المفاوضات غير المباشرة تأتي بعد 19 عاما من المباشرة.. بدأت بمدريد وآخرها أنابوليس

هل تنجح 4 أشهر بالواسطة فيما فشلت فيه مئات الجولات والاتفاقات وجها لوجه؟

TT

تطلق محادثات السلام غير المباشرة أملا ضعيفا في الوصول إلى سلام حقيقي ينتهي بإقامة دولة فلسطينية، بعد 19 عاما من التفاوض مع إسرائيل توصل خلالها الفلسطينيون إلى قناعة راسخة بأن إسرائيل لا تسعى أبدا إلى إعطائهم هذه الدولة. وفي الاجتماعات المغلقة يقول الرئيس الفلسطيني محمود عباس إنه لا يتوقع شيئا من هذه المفاوضات، لكنه يريد إحراج إسرائيل أكثر أمام الولايات المتحدة. ويكاد يكون الخلاف بين الفلسطينيين والإسرائيليين يطال كل الملفات، القدس والحدود والأمن واللاجئين والأسرى والمياه والمستوطنات.

خلفيات عن المباحثات بدأت أول مباحثات رسمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين في مدريد عام 1991، بعد أن مهدت منظمة التحرير لدخولها في عملية السلام في الشرق الأوسط، عندما أعلنت خلال انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني التاسع عشر في 12 - 15/11/1988 اعترافها رسميا بالقرار 181 الصادر عن الأمم المتحدة، والقاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين؛ عربية ويهودية، واعترافها رسميا بالقرار 242 الصادر عن الأمم المتحدة في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1967.

وعمليا كانت اتفاقية أو معاهدة أوسلو التي وقعت في 13 سبتمبر (أيلول) 1993، هي أول اتفاق رسمي وقعته إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في مدينة واشنطن، في الولايات المتحدة، وسمي أوسلو نسبة إلى مدينة أوسلو النرويجية التي تمت فيها المحادثات السرية.

وقع الاتفاق وزير خارجية إسرائيل آنذاك شيمعون بيريس، وأمين سر اللجنة التنفيذية للمنظمة وقتها محمود عباس، ونصت الاتفاقية على إقامة سلطة حكومة ذاتية انتقالية فلسطينية (أصبحت تعرف فيما بعد بالسلطة الوطنية الفلسطينية)، ومجلس تشريعي منتخب، لفترة انتقالية لإتمامها في أقرب وقت ممكن، بما لا يتعدى بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية. ونصت الاتفاقية على أن هذه المفاوضات سوف تغطي القضايا المتبقية، بما فيها القدس، واللاجئون، والمستوطنات، والترتيبات الأمنية، والحدود، والعلاقات والتعاون مع جيران آخرين.

تباحث الفلسطينيون والإسرائيليون طويلا في مختلف هذه القضايا، وأجروا مفاوضات في القاهرة عام 1995، وفي طابا في 28 سبتمبر 1995، والخليل في 15 يناير (كانون الثاني) 1997، وواي ريفر في 23 أكتوبر (تشرين الأول) 1998، وشرم الشيخ في 4 سبتمبر 1999، وكامب ديفيد في 2000.

كل هذه المفاوضات لم تأت للفلسطينيين بالدولة المرجوة، كما أن إسرائيل لم تطبق أيا من التزاماتها في كل الاتفاقات، وظلت الخلافات تطال كل شيء. وفي كامب ديفيد تفجر الموقف، وتمسك الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بالقدس الشرقية وكامل الأراضي المحتلة عام 1967. بعد ذلك بقليل في 28 سبتمبر 2000، تفجرت انتفاضة الأقصى، وتوقفت المباحثات تماما، وساءت العلاقات بين السلطة وإسرائيل بشكل غير مسبوق.

أخذ الفلسطينيون يضربون في قلب إسرائيل وراحت إسرائيل تدمر كل إمكانات السلطة. حاول الأميركيون مرارا من دون جدوى، وخرجوا بخطة خارطة الطريق في 2002 التي رسمت طريقا للعودة إلى المفاوضات في 3 مراحل بهدف الوصول إلى دولة فلسطينية في 2005.

لم تنجح الخطة، وظل الموقف على الأرض متفجرا، في أواخر 2004 رحل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات الذي كانت واشنطن وإسرائيل تصفانه بعقبة في طريق السلام، وفي يناير 2005 تسلم رئاسة السلطة محمود عباس.

في 2007 دعا الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش إلى عقد مؤتمر للسلام يطلق مباحثات من أجل الوصول إلى حل الدولتين، وبناء دولة فلسطينية ذات حدود متصلة وقابلة للحياة عرف بمؤتمر أنابوليس.

انطلقت مفاوضات ماراثونية بين رئيس السلطة محمود عباس ورئيس وزراء إسرائيل السابق إيهود أولمرت، وفي نهاية 2008 توقفت المفاوضات بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة، لكنها قبل ذلك كانت بحكم المنتهية، وتبادل الطرفان اتهامات بعرقلة المفاوضات ورفض حلول وخطط خلاقة.

تغيرت الحكومة الإسرائيلية، وتغيرت الإدارة الأميركية، وقال الفلسطينيون إنهم يريدون وقفا تاما للاستيطان قبل العودة إلى مفاوضات جديدة مع حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة. رفض نتنياهو ذلك وأطلق العنان للبناء الاستيطاني، لكنه ووجه بضغوط أميركية كبيرة وتبنى الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما مواقف الفلسطينيين بداية، قبل أن يتراجع ويوجه صفعة للسلطة كادت تطيح بالرئيس الفلسطيني الذي قال نهاية العام الماضي إنه سيستقيل بعد فشله في تحقيق السلام.

وآنذاك اعترف كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات بفشل 18 عاما من المفاوضات، مؤكدا أن الرئيس محمود عباس توصل إلى قناعة باستحالة إقامة دولة فلسطينية في عهد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.

وزاد عريقات: «لقد جاءت لحظة الحقيقة ومصارحة الشعب الفلسطيني بأننا لم نستطع أن نحقق حل الدولتين من خلال المفاوضات التي استمرت 18 عاما». وتابع: «لقد وصلنا إلى قناعة بأن إسرائيل لا تريد دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي الفلسطينية التي احتلتها في 4 يونيو (حزيران) عام 1967».

حاولت الولايات المتحدة لملمة الموقف، واقترحت مفاوضات غير مباشرة، فوافق الفلسطينيون والدول العربية، لكن إسرائيل وجهت إهانة للولايات المتحدة بإعلانها عن بناء 1600 وحدة استيطانية في القدس في مارس (آذار) الماضي، بينما كان جو بايدن نائب الرئيس الأميركي يزور تل أبيب لإعلان إطلاق المباحثات! تراجعت السلطة عن موافقتها بإطلاق مباحثات، وطلبت إلغاء القرارات الاستيطانية الجديدة، وحاولت واشنطن ثانية، وأبلغت السلطة، أخيرا، أنها ستدين على الملأ أي جهة ستعرقل المفاوضات غير المباشرة.

وافقت السلطة أول من أمس على بدء المفاوضات غير المباشرة لمدة 4 أشهر فقط، وانطلقت عمليا أمس، بعد 18 عاما من المفاوضات المباشرة، فهل تنجح مفاوضات بالواسطة خلال 4 أشهر فيما فشلت فيه وجها لوجه طيلة عقدين من الزمان؟