دبلوماسي أميركي لـ«الشرق الأوسط»: أطراف لبنانية تهاجمنا لا تريد دولة أو جيشا قويين

كشف أن المساعدات للجيش تخطت نصف مليار دولار.. ووصف أحاديث إعطاء ضوء أخضر لعودة سورية بالكلام الفارغ

عناصر من مكافحة الشغب يواجهون شرطيا يرتدي ثيابا مدنية في تدريبات أقيمت أمس في ضبيه شمال بيروت (أ.ب)
TT

أكد مسؤول بارز في السفارة الأميركية في بيروت تمسك واشنطن بالاتفاقيات الأمنية والعسكرية والإنمائية الموقعة مع لبنان.. «ما دامت الحكومة اللبنانية تريدها»، معتبرا أن الحملة التي تشنها بعض القوى اللبنانية على الاتفاقات الموقعة «ليست إلا ضجيجا إعلاميا»، قائلا إن «هؤلاء يهاجمون الولايات المتحدة لكن المستهدف هو الدولة اللبنانية»، متهما إياهم بأنهم «لا يريدون جيشا قادرا ولا قوى أمن قوية».

وقال المسؤول الذي رفض ذكر اسمه في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «يبدو أن هناك بعض الأطراف التي لا تريد علاقات لبنانية - أميركية جيدة، لذلك يهاجمون كل هذه البرامج التي نقوم بها بالتعاون وبالشراكة مع الحكومة اللبنانية»، ليخلص إلى القول إن «هذه الأطراف لا تريد دولة قوية قادرة على القيام بواجباتها بالسيطرة على كل الأراضي اللبنانية».

وأكد الدبلوماسي الأميركي أن «كل برامجنا الأمنية والعسكرية مع الحكومة اللبنانية تهدف إلى مساعدة اللبنانيين وحكومتهم على بناء دولة قوية مع كل مقوماتها، وأن تكون قادرة على القيام بواجباتها، وهذا يعني جيشا قادرا على السيطرة على كل أراضيه، وشرطة تستطيع أن تطبق القوانين في البلد، ووزارات قادرة على القيام بمهماتها». ورأى أن «هذه الهجمات على البرامج الأميركية - اللبنانية، ليست هجوما على الولايات المتحدة وحدها، بل هجوما على الدولة اللبنانية». وتحدث المسؤول الأميركي عن ما سماه «جولة الاتصالات»، في الإشارة إلى الضجة التي أثيرت حول طلب السفارة معلومات عن أعمدة الإرسال العائدة للهاتف الجوال، وقال: «أين المعلومات الآن عن الضجة الأصلية التي أثيرت؟ القضية بدأت مع القول بأن الأميركيين طلبوا معلومات حساسة من قوى الأمن الداخلي تتعلق بقطع الاتصالات، لكن الضجة الآن هي حول الاتفاقية بشكل عام، لا حول الطلب الذي قالت التقارير الفنية إنها ليست معلومات حساسة، ولا يمكن استغلالها لغايات استخبارية، فالشبكة لا تسمح بذلك. الكلام الآن هو عن طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة aوالحكومة اللبنانية وهذا سؤال مختلف تماما عن المشكلة الأصلية. هذا سؤال سياسي». وأضاف «من جهتنا نريد أن نواصل العمل بهذه البرامج، وجاهزون لمتابعة كل ما اتفقنا عليه سابقا من تدريب وتسليح الجيش وقوى الأمن الداخلي، والأسبوع المقبل سوف يتم تسليم دراجات (هارلي) لقوى الأمن الداخلي نتيجة طلب منها، وبعد أسبوعين ستكون هناك حفلة تخرج لضباط وعناصر من قوى الأمن. وفي ما يتعلق بالجيش، نحن ندعم هذه المؤسسة التي هي عضد الدولة، وخلال السنوات الأربع الماضية قدمنا أكثر من 526 مليون دولار للجيش اللبناني وحده، أي أكثر من نصف مليار دولار. وهل هناك دليل أسطع من هذا حول التزامنا مساعدة الجيش». وتابع الدبلوماسي قائلا «بعض هذه المساعدات التي قدمناها كانت أساسية وحيوية لعمل الجيش من أجهزة الاتصال والعتاد والذخيرة ووسائل النقل الجوية والبرية وغيرها، فـ95 في المائة من السلاح الذي استخدمه الجيش اللبناني في الاستعراض العسكري الأخير في ذكرى الاستقلال هو من الولايات المتحدة، فلا جيش من دون هذه المساعدات، وهذا دليل على التزامنا بالدولة. لأن الدولة من دون جيش ليست دولة. بالإضافة إلى ذلك قدمنا مساعدات بأكثر من 100 مليون دولار ونحو 400 مليون دولار للتنمية مما يرفع المساعدات الأميركية إلى أكثر مaن مليار دولار وهو مبلغ كبير لبلد عدد سكانه 4 ملايين نسمة. وهذا يجعلنا أكبر المانحين للبنان».

