التأمين ينتشر وسط قرويي الهند

نيودلهي تقر قانونا للتأمين الريفي يفيد 45 مليون عائلة العام الحالي فقط

ديباراسو يعرض بوليصة التأمين الخاصة ببقرته
TT

في السابق، ربما شعر المزارع إس ديباراسو بالحزن لو صدمت سيارة بقرته الحلوب «بيغ روز» أو ماتت بسبب إعصار، ولكن بفضل بوليصة تأمينية قيمتها 14 دولارا في الشهر، لن يمثل ذلك كارثة مالية بالنسبة له. وتمثل التغطية التأمينية الجديدة التي تشمل بقرة ديباراسو خطوة هامة في مساعي الهند لتحسين الأوضاع الخاصة بمئات الملايين من المواطنين. وبدأ التأمين على الماشية والدواجن والجرارات والشاحنات والحياة ينتشر داخل المناطق الريفية الواسعة في الهند، ويعد ذلك مؤشرا جديدا هاما على الاستقرار في الطبقة الوسطى داخل هذا البلد الذي يبلغ تعداد سكانه 1.2 مليار نسمة. وفي الوقت الذي يبلغ فيه النمو الاقتصادي الهندي نسبة 7%، يتجاوز الرخاء الاقتصادي نيودلهي ومومباي ويصل إلى قرى ريفية يعيش فيها غالبية الهنود. ويتحول المزارعون حاليا إلى التأمين، الذي كان في السابق يمثل ترفا لا يفكر فيه الناس ويسمح لهم بتأمين مكاسبهم والتخطيط بثقة ويشعرون بشيء لم تتخيله الأجيال السابقة: الأمل في المستقبل. وقال ديباراسو، بينما كان يقف إلى جوار حظيرة الماشية خارج منزله المريح المكون من ثلاث غرف نوم ويطل على أربعة أفدنة من الأرز في قريته بجنوب الهند: «مستوى معيشتي أفضل كثيرا من المستوى الذي كان يحلم به والدي».

وفي حين كان يتحدث، اندفعت ابنته الكبرى خارج تاكسي تحمل في يدها طلبات الالتحاق بالجامعة، وقال: «ستكون ابنتي ضمن الجيل الأول الذي يذهب إلى الجامعة. لم نكن نفكر في السابق أن ذلك يمكن حدوثه. لم نكن نتحدث يوما عن التأمين والجامعات».

ويقدم ديباراسو نموذجا على المدى الذي أصبحت معه الخدمات المالية المعاصرة مثل التأمين والائتمان والصيرفة متاحة للمناطق الريفية في الهند. وبالنسبة لجيل آبائه، كان ادخار المال يعني وضع آلاف قليلة من الروبيات في علبة يعلوها الصدأ. لكن في عام 2006، افتتح ديباراسو أول حساب له في بنك جديد في المدينة. وقبل ثلاثة أشهر، قام بالتأمين على أربع بقرات، وقبل شهر قام بالتأمين أيضا على جرار جديد خاص به، وقبل 15 يوما اشترى تأمين حوادث شخصيا. وإضافة إلى تقديم معيار للأمن، يعد التأمين حافزا اقتصاديا يسمح لمزارعين مثل ديباراسو بالاستثمار بجرأة أكبر في حيوانات حية جديدة أو في معدات من دون الخوف من أن عاصفة أو حادثا يمكن أن يقضي عليها.

وفي حين يسعى العالم بجد للخروج من الركود الاقتصادي، نجد أن الهند بها ثاني أسرع اقتصاد نموا بعد الصين. ويقول علماء اقتصاد إن الكثير من النمو يظهر في أسواق مستهلكين ناشئين خارج المراكز الحضرية التقليدية. ويقول كي جي كريشنامورثي راو، الرئيس التنفيذي لـ«فيوتشر جنرالي إنديا إنشورانس»، إن الشركة التي تتخذ من مومباي مقرا لها قدمت تأمينا عن 40 ألفا من الماشية خلال العام الماضي وحده. وتجري الشركة حاليا حملات في ثلاث ولايات أخرى. وتدخل «فيوتشر جنرالي» وغيرها من شركات التأمين الخاصة في شراكات مع منظمات غير حكومية للتواصل مع المزارعين. كما تقوم التنظيمات بالرقابة على شركات التأمين لتجنب عمليات الاحتيال. ويقول راو: «تعد الهند الريفية الجبهة الجديدة للنمو الكبير. نعرض التأمين على الجرارات ومضخات المياه وحتى الدواجن. إنها إشارة جيدة على القوة الاقتصادية داخل كثير من القرى».

