن الغاز الطبيعي والكهرباء والماء والغذاء والتعليم. وبالنسبة لنجاد، فإن المساس بالدعم استراتيجية عالية المخاطر. وقال شاكيل: «التأثير الفوري لخفض الدعم هو ارتفاع الأسعار. هذا يثير المشاعر ضد الحكومة لأنها خطوة يقودها الرئيس». ومن شأن رد الفعل الشعبي العنيف على ارتفاع تكلفة المعيشة أن يدفع أحمدي نجاد إلى تأخير أو إلغاء برنامج الإصلاح. وقال صالحي أصفهاني: «أشك في قيامه بالأمر إذا شكل مخاطر سياسية.. ارتفاع معدل البطالة تحد أكبر من مشكلة الدعم على المدى المتوسط. الكساد يخرج عن نطاق سيطرته. لذا، فالأمر أكثر خطورة». وقال سكوت لوكاس أستاذ الدراسات الأميركية بجامعة برمنغهام: «يوجهون له انتقادات بسوء الإدارة المالية ويستهدفون بعض مستشاريه». وأضاف: «الوضع أصبح سيئا. قد لا يجري عزله من منصبه فعليا، لكن هناك اتجاه لتقليص سلطاته».