الأسد: أكدت للرئيس غل تمسكنا بالوساطة التركية مع إسرائيل

الرئيس التركي: لا نرغب في سماع كلمة الحرب.. فهذه المنطقة لم تعد تحتمل عبئا من هذا القبيل

الأسد مع الرئيس التركي خلال مؤتمر صحافي لهما في اسطنبول أمس (إ.ب.أ)
TT

قال الرئيس السوري، بشار الأسد، إن السلام غير مطلوب من قبل الإسرائيليين، وسورية لا تزال متمسكة بالوساطة التركية التي ترى فيها حلا، والتي أصبحت في الوقت نفسه مشكلة، لأن «الإسرائيلي لم يتعود على وساطة نزيهة، ولا على وساطة ناجحة، لأن الوساطة الناجحة تعني تحقيق السلام.. والسلام على ما يبدو غير مطلوب من قبل الإسرائيليين». كلام الأسد جاء في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التركي عبد الله غل، في مؤتمر عقب مباحثاتهما في اسطنبول، أمس، وأوضح الأسد أنه تحدث إلى غل في موضوع السلام، وقال: «قد يكون السؤال البديهي: عن أي سلام تتحدثون؟ لا يوجد سلام ولا توجد عملية سلام. لا يوجد شريك، ونحن متفقون على هذه النتيجة مسبقا.. لكني أكدت للرئيس غل تمسك سورية بالوساطة التركية التي نرى فيها حلا، وهي مشكلة في الوقت نفسه، لأن الإسرائيلي لم يتعود على وساطة نزيهة، ولا على وساطة ناجحة، لأن الوساطة الناجحة تعني تحقيق السلام.. والسلام على ما يبدو غير مطلوب من قبل الإسرائيليين». وجدد الأسد تأكيده تمسك سورية بالدور التركي، مع تأكيده على أن «إسرائيل ليست شريكا على الأقل في المرحلة الحالية، ولا أعتقد أنها كانت شريكا في المرحلة التي سبقتها».

وأضاف الأسد: «لا أحد منا في هذه المنطقة ينسى ما فعله إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، عندما أراد أن يرد الجواب لرئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان خلال أيام حول السلام، فكان الرد في الهجوم على غزة وقتل الآلاف، ولا ننسى ما يحصل الآن من حصار غزة، وما يحصل في القدس».

وفي رد على سؤال يتعلق بقراءة سورية لاحتمالات الحرب في المنطقة، قال الأسد: «لا أحد منا يتمنى الحرب، المشكلة أن حالة اللا حرب واللا سلم إما أن تنتهي بسلم أو أن تنتهي بحرب، لذلك عندما نعمل نحن وتركيا من أجل التوصل للسلام فذلك لكي لا نرى ما لا نتمناه». ورأى الأسد أن المشكلة «هي أننا لا نستطيع فقط أن نتمنى.. يجب أن نعمل لذلك، وعلينا أن نتحرك في هذا الاتجاه عندما نرى أن حكومة قامت بعدة خطوات بعكس السلام. فنحن نخشى من الحرب، ولكن هذا لا يعني أن نتنبأ، فهذا يبقى جوابا افتراضيا لا أحد يعرف ما الذي يخطط». لذلك يرى الأسد أن «الحل الوحيد لكي نكون واقعيين أن نعمل من أجل تحقيق السلام، لكي لا تحصل الحرب ولو كانت النسبة بسيطة».

وحول كيفية استنهاض العرب والمسلمين لمواجهة ممارسات إسرائيل بتهويد القدس وهدم المنازل الفلسطينية وحرق المساجد وتوسيع المستوطنات، تساءل الرئيس الأسد: «ما الدور الدولي في منع ما تقوم به إسرائيل؟»، وتابع مؤكدا: «إن لم تدفع إسرائيل ثمنا وتشعر بأضرار من خلال ما تقوم به من إجراءات غير مقبولة على المستوى الدولي، فسوف يبقى هذا الكلام في إطار التنديد والاستنكار، ولن يؤدي إلى نتيجة فعليا».

وحول الموضوع النووي، قال الرئيس الأسد: «نحن متفقون على حق كل الدول في امتلاك الطاقة النووية السلمية، وعلى إخلاء منطقة الشرق الأوسط من كل أسلحة الدمار الشامل، ووجهة نظر سورية أن يبدأوا بالتفتيش في إسرائيل، وبعدها يستطيعون الحديث عن باقي الدول».

