بريطانيا تنتظر.. وكاميرون بين طمأنة المشككين في حزبه وإرضاء الليبراليين الديمقراطيين

ضغوط على كليغ كي لا يتخلى عن تعديل النظام الانتخابي مقابل السلطة

كاميرون متوسطا براون وكليغ يشاركون في يوم النصر في أوروبا، في ذكرى انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية (رويترز)
TT

دخلت بريطانيا في حالة انتظار لما ستؤول إليه المشاورات بين زعيم أكبر كتلة نيابية، دايفيد كاميرون، عن حزب المحافظين، وزعيم حزب الليبراليين الديمقراطيين نيك كليغ الذي يمسك ميزان القوة، بعد أن أفزرت نتائج الانتخابات العامة برلمانا معلقا، من دون أغلبية مطلقة لأي حزب.

ولم تظهر، أمس، أي إشارات على اتجاه المفاوضات بين الحزبين، ولا متى ستنتهي، إلا أنه يبدو أن شرط الإصلاحات الانتخابية قد يكون الشرط الأساسي الذي قد يحكم أي اتفاق مع حزب المحافظين أو العمال. ورفض كليغ أن يعلن أي شيء قبل إنهاء المفاوضات، وقال للصحافيين صباحا لدى دخوله إلى اجتماع مع أعضاء حزبه في لندن، بأن المشاورات قد تأخذ أياما، مما يعني أنه من المستبعد أن يظهر أي جديد خلال عطلة نهاية الأسبوع.

وبدأ كليغ مشاورات مكثفة مع أعضاء حزبه، أمس، لدراسة العرض الذي قدمه لهم المحافظون، ليناقشوا ما إذا يجب أن يقبلوا بعرض كاميرون، ويتخلوا عن مطلبهم بإدخال إصلاحات انتخابية. وقالت الصحافة البريطانية إن العرض يضم تقديم 3 مقاعد حكومية لليبراليين الديمقراطيين في حكومة المحافظين، ووعد بتشكيل لجنة تدرس الإصلاحات الانتخابية، إلا أن هذا العرض غير كاف لحزب الليبراليين الديمقراطيين الذين يريدون استفتاء على نظام انتخابي جديد، وليس تشكيل لجنة كما حصل في عهد رئيس الوزراء السابق توني بلير، من دون أن تتوصل إلى شيء.

ويرى البروفسور بول ويب، أستاذ في العلوم السياسة في جامعة ساسكس لـ«الشرق الأوسط»، أنه في حال لم يحصل كليغ على وعد من المحافظين بأنه سيكون هناك استفتاء على تعديلات انتخابية قبل الانتخابات المقبلة، فسوف يواجه تمردا كبيرا من داخل حزبه. وأضاف: «لا أعتقد أنه سيقبل بالدخول في ائتلاف معهم ما لم يحصل ذلك».

ويتعرض كليغ لضغوط كبيرة لطرح شرط التعديلات الانتخابية، كمطلب أساسي لدعم المحافظين. وقد خرجت مظاهرات شعبية بعد ظهر أمس أمام مقر حزب الليبراليين الديمقراطيين تطالب بذلك. وخرج كليغ بعد وقت قصير ليتحدث إلى الناخبين، وقال لهم: «لن أطلعكم على ما يجري من نقاش مع المحافظين، ولكن اعلموا أن أحد أسباب دخولي السياسة، هو لإصلاح السياسة».

وبالإضافة إلى الضغط الشعبي، يتعرض كليغ لضغط إعلامي من قبل الصحف التي أعلنت دعمها له خلال الحملة الانتخابية على أساس تمسكه بإصلاح النظام الانتخابي. ومن بين هذه الصحف، «غارديان» اليسارية، التي تدعم العمال تقليديا، ولكنها اختارت دعم الليبراليين الديمقراطيين هذه المرة لأنها قالت إنهم إصلاحيون. وكذلك دعمت صحيفة «إندبندنت» المستقلة بميول يسارية، الحزب للأسباب نفسها. وقد كتب ستيف ريتشارد في «إندبندنت»، أمس، يحث كليغ على عدم التخلي عن مطلبه بتعديل القانون الانتخابي، مقابل إغراءات المشاركة بالسلطة. وقال: «نظامنا الانتخابي قلما يفرز برلمانا معلقا، وهذه المرة فعل. ولن يفعل ذلك مرة جديدة قبل وقت طويل. نيك كليغ لديه الفرصة اليوم لكي يغتنم اللحظة ويغير النظام الانتخابي. هناك خطورة أنه قد يتخلى عن ذلك، وهو خطأ يتماشى مع نهج حزبه بالسعي البراغماتي نحو السلطة».

