بريطانيا تفيق على برلمان معلق.. والمحافظون يفاوضون الليبراليين

براون باق في 10 داونينغ ستريت في انتظار نتيجة المفاوضات بين الحزبين الآخرين

دايفيد كاميرون يبتسم للصحافيين بعد صدور النتائج أمس (أ.ب)
TT

أصبح حزب المحافظين البريطاني على شفير استعادة السلطة بعد 13 عاما من الجلوس في صفوف المعارضة، إلا أن آماله بأن يحكم بمفرده لن تتحقق بعد أن عجز عن الفوز بالأغلبية المطلقة من مقاعد مجلس العموم البريطاني. وبدأ أمس مفاوضات صعبة لتقاسم السلطة مع حزب الليبراليين الديمقراطيين الذي لم يحصل على أكثر من 57 مقعدا، إلا أن البرلمان المعلق حوّله إلى أقوى حزب في المعادلة السياسية، وسيعود إليه اتخاذ قرار من سيحكم بريطانيا.

وقال البروفسور بول ويب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ساسكس لـ«الشرق الأوسط»، إنه من الصعب التنبؤ بشكل الحكومة المقبلة، إذا ما كانت ستكون حكومة ائتلافية أم أقلية، إلا أنه رجح أن حياتها لن تكون طويلة في كلا الاحتمالين. وقال: «حتى ولو حصل ائتلاف حكومي، فمن الصعب أن نشهد حكومة تدوم لـ5 سنوات، أعتقد أن الاحتمال الأكثر ورودا، هو الدعوة لانتخابات خلال عامين أو ثلاثة في أقصى حد». وأضاف: «ولو تشكلت حكومة أقلية فقد نشهد الدعوة لانتخابات خلال عام ربما».

ولم يتمكن المحافظون من الفوز بأغلبية مقاعد مجلس العموم، وهو ما يخولهم الحكم منفردين، إلا أنهم نجحوا في ضمان أكبر كتلة نيابية. وحصلوا على 306 مقاعد، أي 20 مقعدا أقل من المقاعد الضرورية ليكونوا الأغلبية، بينما حصل العمال على 258 مقعدا. وأخذت الأحزاب الصغيرة 28 مقعدا، من بينها حزب الخضر الذي تمكن من انتزاع أول مقعد له في مجلس العموم.

وقد زاد المحافظون مقاعدهم بـ97 مقعدا، مقابل خسارة العمال 91 مقعدا. ولم تكن النتيجة التي حققها الليبراليون الديمقراطيون مرضية بالنسبة إليهم، إذ خسروا 5 مقاعد في هذه الانتخابات التي كانوا يتوقعون فيها أن يربحوا حول 50 مقعدا إضافيا، بعد تحسنهم في استطلاعات الرأي عقب تسليط الأضواء على زعيمهم في المناظرات السياسية.

وعلى الرغم من أن الدستور غير المكتوب لبريطانيا، يعطي الفرصة الأولى لمحاولة تشكيل الحكومة لرئيس الوزراء غوردن براون، في حال برلمان معلق، فإن كليغ قرر العكس. فقد أعلن صباح أمس بعد أن أظهرت النتائج تقدم المحافظين، أنه سيلتزم بوعده السابق، ويتحدث أولا إلى الحزب الذي حظي بأكبر عدد من المقاعد، وأكثر نسبة من التصويت الشعبي، أي من المحافظين. وكان كاميرون قد أعلن فوزه في الانتخابات بعد صدور النتائج، وقال إن على براون التنحي لأنه لم يحظ بتفويض من الناخبين ليبقى في منصبه.

ولكن براون مصرّ على البقاء، ومراقبة ما ستؤول إليه نتيجة المفاوضات بين كليغ وكاميرون، واقتناص فرصته في حال لم يتوصل الطرفان إلى اتفاق. وعلى الرغم من أن سياسة الليبراليين الديمقراطيين أقرب إلى حزب العمال، فإن كليغ لا يريد أن يظهر على أنه يقدم دعمه الأول لحزب لم يحصل على أغلبية أصوات الناخبين، الأمر الذي قد يغضب الكثيرين.