وأضاف الرئيس الأسد: «تمنيت على الرئيس غل أن تستمر العلاقات التركية الأرمينية في التطور، على الرغم من كل العثرات، وهي طبيعية تظهر في بداية أي علاقة».

وردا على سؤال بخصوص الملف النووي الإيراني والوساطة التركية، قال الرئيس الأسد: «تحدثنا في هذا الموضوع، وطلبت إلى الرئيس غل أن تتابع تركيا دورها المهم في هذا المجال للثقة التي تكونت بين الحكومة التركية والحكومة الإيرانية ولعلاقات تركيا الواسعة مع دول العالم في هذا المجال». وتابع: «لكن أي عمل سياسي يجب أن يبنى على مرجعية تكون الأساس لأي مبادرة. ونحن من الدول الموقعة على اتفاقية منع انتشار أسلحة الدمار الشامل». وأكد الأسد أن «أي مبادرة يجب أن تبنى على هذه الاتفاقية، وهي تعطي بشكل واضح تماما الحق لأي دولة بامتلاك الطاقة النووية السلمية، وفي الوقت نفسه هي تحدد آليات لمراقبة نشاط هذه الدول». وحدد الأسد المشكلة التي يمر بها هذا الملف ومعه المنطقة منذ سنوات، وهي «أن الدول التي قامت بمبادرات، وتحديدا الدول الغربية، خرجت عن اتفاقية منع أسلحة الدمار الشامل من ناحية المراقبة، ونقلت الموضوع خارج الوكالة إلى مجلس الأمن. ومن ناحية المضمون بالمبادرات التي قامت بها لم يكن هناك وضوح بحق الدولة أن تمتلك هذه الطاقة، ووضعوا بدلا من كل هذه المرجعية كلمة ثقة. ونحن نثق بهذه الدولة أو لا نثق بها. وسؤال بسيط: من يثق بهذه الدول أساسا؟ ومن أعطاهم الحق أن يحددوا من الثقة ومن ليس ثقة؟!». وتابع الرئيس الأسد: «العلاقات الدولية لا تبنى على أساس الثقة.. والحل هو في اتباع اتفاقيات منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، وعندها يكون أي حل ممكنا، وكل التفاصيل والمبادرات الأخرى التي نراها طالما أنها خارجة عنها فلن تؤدي إلى نتيجة أو حل». وأضاف مؤكدا أن تركيا كسورية وككثير من الدول «تدعم أن يكون كل شيء يمر عبر الشرعية الدولية»، مشيرا إلى أن أطرافا دولية تتحدث عن المجتمع الدولي «ويخرجون عن الشرعية الدولية، وهذا الكلام ينطوي على تناقض وهذه هي وجهة نظر سورية».

وفي الشأن العراقي، قال الأسد إنه خلال محادثاته مع نظيره التركي «كانت وجهات النظر متفقة حول الحكومة العراقية المقبلة التي تحمل مهمتين، الأولى جمع العراقيين كلهم من أجل إعادة العراق إلى دوره الطبيعي، وطبعا هذا يعني إنهاء الاحتلال. والنقطة الثانية أن تكون هذه الحكومة قادرة على بناء علاقات جيدة مع دول جوار العراق».

من جهته قال الرئيس عبد الله غل عن محادثاته مع الأسد أنه جرى بحث الملف النووي الإيراني، وتم التأكيد على «الحل بالطرق الدبلوماسية»، وعبر عن اهتمام تركيا بمباحثات السلام، وبخاصة بين سورية وإسرائيل، وبين لبنان وفلسطين وإسرائيل، وقال: «نحن نهتم بالحلول كثيرا». وردا على سؤال إذا كانت إسرائيل ستطلق العنان لدورة جنون تقلب الأوراق وتعيد المنطقة إلى الخلف، قال الرئيس غل: «قبل كل شيء، لا نرغب أن نسمع كلمة الحرب، فهذه المنطقة لم تعد تحتمل عبئا من هذا القبيل، وإن ما حدث في غزة قد سكب المياه من الإناء. وأي نشاطات شبيهة بالحرب لا يمكن لهذه المنطقة أن تحتملها، وأي شخص في العالم لا يمكن أن ينظر بتعاطف أو يبقى من دون مشاعر إزاء ذلك. ولهذا السبب لا نريد أن نرى أو نسمع شيئا من هذا القبيل، والكل يجب أن يقوم بتحديد سياساته، ويتخذ خطواته بدقة وفق ذلك».

