خلافات إيكنبري وماكريستال تضر بالمصالح الأميركية في أفغانستان

تخرجا من «ويست بوينت» و«هارفارد» وكلاهما برتبة جنرال

TT

يحمل كل منهما رتبة جنرال، وحصل كل منهما على أوسمة، وتخرجا في «ويست بوينت»، ودرسا في جامعة هارفارد، ويفضل كل منها العمل الدءوب على النوم الهانئ.

تولى السفير الأميركي لدى أفغانستان كارل إيكنبري والقائد الأميركي الأعلى الجنرال ستانلي ماكريستال منصبيهما وسط آمال بأنه يمكنهما تكوين شراكة على غرار الشراكة التي كانت موجودة بين الجنرال ديفيد بترايوس والسفير ريان كروكر في العراق.

ولكن توجد دينامكية مختلفة تماما تتعلق بالثنائي إيكنبري - ماكريستال الذي يعود إلى واشنطن هذا الأسبوع، مع الرئيس الأفغاني حميد كرزاي. وقال كلا الرجلين خلال مقابلات أجريت معهما إن بينهما علاقة مثمرة، وإنهما أوجدا روابط أقوى بين الجنود والمدنيين في مختلف أنحاء أفغانستان. ومع ذلك، توجد نقاط اختلاف هامة بينهما بخصوص مجريات الحرب داخل أفغانستان، وقد سعى كل منهما بجد للتأكيد على تصوره للعمل مع حكومة كرزاي، حسب ما تفيد به مقابلات أجريت مع مسؤولين أميركيين وأفغان ومسؤولين في «الناتو».

وأشار عدد قليل من المنتقدين إلى أن هذه الاختلافات أضرت بالمصالح الأميركية في أفغانستان.

وفي بعض الأحيان ظهرت الاختلافات الموجودة بينهما على الملأ، ولا سيما بعد تسريب برقيتين أرسلهما السفير إيكنبري إلى واشنطن العام الماضي إلى وسائل الإعلام. وكانت البرقيتان تحذران من أن طلب ماكريستال إحضار قوات جديدة ربما تكون له نتائج عكسية، حيث إن كرزاي «لا يعد شريكا استراتيجيا مناسبا». وشعر أعضاء في فريق ماكريستال بالضيق الشديد لأنهم لم يطلعوا على موقف إيكنبري قبل أن يرسل البرقيات إلى واشنطن، حسب ما قالوه في مقابلات أجريت معهم.

وعارض إيكنبري بعض تجارب ماكريستال في الحرب. ورفض السفير إعطاء أموال لتوسيع نشاط عسكري يهدف إلى تحويل قرويين إلى حراس مسلحين. وعارض خطة لتشكيل ائتلاف معارض لحركة طالبان مع قبيلة بشتونية وإعطائها أموالا لتنفيذ مشاريع تنموية. وانتقد مقترح الجيش شراء مولدات كهربية ووقود ديزل لمدينة قندهار، التي تحتاج إلى الطاقة بشدة، ودعم مشروع سد كهرومائي على المدى الأطول.

وقد تباينت وجهات نظر كل منهما على الرغم من أن لديهما خبرة مشتركة، فقد عمل إيكنبري لمدة 18 شهرا كقائد للقوات التابعة لـ«الناتو» في أفغانستان، وهي الوظيفة التي يشغلها ماكريستال حاليا، قبل أن يتقاعد من الجيش ويعود سفيرا. وبينما يجري ماكريستال تعديلا على استراتيجية الحرب، فإن جزءا من الإرث الذي يغيره يعود إلى إيكنبري.

وكان إيكنبري يريد أن يصبح ممثلا مدنيا بارزا لدى «الناتو»، بالإضافة إلى عمله كسفير، ولكن أوصى ماكريستال ضد ذلك، حسب ما قاله دبلوماسيون داخل كابل. وحصل الدبلوماسي البريطاني مارك سيدويل على هذا الدور.