وبعد ساعات على إعلان كليغ أنه سيتحدث إلى المحافظين أولا، خرج براون من مقره في 10 داونينغ ستريت، ليعلن قبوله قرار زعيم الليبراليين الديمقراطيين بالتحدث إلى المحافظين أولا. وقال إن على الحزبين أن يأخذا وقتهما للتوصل إلى اتفاق، إلا أنه شدد على أنه في حال فشل المحادثات، فسوف يبدأ بدوره محادثات لمحاولة تشكيل حكومة. ولم ينس براون أن يذكر بأن بين حزبه وحزب كليغ الكثير من الأمور المشتركة، وشدد على دعمه لإصلاح قانون الانتخاب، وهو مطلب رئيسي لحزب الليبراليين الديمقراطيين لدعم أي من الحزبين. ويقاوم المحافظون تعديل نظام الانتخاب الذي يلائمهم أكثر بصورته الحالية.

وبدوره، خرج كاميرون بعد براون ليقدم عرضا لليبراليين الديمقراطيين بالعمل معهم لتشكيل الحكومة المقبلة، إلا أنه لم يقدم لهم أهم ما يطالبون به، في مجالي الاقتصاد والإصلاحات الانتخابية. وقال كاميرون في مؤتمر صحافي مقتضب بعد ظهر أمس، بأنه سيقدم لكليغ «عرضا كبيرا مفتوحا وشاملا». وقد فسر المحلل السياسي في «بي بي سي» نيك روبنسون ذلك، بأن كاميرون سيعرض على حزب الليبراليين الديمقراطيين مقاعد في الحكومة. ولكن كاميرون تمسك بضرورة البدء بخفض العجز العام الذي يبلغ 163 مليار جنيه إسترليني، وقال إنه «مقتنع تماما» بأن الحكومة المقبلة عليها أن تبدأ على الفور تطبيق هذه السياسة. وهذا ما يعارضه كليغ. كما أنه لم يقدم وعودا بإصلاحات انتخابية.

ولذلك، فإن المفاوضات بين الليبراليين الديمقراطيين والمحافظين التي ستبدأ اليوم، قد تكون صعبة بسبب اختلاف نظرتهم حول الكثير من القضايا الرئيسية. فحزب المحافظين مثلا وعد ببدء تقليص النفقات العامة فور تسلمه السلطة، بهدف تقليل حجم الدين العام المرتفع. إلا أن الليبراليين الديمقراطيين لا يوافقون المحافظين في ذلك، وسياستهم الاقتصادية تتفق في المقابل مع سياسة حزب العمال. فهم يعتبرون أن بدء تقليص النفقات العامة على الفور، قد يعيد تعميق الأزمة الاقتصادية، ويهدد التعافي البطيء الذي تعيشه البلاد.

كما يختلف الحزبان بشكل جذري حول التعاطي مع أوروبا. فيدعو المحافظون إلى تباعد بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، ويريدون استقلالية أكبر في القرارات عن أوروبا. كما يتحالف المحافظون في البرلمان الأوروبي مع الأحزاب اليمينية شديدة التطرف، وهو ما ينتقدهم عليه الليبراليون الديمقراطيون بشدة. وفي المقابل، كليغ الذي عمل في الاتحاد الأوروبي طوال 15 عاما من حياته، يعتبر من أشد الداعين إلى المزيد من التقارب بين بريطانيا وأوروبا. كما أنه يؤيد انضمام بريطانيا إلى العملة الأوروبية الموحدة. ولكن المحافظين يعتبرون سياستهم هذه ساذجة، مستشهدين بالأزمة المالية الحالية في اليونان، التي أجبرت دافعي الضرائب في ألمانيا على إنقاذ اليونان من الغرق في ديونها. ولكن نقطة الخلاف الأهم، التي اعتبرها الليبراليون الديمقراطيون في مرحلة معينة من حملتهم الانتخابية أنها أساسية للتحالف مع أي حزب، هي الإصلاحات الانتخابية. وينادي هذا الحزب منذ سنوات بإجراء تعديلات عن النظام الحالي الذي يعتبره غير عادل، ولا يعطي الفرصة للأحزاب الصغيرة في أن تتمثل في البرلمان. إلا أن المحافظين والعمال كانا يوقفان بشكل منتظم تمرير قوانين إصلاحية في مجلس العموم كان يتقدم بها الليبراليون الديمقراطيون. ولكن قبل أسابيع من الانتخابات، ومنذ أن بدأت الاستطلاعات تشير إلى برلمان معلق، بدأ حزب العمال يطلق وعودا بإصلاح النظام الانتخابي، وقد كرر براون ذلك بالأمس.