وعن إمكان تفعيل تركيا لدورها في استئناف المفاوضات غير المباشرة بين سورية وإسرائيل، قال الرئيس غل: «هناك حقيقة واقعة.. لا يمكن الوصول إلى نتائج عن طريق الحرب، بل عن طريق الدبلوماسية والحوار يمكن الوصول إلى النتائج. ولهذا السبب فإن هناك مشكلة كبيرة في المنطقة. وهذه المشكلة ليست قضية العرب وإسرائيل فحسب، بل هي أكبر قضية تهم العالم برمته بعد الحرب العالمية الثانية.. فأهم قضية يواجهها العالم هي مسيرة السلام في الشرق الأوسط، وهذه المشكلة في الحقيقة تشكل المصدر للكثير من الأحداث التي تحدث في المناطق البعيدة من العالم». وتابع الرئيس غل: «قبل بضعة أعوام، بناء على الثقة التي أولتها سورية وثقة الحكومة الإسرائيلية آنذاك، بدأت تركيا بأداء الدور الذي يقع على عاتقها. وبالفعل، قامت بخطوات مهمة، لدرجة أن الحكومة الإسرائيلية ثمنت النقطة التي تم الوصول إليها والموقف المحايد والعادل الذي اتخذته تركيا آنذاك، ولكن للأسف بعد أحداث غزة لم يتم التمكن من مواصلة تلك الجهود». وكرر غل القول بأن «الرئيس الأسد قد أعرب عن استعداده للبدء بالمباحثات من النقطة نفسها، وكرر ذلك عدة مرات. ونحن نتقدم بجزيل الشكر لهم على ثقتهم التي أولوها للحكومة التركية، وليس وراء الأبواب الموصدة، بل كرروا هذه الثقة أمام أنظار العالم. أما الجانب الإسرائيلي، فلم نسمع منه أي صوت حتى الآن». وأضاف غل: «يمكن القول بأن العودة من الضرر تعد ربحا. وفي النهاية يجب الوصول إلى نتيجة عادلة قابلة للعيش من دون سفك الدماء وذرف الدموع». ودعا غل إلى «التحرك بشكل شجاع»، معبرا عن أمله في أن «تبدأ المبادرات والنشاطات في هذا المضمار مرة أخرى».

وحول دور «منظمة المؤتمر الإسلامي» في إنقاذ القدس، قال الرئيس غل: «إن القدس ليست فقط للفلسطينيين وليست مسألة عربية، وإنما هي قضية تخص كل العالم الإسلامي. وما يجري من تنقيب تحت القدس، والإجراءات التي اتخذت ضد المدينة هي إجراءات خطيرة. وناقشنا هذه الخطورة مع حلفائنا، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأميركية، وأكدنا للدول الأخرى خطورة هذا الوضع». وأضاف: «إن هذا الموضوع حساس جدا في الحقيقة، وهي نقطة حساسة على درجة يمكن أن يتأثر الجميع بها. وطبعا نحن باعتبارنا دول المنطقة وفي مقدمتها جارتنا سورية، ناقشنا هذه المسألة ضمن إطار منظمة المؤتمر الإسلامي، ونناقشها بشكل دائم في كل المحافل». وعن العلاقات الثنائية السورية - التركية، قال غل: «إن الاستقرار السياسي والثقة بين البلدين ستجلب الاستقرار إلى المنطقة وستحقق الأمن والسعادة. ونحن مع الرئيس الأسد نسعى على مختلف المستويات إلى تعزيز وتقوية هذه العلاقات والتطور بها نحو الأمام، ونتخذ التدابير اللازمة لذلك».

وكان الرئيس الأسد - والسيدة عقيلته - بدأ بزيارة عمل إلى تركيا يوم أمس السبت، تستمر يومين، يرافقه وفد رسمي، يضم وليد المعلم وزير الخارجية، والمستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية بثينة شعبان، ومعاون وزير الخارجية عبد الفتاح عمورة. وفي حضور الرئيسين الأسد وغل، تم التوقيع على اتفاقيتين للتعاون، الأولى في مجال الصحافة والإعلام، والاتفاقية الثانية حول الاستخدام المشترك للمنافذ الحدودية، بوابتي القامشلي ونصيب الحدوديتين البريتين.