أما الضجة التي أثيرت حول زيارة وفد أمني أميركي إلى نقطة المصنع الحدودية، فقد أكد المسؤول أن لا إشكال في هذه الزيارة، رافضا القول بوجود «نوع من العتب تجاه عدم دفاع المسؤولين اللبنانيين عن موقف السفارة رغم تنسيقها معهم»، قائلا «لا أريد أن أعلق على الموقف اللبناني. هذا خيار الحكومة. الأنشطة التي نقوم بها واضحة ومعلنة وشفافة، فكيف لأجنبي أن يزور أي مكان في لبنان من دون إذن. أساسا أعتقد أن الطرف الذي يريد أن يهاجم الأنشطة يفعل ذلك عبر الإعلام، لا عبر مؤسسات الدولة، كالحكومة والبرلمان، وبهذا يصبح الإشكال إعلاميا فقط. لكني لا أدري ما إذا كان أحد آخر يمتلك أفكارا غير مستقيمة قام باستغلال هذه التصريحات للقيام بشيء سيئ في المستقبل».

وشدد المسؤول الأميركي على أن هذه الحملات «لن تؤثر على إرادة الولايات المتحدة في تنفيذ الالتزامات التي توافقت عليها مع الحكومة اللبنانية. نحن نرى أن هذه الحملات سطحية وهي مجرد بروباغاندا إعلامية». وقال «هم خائفون جدا من قيام دولة قادرة.. من دون مساعدتنا ليس هناك جيش قادر ولا قوى أمن داخلي قادرة... لا يريدون جيشا قويا ولا قوى أمن قوية». وعن الموقف الأميركي إذا استطاع معارضو الولايات المتحدة في لبنان الضغط لإلغاء هذه الاتفاقات؟ قال «لا أتصور أنهم سينجحون في إلغاء هذه الاتفاقيات. الاتفاقيات تنص على التزام الحكومتين بما تنص عليه، وإذا لم تعد حكومة منهما تريدها فإنها تصبح ملغاة، هذا خيارها. لكني لا أتصور أن يحدث ذلك لأن هذه المساعدات حيوية جدا للحكومة مما لا يمكنها من التخلي عنها. وهل تستغل الولايات المتحدة هذه المساعدات للتدخل في تركيبة الجيش وقوى الأمن؟ أجاب «إذا نظرنا إلى الاتفاقيات الموقعة، وهي معروفة، نرى أنه لا يوجد أي شيء يسمح للأميركيين باستغلاله إلى هذا الحد. وهذا على أي حال ليس هدف البرامج التي نريد من خلالها العمل على تطوير أداء وعتاد القوى الأمنية والعسكرية.. تقريبا 4 آلاف ضابط من الجيش تخرجوا من المعهد، وهم يعرفون الآن مهام الشرطة الحقيقية. لماذا يخاف هؤلاء من جيش قادر؟ لأنهم لا يريدون سيطرة الدولة لأن هذا يحمي الحدود والمواطنين كلهم وليس جزءا منهم فقط. حسب القانون الأميركي لا نستطيع القيام بأي برنامج مع حكومة أخرى، إلا وفق معايير شفافة ومعلنة، أي من دون أسرار». وشدد على أن «الاتفاقات الموقعة مع لبنان هي تماما مثل اتفاقات أخرى نوقعها مع دول أخرى»، مشيرا إلى أن «كل جندي من الجيش كان يستطيع إطلاق 8 رصاصات فقط للتدريب في السنة؟» كاشفا أنه «بعد 3 أسابيع سنفتتح مركز تدريب للجيش في حامات حيث يمكن للجنود التدرب على جهاز متطور للتدريب على إطلاق النار من دون رصاص حي. لا يوجد استثمار في الجيش منذ انتهاء الحرب الأهلية، وقد استطاع الجيش بذكاء استخدام معداته القديمة في حرب نهر البارد. نريد تجديد وتحديث عتاد الجيش وقدراته التدريبية». وعن دعوة الخارجية اللبنانية للسفارات إلى التعامل من خلالها، شدد على أن السفارة «تتعامل مع وزارة الخارجية اللبنانية حسب الأصول والأعراف الدبلوماسية والدولية، لكننا نتعاون أيضا مع الوزارات مباشرة حسب القوانين الدولية، كما تنص اتفاقية فيينا في مادتها الـ41». واستغرب المسؤول الأميركي المخاوف اللبنانية من «تخلي» بلاده عن لبنان والتساؤلات عن الانفتاح الأميركي على سورية بالحوار معها وإرسال سفير إليها، معتبرا أن الكلام عن إعطاء سورية الضوء الأخضر للعودة إلى لبنان «كلام فارغ». وقال «لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون ما نقوم به مع سورية هو على حساب لبنان، وأكبر دليل على ذلك هو المساعدات الكبيرة للقوى الأمنية والعسكرية اللبنانية، فلماذا الاستثمار في لبنان إذا كنا سنتركه؟». وأضاف «نحن نفكر بطريقة أخرى، نحن ملتزمون أكثر من أي وقت سابق بحماية لبنان وبناء دولة قوية فيه».