نجم قاعات المحاكم في روسيا يتبنى قضية التبني

المحامي أستاخوف دافع بشدة عن الطفل المعاد من أميركا

TT

يشتهر بافيل أستاخوف، المحامي الروسي رشيق القوام خفيض الصوت، بكونه مناصرا للرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين. مؤخرا، ظهر أستاخوف على شاشات التلفزيون، ممسكا بيديه خطابا بعثته ممرضة أميركية في ولاية تينيسي مع طفل كانت قد تبنته قبل أن تعيده إلى روسيا، وهي رسالة شرحت فيها الممرضة أنها لم تعد ترغب في الاحتفاظ بالطفل.

تحدث أستاخوف أمام الكاميرات غاضبا وملوحا بيديه ليحاكي حركة إلقاء قمامة، وقال «ليس بمقدورك إلقاء طفل في طائرة كما لو كان قطة، إعادة طفل في السابعة من عمره من دون مرافق عبر المحيط إلى روسيا، أقل ما يقال عنه إنه أمر قاس».

كان هذا أداء رائعا في إطار عرض دراما أثارت ضجة كبرى في روسيا، وهو عرض كرره أستاخوف مرارا مع تغييرات طفيفة. ومع ذلك، نجد أن المسؤول الروسي، الذي يقود حاليا المحادثات مع واشنطن حول مستقبل إجراءات تبني أسر أميركية لأطفال روس، لا ينتمي إلى النمط التقليدي للسياسي العاشق لبوتين والكاره لأميركا. في الواقع، على امتداد فترة طويلة من حياته المهنية، يكاد أستاخوف يمثل تجسيدا للعكس تماما.

جرى تعيين أستاخوف، 43 عاما، في الحكومة محققا في الشكاوى المرتبطة بحقوق الأطفال في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لكنه اكتسب شهرة واسعة قبل ذلك بعقد كمحام شاب خاض معارك في مواجهة السلطات، نيابة عن عملاء رفيعي المستوى تتسم قضاياهم بقدر كبير من الحساسية السياسية. كما أنه واحد من المسؤولين الروس البارزين القلائل الحاصلين على درجة علمية من جامعة أميركية.

بالنسبة لـ3.000 أسرة أميركية تقريبا تنتظر في لهفة تبني طفل روسي، بعث أستاخوف برسالة مطمئنة، حيث قال خلال مقابلة أجريت معه مؤخرا: «لا تقلقوا، سنمضي قدما في هذا العمل. وسنمنح أطفالنا فرصة مشاهدة واقع مغاير». إلا أنه في الوقت ذاته حذر من أن روسيا قد تحظر تبني أفراد أجانب لأطفال روس إذا رفضت واشنطن توقيع ميثاق ينظم العملية. وأوضح أنه «إذا رغبت في بيعي شحنة بطاطا، لا يمكنك فعل ذلك من دون توفر اتفاقية ثنائية بين بلدينا، أما إذا رغبت أنا في إرسال طفل إليك، فلا بأس في ذلك من دون أية اتفاقات، هذا وضع بشع».

مثل هذه الصراحة الفجة هي التي خدمت أستاخوف على أفضل نحو منذ انضمامه لنقابة المحامين مطلع التسعينات، بعد تخرجه في معهد تابع لوكالة الاستخبارات السوفياتية «كيه جي بي» خلال الشهور الأخيرة من عمر الاتحاد السوفياتي السابق. وسرعان ما سطع نجم أستاخوف كواحد من أبرز أعضاء الجيل الأول من المحامين الذين عملوا على نحو مستقل عن الدولة، ونال سمعة بأنه يطرح قضاياه بحماس عبر وسائل الإعلام لا يقل عما يبديه داخل قاعة المحكمة.

ومن بين أشهر عملائه فلاديمير غوسينسكي، الملياردير الذي كان من منتقدي فلاديمير بوتين، والذي أجبر على التخلي عن محطته التلفزيونية التي كانت الأكثر استقلالية بين المحطات التلفزيونية الروسية، وإدموند بوب، رجل أعمال أميركي أدين بالتجسس، ثم صدر لاحقا عفو عنه. وأثناء مرافعته في القضية الأخيرة بينما تركزت عليه أنظار العالم، طرح أستاخوف جزءا من المرافعة في صورة أبيات شعرية.

الآن، يظهر أستاخوف يوميا على شاشات التلفزيون كنجم لثلاثة برامج تعليمية قانونية، بينها «ساعة الحساب»، وهو برنامج يحظى بشعبية كبيرة يتولى أستاخوف خلاله الحكم في قضايا شبيهة بتلك التي يعرضها برنامج «محكمة الشعب» الأميركي. (وتعتمد القضايا على قضايا حقيقية، لكن الشخصيات يضطلع بها ممثلون لأن المتهمين في روسيا نادرا ما يقبلون الظهور على شاشات التلفزيون).

