جنرال لغز داخل الشرطة الإندونيسية

ينشر فضائح زملائه.. وتساؤلات محيرة وراء دوافعه الحقيقية

الجنرال سوسنو دودجي
TT

جُرد الجنرال المغني، سوسنو دودجي، الذي كان واحدا من أقوى خمس شخصيات في مؤسسة الشرطة الإندونيسية البالغ قوامها 400 ألف شرطي، من مقر إقامته الرسمي وسائقه وحراسه الشخصيين، ومن حصص الوقود المجانية التي يحصل عليها، وعاد إلى موطنه يحيط به أفراد عائلته وزمرة من مناصريه ومتذوق طعام. وأكد الرجل خلال لقاء معه في غرفة جلوس منزله التي ازدانت جدرانها بصور للعائلة وأخرى له وهو يرتدي زي الشرطة، أنه سيواصل الغناء.

تعود بداية القصة إلى إقالة الجنرال من وظيفته بسبب الاشتباه في قضية فساد، حيث نبذه العامة ولفظه زملاؤه في الشرطة، وحاول الجنرال الدفاع عن نفسه عبر شن هجوم مضاد في الأسابيع الأخيرة فضح فيه الفساد في المستويات العليا في الشرطة والحكومة، وأدى ذلك إلى فتور في العلاقة مع المؤسسة التي يتبعها الجنرال الذي يزعم أنه يملك مجموعة ضخمة من الوثائق السرية الكاملة حول عدد لا حصر له من القضايا وهو يهدد بفضحها واحدة تلو الأخرى. ويقول سوسنو عن نفسه «كان سوهارتو الجنرال المبتسم (في إشارة إلى الحاكم العسكري لإندونيسيا الذي حكمها على مدى سنوات طويلة) لكني جنرال مغرد».

بيد أن هذا الجنرال (55 عاما) واصل الابتسام خلال المقابلة التي لم تكشف سوى القليل عن دوافعه. هل كان هذا الكشف نوعا من الواجب؟ أم نوعا من الضغينة ضد كبار الشرطة الإندونيسية، ليصبح قائد الشرطة؟ أو كما اعترف هو كان عملا وطنيا لمحاربة الفساد الذي يعوق الدولة؟.

يقول بامبانغ ويدودو عمر، الذي تقاعد من قوة الشرطة برتبة عقيد ويدرس في أكاديمية الشرطة في جامعة إندونيسيا «هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها أحد أفراد الشرطة بالانقلاب على زملائه بصورة علنية». في الماضي كان الحديث عن القواعد غير المكتوبة بأن المنافسة يجب ألا تضر بالمؤسسة، وكان الضباط الكبار غالبا ما ينتقدون منافسيهم بصورة غير نزيهة أمام الرئيس أو المشرعين. وقال بامبانغ (63 عاما) «لا يزال من المحرمات بالنسبة لفرد في المؤسسة نشر الغسيل القذر عن المؤسسة الأمنية أمام العلن، وهو ما يفعله الجنرال سوسنو، ويعد هذا أمرا غير طبيعي، سواء كان من ناحية الدوافع التي أدت به إلى القيام بذلك أو ما إذا كان هناك دافع داخلي».

سمع الإندونيسيون للمرة الأولى عن الجنرال سوسنو منذ أقل من عام، عدما ألقى محققون من لجنة اجتثاث الفساد، التي تحظى باحترام كبير، القبض عليه وهو يطلب رشوة قدرها مليون دولار، عندما كان يشغل منصب كبير المحققين، وكان واحدا من بين أقوى خمس شخصيات في مؤسسة الشرطة. فيما بعد قال إنه كان يعلم أن هاتفه مراقب، وإنه كان يتلاعب بالمتصل. وقد أشعلت ملاحقة هذا المسؤول الكبير التوتر بين لجنة مكافحة الفساد وقوة الشرطة، التي ينظر إليها على نطاق واسع على أنها واحدة من أكثر المؤسسات الفاسدة في إندونيسيا. ثم قام بعد ذلك سوسنو بما هو أسوأ، حينما شبّه ملاحقة لجنة الفساد للشرطة بأنها «برص يتحدى تمساحا».

دعم عشرات الآلاف من مستخدمي «فيس بوك» في إندونيسيا ومنظمات المراقبة، الجانب المتعلق بالبرص في الخبر، وتحول سوسنو إلى رمز لتعالي الشرطة وحصانتها، وهي صورة عززتها التقارير بأنه حاول عزل اثنين من قادة لجنة مكافحة الفساد. وقد أدت الضغوط على الرئيس سوسيلو بامبانغ يوديونو، والاحتجاجات المتوالية في الشارع إلى عزل الجنرال سوسنو كرئيس للمحققين في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ونجا من الطرد من قوة الشرطة.

