أوباما يجعل الدبلوماسية الشخصية جزءاً من استراتيجية أفغانستان

طالب معاونيه بإبداء مزيد من الاحترام في تعاملهم مع الرئيس الأفغاني كرزاي

الرئيس الأفغاني حميد كرزاي (وسط) وإلى جانبه الجنرال ماكريستال قائد قوات «الناتو» في أفغانستان لدى وصوله إلى مطار قاعدة باغرام العسكرية أول من أمس (رويترز)
TT

أصدر الرئيس أوباما تعليمات واضحة إلى فريق العمل المعاون له المعني بالأمن القومي بإبداء مزيد من الاحترام المعلن في تعاملهم مع الرئيس الأفغاني حميد كرزاي، في أعقاب موجة أخيرة من تبادل التصريحات شديدة اللهجة بين مسؤولين أميركيين وعدد من الانتكاسات الأخرى التي أثارت غضب الرئيس الأفغاني وأثارت التساؤلات حول علاقته بواشنطن.

خلال اجتماع داخل البيت الأبيض الشهر الماضي، أوضح أوباما أن كرزاي كان الشريك الرئيسي للولايات المتحدة في جهودها في الحرب، الأمر الذي انعكس على زيارته إلى واشنطن التي بدأت الاثنين، طبقا لما ذكره مسؤولون بارزون في البيت الأبيض. من خلال ذلك، يسعى أوباما لفرض النظام على إدارة بعثت برسائل متضاربة حول مدى شرعية كرزاي وقيمته بالنسبة إلى الحملة التي تقودها الولايات المتحدة لمكافحة التمرد. وعليه، هدد كرزاي بالانضمام إلى طالبان في غضون أيام قلائل من إنهاء أوباما زيارته الرئاسية الأولى لكابل في أواخر مارس (آذار).

بعد اجتماع دام ساعتين وصفه مستشارون للزعيمين بالمثمر، تولدت مرارة في نفس كرزاي بعد تلقيه نسخة من تعليقات صدرت عن مستشار أوباما للأمن القومي في طريقهما إلى كابل اعتبرها كرزاي مهينة. وبعد أيام، قرأ كرزاي مقالا في إحدى الصحف ذكر أن مسؤولا أميركيا لم يوضح اسمه يهدد بوضع أحمد والي كرزاي، الأخ غير الشقيق لكرزاي، على القائمة الخاصة بالقوات العسكرية للأفراد المطلوب القبض عليهم أو قتلهم.

كانت جهود قد بذلت قبل ذلك بشهور لترسيخ اعتقاد في ذهن كرزاي بأن أخيه، زعيم المجلس الإقليمي في قندهار، سيبقى بمنصبه رغم الاتهامات المستمرة ضده بالفساد وصلته بنشاطات الاتجار في المخدرات. وسرعان ما أثار المقال غضبا عارما لدى كرزاي على نحو أذهل البيت الأبيض.

وعن هذا الأمر، علق مسؤول رفيع المستوى بالبيت الأبيض يشارك في تطوير السياسة تجاه أفغانستان، بقوله: «كانت فترة عصيبة. بصراحة، بعض ما قاله كرزاي كان بحاجة للرد عليه. لكن تبقى الحقيقة الأساسية أن تحسنا طرأ على الأوضاع منذ ذلك الحين في ما يخص المناخ العام ولب تعاملاتنا مع الرئيس كرزاي وفريق العمل المعاون له».

وتعد مسألة إدارة العلاقة مع كرزاي جزءا من تحد أوسع بكثير للحفاظ على التأييد السياسي لحرب شارفت تسع سنوات، وخاصة أن استطلاعا جديدا للرأي أجرته «واشنطن بوست» بالتعاون مع محطة «إيه بي سي نيوز» توصل مجددا إلى معارضة غالبية الأميركيين لهذه الحرب. قال 52% ممن شملهم الاستطلاع إن الحرب لا تستحق خوضها، مما يعني أن الارتفاع في مستوى تأييد الحرب الذي أعقب إعلان أوباما استراتيجيته الجديدة تجاه أفغانستان في ديسمبر (كانون الأول) تلاشى.