كما يتولى أستاخوف إدارة مركز للمساعدة القانونية، ويعمل عميدا لإحدى الجامعات وألف أكثر من 35 كتابا عن القانون، بينها سلسلة عن الأطفال وخمس روايات على الأقل، تناولت إحداها الشرطة الروسية من منظور شديد السلبية؛ لدرجة دفعت مسؤولا بارزا لمحاولة مقاضاة أستاخوف بتهمة التشهير. أما بطل الرواية فكان محاميا شجاعا.

وفي مقال نشره عام 2007، تناول أستاخوف بود ذكريات الفترة التي قضاها في بطرسبورغ، مشيرا إلى خوضه دروسا في الكاراتيه مع أطفاله، بل ووصف الولايات المتحدة بأنها «موطنه الثاني». ومع ذلك، وافق أستاخوف في وقت لاحق من ذلك العام على قيادة مجموعة تحمل اسم «من أجل بوتين»، ترمي لتأييد الرئيس السابق ورئيس الوزراء الحالي الذي يبدي سعادة كبيرة في مهاجمة الغرب في تصريحاته، وغالبا ما يواجه انتقادات بأنه يقوض حكم القانون.

يوصف أستاخوف من منتقديه بأنه انتهازي ومغرم بالشهرة والأضواء، بل ويتساءل البعض ممن رحبوا بالنشاط الذي أضفاه على منصب المحقق في الشكاوى المتعلقة بحقوق الأطفال ما إذا كان يقضي وقتا مفرطا في ملاحقة الكاميرات. فمثلا، أعربت سفتلانا بوشاروفا، رئيسة منظمة «عطف بلا حدود» المعنية بحقوق الأطفال عن اعتقادها أنه «نشط للغاية، وهذا أمر جيد، لكن أعتقد أن عليه توجيه اهتمام أكبر لحماية حقوق الأطفال في روسيا، وتقليل اهتمامه بالدعاية العامة لشخصه».

ورفض أستاخوف هذه الانتقادات، موضحا أنه من المنطقي الاعتماد على الصحافيين ووسائل الإعلام لتركيز الانتباه على القضايا التي يواجهها الأطفال الروس. كما نفى أن تكون قضية الطفل الروسي الذي أعيد من تينيسي، أرتيوم سافيليف، قد تلقت اهتماما أكبر من مأساة اليتامى والأطفال الذين جرى تبنيهم داخل روسيا.

يذكر أنه خلال المقابلات التي تناولت قضية أرتيوم، لم يتردد أستاخوف عن مناقشة سجل روسيا المظلم في حماية الأطفال، خاصة الأطفال الموجودين لدى دور الأيتام التابعة للدولة، والذين تتجاوز أعدادهم 700 ألف طفل. وقال أستاخوف إن هؤلاء الأطفال يسقطون ضحايا للاحتيال والإهمال. وكثيرا ما أشار إلى أن ما يصل إلى 8000 طفل روسي تبنتهم أسر روسية أعيدوا للملاجئ العام الماضي، بينهم أكثر من ألف بناء على أمر من المحكمة لتعرضهم لعنف وانتهاكات أخرى. وقد عمد أستاخوف إلى استغلال قضية أرتيوم لملاحقة عشرات وكالات التبني الأجنبية العاملة في روسيا، مشيرا إلى أنها تتجاهل طلبات رسمية بتوفير معلومات، وتفرض رسوما مالية تصل إلى 50000 دولار للطفل الواحد. لكنه استطرد بأنه لا ينوي تقليص أعداد الأطفال الروس المعروضين للتبني في الخارج، موضحا أن إبرام اتفاق حول التبني - مثل الذي وقعته الولايات المتحدة مع الصين - سيزيد سهولة العملية أمام الأسر الأميركية.

يذكر أن المفاوضات حول الاتفاق بدأت الخميس الماضي. وأكد أستاخوف أنه يضغط من أجل تضمين بند يفرض تدريس اللغة والثقافة الروسية للأطفال، وتوفير دور إشرافي أكبر للسلطات الروسية على الوكالات الأجنبية وعملية التبني.

وأضاف أنه يتوقع التوصل إلى اتفاق في غضون شهور، مضيفا عبارة ترددت كثيرا على لسانه خلال البرامج التلفزيونية التي يشارك بها: «لماذا لا نتوصل إلى اتفاق بشأن عمليات التبني إذا كنا قادرين على الوصول إلى اتفاق بشأن الأسلحة النووية؟».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»