ولكن المحافظين، في المقابل، ظلوا متمسكين برفضهم لإدخال تعديلات كهذه، على الرغم من أن كاميرون بدا أكثر لينا بالأمس في هذا الموضوع. إلا أنه حتى ولو قبل كاميرون بإدخال تعديلات، فسيكون عليه أن يفتح جبهة داخل حزبه، مع الجناح الذي يرفض بشدة إجراء تعديلات على القانون. ويرى المحافظون أن تغيير القانون سيصعب عليهم أكثر الحصول على أغلبية مقاعد المجلس، بينما لن يتأثر حزب العمال بالمستوى نفسه بسبب توزيع نفوذه في بريطانيا.

ولدى كاميرون حلان آخران بدلا من التفاوض مع الليبراليين الديمقراطيين، ولكنهما أقل استقرارا، فيمكنه أولا أن يفتح قنوات التفاوض مع الأحزاب الصغيرة التي فازت بـ28 مقعدا، علما بأن ما ينقصه هو 20 مقعدا لكي يحصل على أغلبية مقاعد مجلس العموم ويشكل حكومة. إلا أن أكثر من 10 نواب من هؤلاء المستقلين أبدوا عدم رغبتهم دعم المحافظين. ويترك ذلك لكاميرون حلا آخر، هو تشكيل حكومة أقلية بعد أن يتفق مع الأحزاب الأخرى، المستقلين والليبراليين الديمقراطيين، أن يدعموه في القوانين التي يريد تمريرها في مجلس العموم. ولكن هذا حل غير مستقر أيضا، لأن الأحزاب قد تتفق على التصويت ضد سياسته، خصوصا الاقتصادية، وتجبره على الدعوة لانتخابات مبكرة. وعن مساوئ تشكيل حكومة أقلية، قال ويب: «سيكون من الأسهل أن يخسر الحزب الحاكم تصويتا داخل البرلمان لتمرير قانون ما، وإذا حصل خسر تصويتا على قانون كبير، فهذا يعني أنه سيجبر على الاستقالة». وحذر ويب أيضا من التمرد داخل الحزب في حكومة أقلية، وقال: «إذا واجه تمردا من داخل حزبه فهذا سيشكل مأزقا كبيرا، وقد مؤخرا أن المشكلات التي تقع فيها الأحزاب، هي بسبب تمرد داخلها لا من الأحزاب المعارضة». وكان تمرد داخل حزب المحافظين هو الذي أطاح بمارغريت ثاتشر، ثم تمرد داخل حزب العمال أطاح بتوني بلير، وكاد أكثر من تمردين يطيحا ببراون.

وفي وقت يأخذ زعماء الأحزاب وقتهم في التفاوض حول شكل الحكومة المقبلة، تترقب الأسواق المالية بقلق نتائج المفاوضات التي قد تستغرق أياما بينهم. وعلى الرغم من أنه ليس هناك من مهلة قانونية لإنهاء المفاوضات، فإن رد فعل الأسواق قد يكون هو الذي سيتحكم في النهاية في سرعة المفاوضات.