ويقول بيتر غالبريث، الذي شغل منصب المسؤول الأميركي الأول في بعثة الأمم المتحدة داخل أفغانستان خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت العام الماضي «أمامنا جنرالان يحملان نفس الرتبة ولا يتفقان على السياسة، ومن الواضح أنهما لا يحبان بعضهما. ويجعل ذلك العلاقة صعبة».

وقد حاول كلا الرجلين تبديد فكرة أنهما لا يتفقان على الاستراتيجية. وقال إيكنبري «أفضل مناخ يمكن أن أصوره هو أن الوضع يشبه فريقا رياضيا. ونحن نلعب في مواقع مختلفة، ولدينا دوران مختلفان ولكنهما يكملان بعضهما بعضا. وبالطبع في بعض الأحيان نختلف حول أفضل لعبة نقوم بها، ولكننا ملتزمون كزملاء في الفريق بأن نتأكد من أن استراتيجية الرئيس يتم تنفيذها على النحو المطلوب». ويقول ماكريستال إن إيكنبري يتعاون معه بصورة فعالة، وإنه لا يجب مقارنة علاقتهما بالعلاقة التي كانت بين بترايوس وكروكر في العراق.

ويضيف «نعرف بعضنا بعضا منذ أعوام كثيرة، ونتحدث حول الأشياء التي نتعامل معها. وقال «البعض يبحث عن نموذج مثل العراق، ولكن لم يكن بالعراق تحالف من 46 دولة».

والتقى الجنرالان للمرة الأولى في مسارهما المهني عام 2002، عندما كان يعمل ماكريستال رئيسا للأركان تحت الجنرال دان ماكنيل، قائد التحالف حين ذلك، وساعد على إعداد إيكنبري لمهمة داخل العاصمة كابل. وبعد ذلك تولى ماكريستال إدارة قيادة العمليات الخاصة المشتركة، بينما كان إيكنبري يشغل المنصب العسكري الأعلى داخل أفغانستان.

ويعمل الاثنان حاليا بصورة مستقلة، ويتولى ماكريستال المسؤولية عن تحالف لـ«الناتو» قوامه 130 ألفا، وليس عن الجنود الأميركيين وحدهم.

وربما تعكس بعض الخلافات بين الرجلين مشكلات متنامية، بينما يفسح الجيش مجالا للسفارة الأميركية داخل كابل. وعندما شغل الرئيس الأميركي باراك أوباما منصبه العام الماضي، كان هناك 360 مدنيا أميركيا في أفغانستان. ويوجد حاليا أكثر من 1000 شخص، ويعد ذلك النمو الأكبر في بعثة مدنية أميركية منذ حرب فيتنام.

ويتقاسم القادة العسكريون الميدانيون، الذين كان لهم في الماضي مستشارون سياسيون، السلطة مع ممثلين مدنيين تدعمهم فرق عمل يزداد عددها. والنتيجة هي أن الصوت المدني أصبح أعلى في عملية اتخاذ القرار.

وعندما يعارض إيكنبري مقترحا عسكريا، يكون السبب غالبا أنه لا يريد تقويض الحكومة الأفغانية وتشكيل قواتها الأمنية. ويقول إنه يجب أن يضع في الاعتبار عوامل تتجاوز الاستقرار القصير الأجل، وإن البرامج غير التابعة للحكومة الأفغانية لن تكون مستدامة.

ويقول إيكنبري «أعتقد أن كلا منا فخور بدرجة التواصل المدني العسكري الذي تمكنا من تحقيقه خلال العام الذي قضيناه هنا. وبالطبع ستكون هناك بعض الرؤى المختلفة، وستكون هناك نقاشات حية، وهناك حاجة إلى ذلك، ويجب تشجيع ذلك».