ومن المنتظر أن يشكل اجتماع كرزاي مع أوباما داخل المكتب البيضاوي، الأربعاء، محور زيارة طويلة نادرة من نوعها. على مدار الأيام الأربعة القادمة، سيعمل أوباما على التأكيد أمام كرزاي والكثير من كبار وزرائه على الصعيدين المعلن وغير المعلن على الالتزام الأميركي بأفغانستان الذي يؤكد مسؤولون أنه سيستمر لأمد بعيد بعد شروع القوات الأميركية في الانسحاب من أفغانستان في يوليو (تموز) 2011.

واعترف مسؤولون أميركيون بأن تحديد هذا الموعد النهائي لبدء الانسحاب أثار الفزع في نفس كرزاي. من جانبه، ينوي أوباما تخصيص جزء كبير من الاجتماع مع كرزاي لتحديد شكل العلاقة على المدى البعيد، والتي ستقوم على وجود أعداد أقل بكثير من القوات الأميركية بأفغانستان، لكن مع توافر دعم دبلوماسي واقتصادي أعمق من جانب واشنطن لكابل.

ومن غير المؤكد ما إذا كانت رسالة ضرورة التزام النظام، التي أرسلها أوباما لمعاونيه، ستنجح في إعادة تعديل علاقة اتسمت على مدار فترة طويلة بالتعقيد. وعلى الرغم من أوامر أوباما بتوجيه دعم معلن للرئيس الأفغاني، فإنه تبقى اختلافات عميقة على صعيد السياسات المتبعة داخل صفوف الإدارة، بما في ذلك كبار المسؤولين الأميركيين في أفغانستان، حول التزام كرزاي بالإصلاحات الحكومية والأمنية الضرورية لنجاح المهمة الأميركية في أفغانستان.

ويبدو أن بعض الإشارات المتضاربة في الشهور الأخيرة تعد نتاجا مباشرا لتصرفات الرئيس ذاته. على النقيض من جورج دبليو. بوش، أبقى أوباما بمسافة واضحة في علاقته الشخصية مع كرزاي. كما أثار الشكوك حول قدرة الاعتماد على كرزاي كشريك أثناء مراجعة استراتيجية البيت الأبيض للحرب الأفغانية الخريف الماضي. إلا أن مسؤولين رفيعي المستوى قالوا إن أوباما يرغب في توحيد صفوف إدارته.

وقال المسؤول البارز في البيت الأبيض إن زيارة كرزاي جرى التخطيط لها بحيث «تشكل استعراضا للعلاقات بين الجانبين والقضايا التي نعمل عليها». جدير بالذكر أن كرزاي ستجري استضافته في حفلات عشاء تقيمها هيلاري رودهام كلينتون، وزيرة الخارجية، التي يثق بها ربما أكثر من أي مسؤول أميركي آخر، وبايدن، نائب الرئيس الأميركي، الذي ربطته بكرزاي علاقة عاصفة.

من جانبها، شجعت الإدارة كرزاي على اصطحاب وفد كبير من كبار المسؤولين الأفغان معه في زيارته، لمنحهم فرصة مقابلة نظرائهم الأميركيين والقيادات المؤثرة داخل الكونغرس. ومن بين هؤلاء المسؤولين وزراء أوصى بهم أوباما خلال لقائه كرزاي أثناء زيارته لكابل، وذلك بناء على كفاءتهم، وليس روابطهم القبلية أو العرقية التي يمكن أن تعقد الإصلاحات الحكومية في أفغانستان.

وقال مسؤول آخر بارز في الإدارة يشارك في صياغة السياسة تجاه أفغانستان: «نود تأكيد أن هذه العلاقة ليست بفرد واحد فحسب»، لكنه سارع بالاستطراد بأنه «لا ننظر إلى هذا الموقف باعتباره يقوم على طرف فائز وآخر خاسر أو كسبيل للالتفاف على كابل». ومثل المسؤولين الآخرين، رفض هذا المسؤول الكشف عن هويته.

