دبلوماسيون غربيون: دعوة العشاء النووي الإيراني لم تأت بنتائج ملموسة

مسؤولة أميركية: مبادرة متقي تظهر خشية طهران من العزلة

وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو يصافح نظيره الإيراني منوشهر متقي لدى لقائهما في إسطنبول أمس (رويترز)
TT

كشف دبلوماسيون غربيون أن دعوة العشاء الإيرانية التي وجهها وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي، أثناء وجوده في نيويورك، إلى أعضاء مجلس الأمن الدولي الـ15، لبحث الملف النووي الإيراني، مساء أول من أمس، «لم تسفر عن نتائج ملموسة»، وأن طهران تتحرك لتشغل الإعلام كلما اقترب المجتمع الدولي من فرض عقوبات عليها. وجاء ذلك بينما أفادت مصادر مطلعة بأن مشروع العقوبات الجديد سيطرح على مجلس الأمن قريبا.

وجاءت هذه الدعوة الإيرانية على هامش مؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، في الوقت الذي بدأت فيه الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا وفرنسا والصين) مفاوضات بشأن قرار رابع ينطوي على عقوبات بحق إيران بسبب برنامجها النووي المثير للجدل.

وكشفت مصادر دبلوماسية في نيويورك مطلعة على عشاء أول من أمس لـ«الشرق الأوسط» أن الحوار تركز على عرض الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإيران بتخصيب اليورانيوم الإيراني خارج البلاد وإعادته عالي التخصيب إلى إيران، إلا أنه لم يخرج بنتيجة ملموسة. وأبلغ ممثلو الدول الـ15 عواصمهم أمس بالحديث الذي جرى في العشاء الذي استضافه متقي في مقر البعثة الإيرانية للأمم المتحدة أمس لدراسة الخطوات المقبلة. إلا أن مصدرين مختلفين أفادا لـ«الشرق الأوسط» أن التركيز على عرض تخصيب اليورانيوم لا يعالج القضية الأكبر العالقة وهي التزام إيران بقرارات مجلس الأمن ومطالبة المجتمع الدولي لها بتجميد تخصيب اليورانيوم إلى حين التأكد من الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني.

ويذكر أن الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو كرر هذا الأسبوع مطالبة الوكالة الدولية من إيران بالرد على عدد من الاستفسارات حول برنامجها النووي، مؤكدا أنه ليس بإمكان المنظمة ضمان طابع البرنامج النووي الإيراني.

وقال مصدر دبلوماسي إن «ممثلي الدول الـ15 أبلغوا متقي بقلقنا، وإيران تعلم ما يتوقعه المجتمع الدولي، وهو خطوات ملموسة للالتزام بتعهدات معاهدة منع الانتشار». إلا أن متقي أجاب على تلك المخاوف بأن بلاده موافقة على العرض الدولي لتخصيب اليورانيوم في الخارج، ولكن مع تعديلات على العرض وهو الأمر الذي رفضته الدول الكبرى سابقا.

وقد انتقدت الحكومة الإيرانية على مدى شهور العرض الذي طرحته الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن إلى جانب ألمانيا والذي يقضي أن تشحن إيران ما لديها من اليورانيوم المنخفض التخصيب إلى الخارج لتخصيبه بدرجات عالية حتى يمكن استخدامه في مفاعل نووي إيراني. ورفضت إيران الاتفاق وقالت إن الغرب لم يقدم ضمانات كافية بأنه سيتم بالفعل تسليم الوقود لطهران واقترحت بدلا من ذلك التبادل المتزامن للشحنة على أراضيها. وكان الرئيس الإيراني أحمدي نجاد قد صرح خلال وجوده في نيويورك يوم الاثنين الماضي لحضور اجتماع مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية بأن بلاده قدمت ردا على العرض، إلا أن هذا الرد لم يكن رسميا.

وتبدو دعوة العشاء الإيرانية أنها جزء من حملة تتبعها لمواجهة الجهود الأميركية والأوروبية لفرض عقوبات ضدها، كما تأتي بالتزامن مع جهود بذلها الرئيس الإيراني لتحسين صورة بلاده من خلال الظهور في الكثير من البرامج التلفزيونية الأميركية للتأكيد على أن البرنامج النووي لبلاده ذو طبيعة سلمية ولا ينطوي على أي مخاطر لاستخدامه في إنتاج الأسلحة النووية. واعتبر مصدر دبلوماسي أنه «كلما تقدمت فرص إصدار قرار من مجلس الأمن لعقوبات جديدة على إيران، نرى تحركات إيرانية وكأنها تريد أن تشغل الإعلام.. ما نريده خطوات ملموسة، على الرغم من أن الحوار دائما جيد». وتركز الدول الست على أهمية أسلوب المسارين، أسلوب الدبلوماسية والحوار من جهة وأسلوب الضغط والعقوبات من جهة أخرى في التعامل مع إيران. وسبق أن أصدر مجلس الأمن ثلاثة قرارات تضمنت عقوبات بحق طهران لإجبارها على وقف أنشطة تخصيب اليورانيوم، لكن إيران تجاهلت تلك القرارات. ويتهم الغربيون إيران بالسعي إلى حيازة سلاح نووي تحت ستار برنامج مدني، الأمر الذي تنفيه الجمهورية الإسلامية.

وأفادت وكالة «رويترز» أمس أن الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا سيقدمون مقترحا لمجلس الأمن بشأن العقوبات الجديدة على إيران الأسبوع المقبل. وكثفت الولايات المتحدة وأوروبا مشاوراتها للانتهاء من مسودة قرار يقدم لمجلس الأمن خلال الأيام المقبلة. وشاركت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في اجتماع هاتفي ظهر أمس مع نظيرها الفرنسي برنارد كوشنير والألماني غيدو ويستر ويل والمدير السياسي لوزارة الخارجية البريطانية جيفري آدمز والممثلة العليا للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون لمناقشة تفاصيل القرار الجديد.