وربما الاختلاف الأكثر وضوحا في المنهج يتعلق بطريقة تعامل الرجلين مع كرزاي. وقد تبنى ماكريستال دورا مثل دور الدبلوماسي الأول، وكوّن شراكة قوية مع كرزاي. وخلال جلسات مراجعة شهرية داخل البيت الأبيض، قال ماكريستال إنه يجب أن يظهر مسؤولون أميركيون مقدارا أكبر من الاحترام لكرزاي، ويذكر الآخرون من حين لآخر بأنه «الزعيم المنتخب داخل دولة ذات سيادة»، حسب ما قاله مسؤولون في الإدارة. وخلال المقابلة، قال ماكريستال إن كرزاي «شريك كبير» دائما ما كان «مباشرا معي ويعتمد عليه».

ويقول بعض المسؤولين إن علاقته مع كرزاي تأتي على حساب الإخلاص، ويقول مسؤولون إنه في بعض المواقف اختار منحى سياسيا أقل إثارة للجدل سياسيا، مستشهدين بقراره العمل مع أحمد والي كرزاي، الأخ غير الشقيق للرئيس الأفغاني، بدلا من ممارسة الضغوط لمزاعم ممارسته نشاطا إجراميا.

ويقول ماكريستال «إذا لم تكن لدي مصداقية مع الرئيس كرزاي، لا أعتقد أنه يمكنني أن أكون قائدا فعالا هنا. ولا يعني ذلك أنني لن أذكر أمامه إلا ما يريد سماعه. بل يعني إقناعه بأنه يمكن الوثوق فيّ وأن أكون مخلصا في الحديث معه».

وفي هذه الأثناء وجه إيكنبري رسائل قوية حول الفساد والحكم دائما ما كانت تضايق كرزاي. وخلال مراجعة سياسية طويلة في فصل الخريف، عارض إيكنبري إرسال قوات أميركية إضافية إلى أفغانستان. وقال مسؤولون أميركيون إنه لا يزال يعتقد أنه يجب على الولايات المتحدة العثور على شخصيات أفغانية أخرى، من بينها قيادات محلية، للعمل معها بدلا من الاعتماد على كرزاي.

وقد أغضب موقف إيكنبري كرزاي، الذي ينظر دائما إلى الدعم الأميركي للحكومات المحلية داخل أفغانستان على أنه تهديد لنفوذه. ويقول مسؤولون أميركيون إن كرزاي سياسي ماكر حاول استغلال أي اختلافات سياسية بين إيكنبري وماكريستال.

ومنذ أن تولى ماكريستال القيادة في يونيو (حزيران)، اجتمع مع كرزاي أكثر من 45 مرة، كانت وجها لوجه في الأغلب، ومن بينها اجتماع صباح الأحد بصورة دورية داخل القصر الرئاسي. وقد تميز ماكريستال على أسلافه، ومن بينهم إيكنبري، بتقليل الإصابات بين صفوف المدنيين، ووضَع قيودا على استخدام الهجمات الجوية والغارات الليلة. وكان يعتذر لكرزاي عندما تقع وفيات بين صفوف المدنيين، وعرض عليه شريط فيديو وعروضا توضح كيف تقع هذه الأخطاء. وقال مسؤول بارز في «الناتو»: «كان أول رجل عسكري يظهر بصورة واقعية أنه يحترم أجندة كرزاي ويتعامل معها، وكانت الإصابات بين صفوف المدنيين القضية الأكبر». وأضاف «وكأن كرزاي قال هذا جندي يمكنني التعامل معه».

وقال كروكر، السفير الأميركي السابق في بغداد، إنه نادرا ما كان يختلف مع بترايوس بشأن السياسة أو الأسلوب الذي يجب اتباعه، وكانا يدرسان علاقتهما مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. ودائما ما كان الاثنان يجتمعان مع المالكي معا. وعندما كان أحدهما يجتمع معه بمفرده، كان يطلع الآخر على ما دار خلال الاجتماع.

ويقول كروكر عن ماكريستال وإيكنبري «عليهما حل أي خلافات بينهما أو أخذها إلى واشنطن لأن المخاطر داخل أفغانستان كبيرة ولا تسمح بوجود جهود غير موحدة».

* خدمة «واشنطن بوست»