وقد فتحت الحكومة الهندية الطريق أمام شركات خاصة قبل عقد تقريبا، وخلال الأعوام القليلة الماضية بدأت أكثر من 15 شركة خاصة التواصل مع المزارعين والعمال باليومية عن طريق تقديم حزم تأمين مصغرة. وعلى طول الطرق الضيقة هنا، توجد لوحات إعلانية تتناول أحلام المدن الصغيرة والمناطق الريفية، وتعلن عن حزم تأمين للمزارعين، بالإضافة إلى بضائع وخدمات: غسالات صغيرة وسكوتر وهواتف جوالة وبث تلفزيوني. ويقول الاقتصاد بارانجوي غوا ثاكوراتا: «تثبت المجتمعات الريفية التي تشتري التأمين وتتحول إلى طبقات مستهلكة التطلعات المتنامية والوعي والثقة في المستقبل في الهند حاليا. وقد سيطر حلم الطبقة الوسطى الهندية على خيال الريف».

ومما ساعد على الرخاء الاقتصادي داخل الهند الريفية الطلب المتنامي والأسعار الأعلى للأرز والقمح وغيرها من المنتجات الزراعية التي يتم زراعتها في المناطق الزراعية. كما لعبت عوامل سياسية دورا في ذلك. وقد روجت حكومة حزب المؤتمر بقيادة رئيس الوزراء مانموهان سينغ لما يطلق عليه مسؤولون «النمو الشامل» لمساعدة الفقراء في الريف. وتعد هذه فلسفة براغماتية داخل الهند، حيث دائما ما يشارك الفقراء والطبقة العاملة في الانتخابات بينما تبقى النخبة داخل المنازل.

وقد قدمت الحكومة تسهيلات في قروض ومدت مواعيد السداد وخفضت معدلات الفائدة في مناطق سقطت فيها أمطار ضعيفة أو تأخرت عن مواعيدها، وقد ساعد هذا الأمر في تدفق المال داخل اقتصادات محلية. ويشترط حزب المؤتمر على هؤلاء الذين يشاركون في برامج حكومية معينة فتح أرصدة مصرفية. والأمر الأكثر بروزا في هذا الصدد هو قانون تأمين العمالة الريفية الوطني الذي يقدم للهنود ذوي الدخل المنخفض عملا مضمونا لـ100 يوم، ومن المتوقع أن تستفيد منه 45 مليون عائلة خلال العام الحالي. وتوزع الأجور في هذا البرنامج بصورة مباشرة في أرصدة مصرفية وداخل مكاتب البريد. ويهدف ذلك إلى تقليل فرص الفساد، لكنه قدم لملايين الفقراء أول فرصة ليكون لديهم رصيد ادخاري.

في ولاية تاميل نادو الجنوبية، تنتشر لوحات إعلانات عن المنتجات الجديدة بكثرة. وبالموازاة مع محلات بيع الحبوب أو تصليح المعدات الزراعية، تجد كليات للهندسة ومراكز لتعليم الكومبيوتر، وهي كلها إشارات على أن الهند تمر بتحول اقتصادي كبير من الزراعة إلى المهن الاحترافية.

هناك عائلة ثانجاراي مثلا التي تضم مزارعين في قصب السكر والأرز، وتعيش في القرية الريفية اناندابورام، وهو اسم يعني باللغة التاميلية «المكان السعيد». اشترت العائلة في الآونة الأخيرة جرارا جديدا و«حزمة تأمين زراعية» من شركة التأمين «رويال ساندارام الاينس». وقال انبالاجان ثانجاري، 38 سنة، وهو يجلس أمام البناية التي يجري توسيعها لتكون منزله قريبا، إنه احتاج إلى جرار لأن الكثير من العمال اليدويين تركوه وتوجهوا إلى المدن للعمل في مجال الإنشاءات حيث يحصلون على أجور أحسن. وأضاف ثانجاراي، الذي كان يضع قلم «مون بلون» في جيب قميصه، تلقاه هدية من شقيقه الذي يعمل مهندسا في شركة «مرسيدس» في شمال الهند: «في السابق لم يكن أحد منا يهتم بالتأمين. كنا ننظر إلى ذلك باعتباره مضيعة للمال، لكن الآن إذا حدث لنا شيء ستكون لدينا خطة دعم».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»