وفي واشنطن، اعتبرت مسؤولة رفيعة في الخارجية الأميركية أمس أن العشاء الذي نظمته إيران في نيويورك يظهر خشية طهران من العزلة على الساحة الدولية. وقالت مسؤولة الاستراتيجية السياسية في وزارة الخارجية آن ماري سلوتر وهي من أقرب المعاونين لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون «أرى في ذلك مؤشرا على مستوى قلق إيران». وتابعت أمام حشد من موظفي الوزارة «إنهم يتحركون بشكل نشط (...) لمحاولة وقف كل ما قد يضاعف عزلتهم، وأرى في ذلك مؤشرا على نجاحنا».

ووصل الدبلوماسيون إلى مقر السفير الإيراني في أحد الأحياء الراقية في مانهاتن عند الساعة السادسة والنصف بالتوقيت المحلي وانتهى العشاء بعد ساعتين. وقال أحد الدبلوماسيين العاملين في الأمم المتحدة إن الأعضاء الـ15 قبلوا الدعوة. والصين كانت الوحيدة بين الدول الخمس الدائمة العضوية التي تمثلت بسفيرها لدى الأمم المتحدة. وأرسلت الدول الأربع الأخرى مساعدي السفراء أو الرجل الثالث في بعثتها الدبلوماسية لدى الأمم المتحدة. وأوفدت الولايات المتحدة الرجل الثاني في بعثتها لدى الأمم المتحدة السفير أليخاندرو وولف. ويذكر أن دولا أخرى مثل فرنسا أوفدت القائم بالأعمال بسبب سفر المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة وليس لإرسال رسائل سياسية محددة. ومثل النمسا والبوسنة واليابان ولبنان والبرازيل وتركيا والمكسيك وأوغندا، الأعضاء غير دائمي العضوية في مجلس الأمن الدولي، سفراؤها لدى الأمم المتحدة. وشاهد الصحافيون 13 من أصل 15 بلدا في مجلس الأمن. ولم يتمكنوا من مشاهدة دبلوماسيي نيجيريا والغابون. وحاولت «الشرق الأوسط» مرات عدة الاتصال بالبعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة لمعرفة الغرض من دعوة العشاء ولكن لم يكن بالإمكان الحصول على رد منها.

وبعد العشاء، أكد سفير اليابان يوكيو تاكاسو للصحافيين «لسنا هنا للتفاوض. نحن هناك كي نتبادل الأفكار العامة بكل صراحة. لم يكن الموضوع متعلقا بالعقوبات». أضاف السفير الياباني الذي كان يتحدث باليابانية «المهم هو أن معظم أعضاء مجلس الأمن كانوا هنا».

وبحسب صحيفة «واشنطن بوست» قال مسؤول أميركي قبل العشاء إن بلاده لا تعقد آمالا كبيرة على هذا اللقاء غير أنها ترغب في إعطاء الإيرانيين فرصة لإيضاح وجهة نظرهم. ودعت واشنطن إلى عدم تفسير حضورها إلى العشاء بأنه إشارة على عدم دعم عقوبات جديدة بحق طهران، وقال المسؤول إن هذه «استراتيجية مزدوجة من خلال الحوار من جهة والضغوطات من جهة أخرى».

وبعد انتهائه من عمله في نيويورك، توجه وزير الخارجية الإيراني إلى تركيا أمس لمناقشة عرض مبادلة الوقود النووي مع نظيره التركي أحمد داود أوغلو. وذكرت قناة «برس تي في» الإخبارية الإيرانية في موقعها الإلكتروني أن متقي قرر التوقف لفترة قصيرة في تركيا قبل عودته إلى طهران.

وفي طهران، أعلن رجل دين إيراني ذو نفوذ خلال خطبة الجمعة أن الجمهورية الإسلامية دخلت «النادي النووي العالمي» وعلى القوى الكبرى قبول ذلك، فيما يسلط الضوء على تحدي طهران في خلافها مع الغرب بشأن أنشطتها الذرية. وحذر أحمد خاتمي المحافظ المتشدد القوى الكبرى من أن إيران يمكن أن «تعرض عالمكم بأكمله للخطر» في أي مواجهة مستقبلية. وقال خاتمي وهو عضو في مجلس الخبراء «بالنسبة للقضية النووية يجب أن تعتبروا أن امتلاك إيران قدرة نووية أصبح حقيقة مفروغا منها». وأضاف في خطبة بثتها الإذاعة الحكومية على الهواء مباشرة «بفضل الله دخلت إيران نادي الدول النووية العالمي».

ولم تستبعد الولايات المتحدة وإسرائيل القيام بعمل عسكري إذا فشلت الدبلوماسية في حل الخلاف، بينما هددت إيران في السابق بأنها سترد على أي هجوم باستهداف المصالح الأميركية في المنطقة وإسرائيل وكذلك بإغلاق مضيق هرمز وهو ممر مائي هام لإمدادات النفط العالمية.

وقال خاتمي موجها حديثه إلى القوى الست العالمية الكبرى – الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا ـ التي تناقش حاليا حزمة عقوبات جديدة محتملة ضد إيران «إذا كان لكم أن تقفوا ضد هذا النظام الديني (الإسلامي) فستكونون ضد دين الله وإذا كان لكم أن تتحدوا ديننا فسوف نعرض عالمكم بأكمله للخطر». وأشاد خاتمي بحضور الرئيس الإيراني هذا الأسبوع بداية مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي الذي يستمر شهرا.