ويرى كثيرون أن حزب الليبراليين الديمقراطيين أمام فرصة تاريخية اليوم لتعديل النظام الانتخابي غير العادل في بريطانيا، وهذه الفرصة قد لا تسنح لهم مرة جديدة في المستقبل القريب. ويقول البروفسور ويب لـ«الشرق الأوسط»: «لدى الليبراليين الديمقراطيين فرصة نادرة الآن أن يلعبوا دورا كبيرا، ويغيروا النظام الانتخابي، وإذا ضيعوا الفرصة فمن يعرف متى ستأتي فرصة جديدة؟ وأنا متأكد أن كليغ يدرك ذلك». إلا أن تغيير النظام الانتخابي، قد لا يتحقق لليبراليين الديمقراطيين في ائتلاف مع المحافظين، فكاميرون بدأ يتعرض لضغوط كبيرة من داخل حزبه لكي يرفض تقديم أي وعد لكليغ حول استفتاء على النظام الانتخابي، لأنهم يتخوفون من أن تغيير النظام قد يبقيهم خارج السلطة طوال عقود قادمة. ويقول ويب عن ذلك: «لهذا السبب لا أعتقد أن كاميرون سيذهب أبعد من اقتراح ما اقترحه بتأليف لجنة لدرس التعديلات. ولكن الليبراليين الديمقراطيين لن يقبلوا بذلك، لأنه كانت لهم تجربة مع توني بلير في السابق، عندما ألف لجنة جينكنز التي بقيت تعمل لسنوات من دون أن تتوصل إلى شيء. فلجنة هكذا من شبه المؤكد ستأخذ وقتا، وربما في الوقت الذي يستغرق اللجنة للتوصل إلى توصيات، تكون قد حدثت انتخابات جديدة، وتمكن حزب المحافظين من الفوز بالأغلبية المطلقة، وعندها لن يكون هناك حظ بإدخال هذه التعديلات».

ويرى ويب أن أمام الليبراليين الديمقراطيين حلا واحدا للتوصل إليه في مفاوضاتهم مع المحافظين، وهو إبرام اتفاق معهم من أنه لن يشارك في ائتلاف حكومي، ولن يدعمهم في القوانين التي سيتقدمون بها، ولكن لن يصوت ضدهم عندما يقدمون خطاب الملكة. ويقول ويب: «عندها يمكن للمحافظين أن يشكلوا حكومة أقلية، ويختار الليبراليون ما سيؤيدون وما يعارضون في البرلمان. أعتقد أن هذا هو الخيار الوحيد أمامهم في حديثهم إلى المحافظين».

ولكن هناك مخرجا أمام كليغ إذا أراد أن يتمسك بالإصلاحات الانتخابية، بعيدا عن المحافظين. فيمكنه أن يتجه إلى تشكيل تحالف مع حزب العمال الحاكم بزعامة غودرن براون الذي وعد بوضوح، وأكثر من مرة، بإعطاء الليبراليين الديمقراطيين ما يطالبون به.. استفتاء شعبي على تغيير النظام الانتخابي. ولكن كليغ يرفض فكرة إعادة حزب يعتبر خاسرا في الانتخابات، إلى السلطة. كما يرفض أن يعيد رئيس وزراء تظهر استطلاعات الرأي أنه من بين الأقل شعبية في تاريخ بريطانيا، إلى السلطة. ولكنه كان قد وضع شرطا في السابق، أنهم يمكن أن يفاوض حزب العمال على تقاسم السلطة، في حال تنحى براون عن السلطة.

إلا أن الكاتب ريتشاردز في صحيفة «إندبندنت»، كتب ينتقد هذه النظرة، وقال: «كليغ يكره فكرة أن يظهر مع غودرن براون على عتبة 10 داونينغ ستريت، يعلن عن اتفاق. ولكن (الليبراليين الديمقراطيين) يتصرفون بسذاجة كبيرة إذا ظنوا أن حكومة أقلية يشكلها المحافظون ستؤدي إلى إعادة إحياء حزبهم في السنوات القادمة.. متى ما وصل المحافظون إلى السلطة، فلن يتخلوا عنها». وأضاف: «إذا شكل دايفيد كاميرون حكومة أقلية، فسوف يتحكم بكل القرارات، وخصوصا متى يدعو لانتخابات جديدة.. وسيدعو لانتخابات ثانية عندما يكون متقدما كثيرا في استطلاعات الرأي.. وعندها سيعود الليبراليون الديمقراطيون إلى ما كانوا عليه في السابق، حزب لا أهمية له على الصعيد الوطني».

ويرى البروفسور ويب أيضا أن الحل المنطقي لكليغ هو بالتحالف مع العمال، ولكنه يقول إن الشرط الأساسي سيكون تنحي براون عن السلطة، «وإذا لم يحصل ذلك، فلن يحصل اتفاق». ويضيف: «قد ينعكس ذلك سلبا، لأن البعض سينتقد رئيس حكومة غير منتخب، ولكن نظرا إلى شعبية براون العامة، فأعتقد أن عددا أكبر بكثير سيرحب بتغيير براون».

في حال فشلت المفاوضات بين الليبراليين الديمقراطيين، وهو ما سيظهر خلال اليومين المقبلين، سيكون على كاميرون أن ينتظر لكي ينهي كليغ مفاوضاته مع براون، قبل أن يعلن تشكيل حكومة أقلية، إذا ما أراد أن يفعل ذلك، لأن هذا ما ينص عليه الدستور البريطاني غير المكتوب. وفي انتظار نتائج المفاوضات، يستبعد البروفسور ويب لأن يتوصل كليغ وكاميرون إلى الاتفاق على تشكيل ائتلاف حكومي، ولكنه يقول أيضا: «إن ذلك لا يعني أننا سنرى ائتلافا بين الليبراليين والعمال». ويضيف: «السؤال الأساسي أمام كليغ سيكون: هل نتحمل براون لكي نحصل على إصلاحات انتخابية، ولكن نوضح له أن عليه أن يستقيل قبل الانتخابات المقبلة؟» الإجابة قد نحصل عليها في مطلع الأسبوع المقبل.