طبقا لمسؤولين رفيعي المستوى في الإدارة، تضمنت الأمور التي أثارت غضب كرزاي تعليقات صادرة عن جيمس إل. جونز، مستشار الأمن القومي قبل حتى أن يبدأ الاجتماع بين الرئيسين الأميركي والأفغاني.

كان جونز قد أخبر مراسلين صحافيين على متن الطائرة الرئاسية أن أوباما ينوي «جعل كرزاي يتفهم أنه خلال فترة رئاسته الثانية كانت هناك أمور لم تحظ باهتمام منذ اليوم الأول تقريبا». ونظر مسؤولون أفغان إلى هذه التعليقات باعتبارها تنم عن تعالٍ، لكن كرزاي لم يعلم بها سوى بعد مغادرة أوباما أفغانستان.

بعد ثلاثة أيام، استشاط كرزاي غضبا لقراءته تقريرا في «واشنطن بوست» هدد خلاله مسؤول أميركي، لم يذكر اسمه، بوضع أحمد والي كرزاي على «قائمة أولويات الاشتباك المشتركة»، التي تعرف باسم قائمة المطلوب إلقاء القبض عليهم أو قتلهم. في اليوم التالي، رفض المجلس الأدنى من البرلمان الأفغاني اقتراحا لكرزاي بتغيير قانون الانتخابات الوطنية على نحو يمنحه مزيدا من السيطرة على الكيان، الذي يتولى التحقيق في أعمال التزوير في الأصوات، وهي خطوة عارضتها إدارة أوباما. وأمام حشد من المسؤولين الأفغان المعنيين بالانتخابات في اليوم التالي، قال كرزاي: «لدينا مصالح وطنية في هذا البلد»، متهما الأمم المتحدة ووسائل الإعلام الدولية بالتآمر ضده. وقال: «لقد أرادوا حكومة خاضعة».

في غضون أيام، اتصل كرزاي بكلينتون لتوضيح تعليقاته. لكن بعد أيام، استمر روبرت غيبس، السكرتير الصحافي للبيت الأبيض، في رفضه وصف كرزاي بالحليف.

وأشار مسؤول رفيع المستوى ثالث بالإدارة يشارك في وضع السياسة تجاه أفغانستان، إلى أنه «في النهاية بالنسبة إلى كرزاي، يتعلق هذا الأمر بالاحترام. إنه، مثل الكثير من رؤساء الدول، يميل إلى الخلط بين الإهانات الموجهة له وتلك الموجهة لشعبه. ونحن من جانبنا نحاول الفصل بين الاثنين».

في الواقع، لم يكن كرزاي الزعيم الوحيد الذي ساوره الغضب، حيث شعر أوباما أيضا بالغضب تجاه الأسلوب الذي تحدث به المسؤولون الأميركيون عن الرئيس الأفغاني.

وأوضح أوباما خلال اجتماع مع كبار معاونيه المعنيين بالأمن القومي أن كرزاي «شخص يتعين علينا العمل معه على مدار الأعوام الأربعة ونصف العام القادمين». وعليه، فإن «توقعات كبيرة ينبغي خلقها في ما يخص كرزاي وينبغي أن يكون كرزاي على مستوى هذه التوقعات». وأبدى أوباما عزمه عدم التساهل حيال أي انتقادات أخرى علنية تجاه الرئيس الأفغاني.

في 8 أبريل (نيسان)، نقلت رسالة من أوباما إلى كرزاي في كابل يشكره خلالها على اتخاذه الترتيبات اللازمة لزيارته الأخيرة. وبعد ثلاثة أيام، ظهرت كلينتون وروبرت إم. غيتس، وزير الدفاع، في برامج حوارية صباح الأحد أشادا خلالها بكرزاي.

وجاء قرار أوباما شديد القرب من موقف جنرال ستانلي إيه. مكريستال، القائد العسكري في أفغانستان. يذكر أنه خلال جلسات المراجعة الشهرية بغرفة الطوارئ في البيت الأبيض، أصر مكريستال على أنه يتعين على المسؤولين الأميركيين إبداء مزيد من التوقير على الصعيد العلني لكرزاي.