وقال الجنرال سوسنو إنه بات كبش المحرقة لسوء تعامل الشرطة مع غضب الشارع، وإنه تحول إلى ضحية. واعترف باستخدامه لفظة البرص والتمساح، لكنه قال إنها أسيء تفسيرها. وقال إنه لم يحاول تقويض لجنة الفساد التي دائما ما يرمز إليها بالاختصار «كيه بي كيه» الحروف الأولية من اسمها باللغة الإندونيسية.

وقال الجنرال مبتسما «أنا أحب لجنة اجتثاث الفساد، فهي تلعب دورا بالغ الأهمية في محاربة الفساد في إندونيسيا» مضيفا أن الشرطة والمدعين العامين ليسوا جادين بشكل كاف في محاربة الفساد.

لو جاء هذا من رجل آخر أقل طموحا ومهارة سياسية لربما قبل أن يعيش في الظل حتى يتقاعد، لكن سوسنو بدأ في أعقاب أسابيع قليلة من إقالته كرئيس للمحققين في التخطيط لعودته مرة أخرى. نشر الرجل كتابا حاول فيه تبييض صورته، فقد ولد الرجل في أسرة فقيرة في إقليم سومطرة وكان الابن الثاني في الترتيب بين إخوته الثمانية، ووالداه قالا له إنهما لا يستطيعان إدخاله الجامعة لذا تقدم إلى أكاديمية الشرطة التي كانت مجانية وتم قبوله على الرغم مما قال عن كراهيته للشرطة.

وقال الجنرال سوسنو «لماذا؟ لأن الشرطة تحب طلب المال»، مفسرا أن والده سائق الحافلة غالبا ما كان يوقف من قبل أفراد الشرطة ليحصلوا منه على رشوة.

ارتقى سوسنو ببطء داخل قوة الشرطة، لكنه بعد قضاء سنوات قليلة خارج قوة الشرطة في مركز تحليل وتدقيق التحويلات المالية، المسؤول عن التحقيق في الأنشطة المالية غير المشروعة، تمت ترقيته بسرعة كبيرة. واقترنت مهامه في المؤسسة المالية بآخر منصب له في الإشراف على التحقيقات الجنائية، مما منحه قدرة على الاطلاع على خفايا المسؤولين الكبار في إندونيسيا. وقال سوسنو «أنا أعلم أصحاب الأيادي البيضاء ومن هم اللصوص».

قبل أسابيع قليلة بدأ الجنرال في نشر تفاصيل حول التهرب الضريبي تتعلق بمسؤول ضرائب يبلغ من العمر 30 عاما نجح في جمع 2.7 مليون دولار في حسابه البنكي. أثار ما كشف عنه الجنرال غضب مسؤولي الضرائب والكثير من المسؤولين الحاليين والسابقين في الشرطة وقاض ودبلوماسي سابق اتهم بدور الوسيط في القضية.

لم توجه اتهامات إلى أحد بعد، فقد اتهم بعض المتهمين الجنرال سوسنو بقبول الرشوة. لكن ما تكشف على لسان مسؤول كبير في الشرطة نال استحسان بعض أكبر منتقدي الجنرال. فمنحته منظمة مراقبة الفساد جائزة.

من الواضح أن الجنرال استعذب التغيير، فقال إنه تلقى تهديدات ويتعرض لمراقبة في تحركاته خارج منزله. وذكر أن أحد نشطاء محاربة الفساد قتل في ظروف غامضة في عام 2004 بالسم. وقال الجنرال إنه لم يكن ليخاطر ولذا اعتمد على متذوق للطعام. وأشار إلى أن الفساد واحد في كل مكان حتى في وزارة الدين التي تنظم الحج وتتقاضى رسوما أعلى من المقرر.

وتقول نيتا بان، المديرة التنفيذية لإندونيسيا ووتش بوليس، المنظمة الخاصة، إن استراتيجية الجنرال تقوم على إثارة التعاطف الشعبي من أجل بقائه وربما تأمين منصب له في وكالة الاستخبارات الإندونيسية. ويرى البعض في المؤسسة الإعلامية أن الجنرال سوسنو أطلق تهديدا ضمنيا بكشف المزيد من وقائع الفساد حتى لا يكون أمام الشرطة سوى خيار تعيينه قائدا للشرطة عندما يتقاعد نهاية العام الحالي. وقد صرح مؤخرا بأنه يملك أدلة على تورط جنرال وعدد من الرتب الأدنى في قضايا فساد. وقال سوسنو «لا يمكن أن يبتعد شيء عن الحقيقة، فهذا ليس جزءا من منافسة، إننا نحارب من أجل الشعب الإندونيسي وليس من أجلي أنا».

* خدمة «نيويورك تايمز»