أما المسؤول الدبلوماسي الأميركي الأول في أفغانستان، السفير كارل دبليو. إكنبري، فكان على الجهة المقابلة من وجهة النظر تلك، ، حيث ضغط للعمل مع قيادات أخرى خارج كابل، بدلا من الاعتماد بمثل هذه الصورة الشديد على كرزاي.

في أفغانستان، تولى مكريستال الجزء الأكبر من مسؤولية التعامل مع كرزاي، وغالبا ما يصطحب مكريستال الزعيم الأفغاني في جولاته داخل البلاد. طبقا لدبلوماسيين داخل أفغانستان ومحللين سافروا هناك كثيرا، يعتقد كرزاي أنه ليس بمقدوره الثقة بأي من إكنبري أو ريتشارد سي. هولبروك، مبعوث أوباما الخاص للمنطقة، الذي تربطه علاقة طويلة ومريرة بالرئيس الأفغاني. إلا أن ولبروك وإكنبري وصفا علاقتهما بالرئيس الأفغاني بالمثمرة.

من جانبه، قال ريان سي. كروكر، السفير الأميركي السابق لدى لبغداد، إن نجاح زيادة أعداد القوات الأميركية بأفغانستان يرجع في جزء منه إلى الوحدة التي أبداها هو وجنرال ديفيد إتش. بترايوس، القائد الأميركي هناك آنذاك، في التعامل مع نوري المالكي، رئيس الوزراء، الذي يعد زعيما تربط واشنطن به علاقة معقدة أخرى. إلا أن كروكر أضاف أن نجاح زيادة القوات أصبح ممكنا أيضا نتيجة العلاقة الشخصية التي ربطت بوش والمالكي، وقد حرص بوش على الحديث معه كثيرا عبر مؤتمرات الفيديو.

وأضاف كروكر، الذي يعمل حاليا عميدا لكلية بوش للحكم والخدمة العامة التابعة لجامعة تكساس إيه آند إم، أنه «بذلك كانت هناك مشاعر ثقة على المستوى الأعلى. قطعا يملك الرئيس أوباما لمسة بارعة، ليس هناك شك في هذا. والآن، حان الوقت كي يستغل هذه اللمسة».

خلال خطاب ألقاه في ديسمبر (كانون الأول) في «ويست بوينت»، أعلن أوباما أن القوات الأميركية ستبدأ الانسحاب من أفغانستان في يوليو 2011.

وأشار مسؤول بارز في الإدارة إلى أن «هذا الموعد يرمي لدفع الأفغان لتركيز ذهنهم. كما أنه يسعى لتركيز اهتمامنا على الوضع داخل بلادنا. ويعزز هذا الموعد النظام بشأن مشروع ظل ساريا على غير هدى لسنوات».

ويقول دبلوماسيون بالمنطقة إن الموعد ترك في بعض الأحيان تأثيرا عكسيا على كرزاي، حيث دفعه لموازنة كل طلب أميركي أمام تداعياته المحتملة على حياته السياسية بعد انسحاب القوات الأميركية. وقال مسؤولون إن هذه المخاوف تكمن وراء تعليقاته حول الانضمام لطالبان.

وقال مسؤول بارز في الإدارة إن أوباما مدرك للقلق الذي يساور كرزاي، وشرع في صياغة ملامح الدور الأميركي طويل الأمد في أفغانستان خلال مؤتمر عبر الفيديو مع كرزاي قبيل زيارته كابل بأسابيع قلائل. من المقرر أن يقضي أوباما جزءا كبيرا من اجتماعه، الأربعاء، مع كرزاي في تناول هذه المخاوف. وعلق المسؤول بقوله: «يرغب الرئيس كرزاي في معاينة الطبيعة المستمرة لهذا الالتزام، لعلاقته مع الرئيس وأين يقف تحديدا، وهذا أمر طبيعي. وما سنفعله من جانبنا هو الحديث على نحو أكثر تفصيلا عن شكل العلاقات الأميركية - الأفغانية طويلة الأمد، وليس عن إبقاء 100.000 جندي هناك إلى الأبد».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»