البقاع اللبناني يجتاز صراعات الانتخابات البلدية ويحبس الأنفاس منتظرا نتائجها

زحلة خاضت معركتها القاسية بسلاح الاتهامات بشراء الأصوات.. وتدخّل الأجهزة من الداخل والخارج

TT

لم تخالف الانتخابات البلدية والاختيارية التي شهدتها محافظة البقاع اللبناني أمس التوقعات التي سبقت انطلاقة العملية الانتخابية، حيث مر الاستحقاق هادئا نسبيا في البقاع الشمالي، وكان بعيدا عن التنافس الفعلي كترجمة واقعية للتفاهم الذي أُبرم بين حزب الله وحركة «أمل»، لا سيما في مدينة بعلبك وبلدات هذا القضاء ذات الكثافة الشيعية، في وقت اختلف المشهد جذريا في البقاع الأوسط والغربي، خصوصا مدينة زحلة، التي كانت ساحة لمعركة انتخابية قاسية جدا بين ثلاث لوائح مكتملة، كل منها مدعومة من فريق سياسي له قوّة تأثير شعبية لا يمكن تجاهلها في «عروس البقاع»، فضلا عن معارك أخرى خاضتها بلدات أخرى مثل بر إلياس وتعنايل وجب جنين وصغبين وراشيا، التي كانت صورة مصغّرة عن «أم المعارك» في زحلة بسبب الصراع السياسي الحاد في معظمها بين فريقي 8 و14 آذار، والتنافس العائلي في أحيان أخرى.

ورغم صعوبة توقّع النتائج سلفا للسباق الانتخابي في البقاع، وإن كان ثمة ترجيح أن تتقدم اللوائح المدعومة من 14 آذار بلدات البقاعي الأوسط والغربي خصوصا في البلدات التي يطغى عليها الناخبون السنّة المؤيدين في غالبيتهم لتيار «المستقبل»، فإن المشهد في زحلة ازداد أمس غموضا، باعتبار أن كل القوى والأحزاب والتيارات السياسية المنقسمة بين 8 و14 آذار استنهضت قواعدها ومؤيديها ومحازبيها لهذه المنازلة الصعبة، ودفعت بهم إلى مراكز الاقتراع في محاولة للفوز بالمجلس البلدي الجديد لمدينة زحلة، وتكريس مرجعيتها السياسية فيها، وهذا ما تجلّى من خلال الوجود الكثيف منذ ساعات الصباح الأولى، وحتى ما قبل فتح الصناديق عند الساعة السابعة لعناصر الماكينات الانتخابية للوائح الثلاث، الأولى برئاسة المهندس أسعد زغيب، مدعومة من العائلات الزحلية، وكتلة «نواب زحلة» وقوى الرابع عشر من آذار، أما اللائحتان الثانية والثالثة فلهما نفس التوجه السياسي، إحداهما مدعومة من الوزير السابق إلياس سكاف برئاسة صهره جوزف دياب المعلوف، والثانية هي لائحة نعيم المعلوف، التي تحظى أيضا بتأييد قوى سياسية منضوية في فريق 8 آذار، لكن ثمة ترجيح أنها جيّرت أصوات ناخبيها إلى لائحة سكاف، في حين أن النائب ميشال عون الذي أراد خوض المعركة بطريقة أخرى، وكان يريدها «استفتاء» على شرعية وجود تياره في زحلة عبر المرشح طوني بو يونس، بعدما رفض سكاف التحالف معه في لائحة واحدة، عاد تياره وأعلن أن ناخبيه سيصوتون للائحة الوزير سكاف.

وفي وقت بدا إقبال الناخبين على الصناديق في الساعات الأولى أقل من المتوقع زاد هذا الإقبال قبل الظهر بنسبة مقبولة ثم شهد ازدحاما وكثافة كبيرة عند الظهر وبعده، تجاوزت 40 في المائة قبيل إقفال الصناديق، الأمر الذي رفع منسوب التشنج بين أطراف هذه المعركة، وذلك على خلفية اتهامات متبادلة بدفع رشاوى مالية لناخبين لكسب أصواتهم، وتوزيع أوراق ملغومة (تضم مرشحين من لائحة منافسة)، وممارسة نفوذ عبر تدخّل الأجهزة لصالح هذه اللائحة أو تلك، فضلا عن بعض الاحتكاك والإشكالات في عدد من المراكز بين مناصري اللوائح المتنافسة، وأبرزها الإشكال الذي وقع في حي البربارة بين رئيس لائحة «رؤية وإنماء» أسعد زغيب، وأحد مندوبي لائحة «القرار الزحلي»، والتلاسن بين مرافقي عضو «كتلة نواب زحلة» النائب شانت جانجيان والقوى الأمنية أمام مدرسة «حوش الأمراء» الرسمية عندما أصرّ مرافقو جانجيان على الدخول معه إلى قلم الاقتراع، مما حدا بالقوى الأمنية إلى إخراجهم خارج قلم الاقتراع حيث وقعت بعض الفوضى، وسبق ذلك مشادة بين النائب جوزيف المعلوف ومناصري المختار هاني شموني بسبب وجود مكتب انتخابي للمختار المرشح قرب مركز الاقتراع. وأفاد النائب المذكور أن المختار ومناصريه تهجموا عليه وضربوا سيارته بأيديهم قبل أن يتدخل الأمن.

غير أن كل هذه الإشكالات التي شهدتها زحلة وغيرها من مناطق البقاع سرعان ما حُلّت بعد تدخل القوى الأمنية، وبقيت في حدودها الطبيعية، ولم تصل حدّ التأثير على مجريات العملية الانتخابية، التي أمّن سلامتها الانتشار الكثيف والناجح للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي في محيط المراكز الانتخابية وعلى أبوابها، وعزّز من ضبط الوضع الأمني، ومكّن الناخبين من ممارسة حقهم في الاقتراع دون خوف أو تردد.

وإثر إدلائه بصوته، أكد الوزير السابق إلياس سكاف أن «مدينة زحلة ليست لديها مشكلة مع الأحزاب، لكن يهمها أن تكون مستقلة»، مشددا على أنه «ليس تحت الطاولة اتفاق مع أحد من الأحزاب أو التيارات السياسية، وكل الأمور ظاهرة».

وردا على سؤال حول تدخل ناخبين مجنّسين من خلف الحدود (سورية) للتصويت لصالح لائحته، قال سكاف: «في الانتخابات النيابية اتهمنا الفريق الآخر بأمور كثيرة ونجحت معهم الأمور، مثل اتهامنا بالانتماء إلى ولاية الفقيه، وإلى الشادور، ولكن هذه المرة لا أعتقد أنهم سينجحون في ذلك، ومساء اليوم (أمس) كل الأمور ستُعرف»، لافتا إلى أن «آل سكاف لم يخسروا الانتخابات البلدية في زحلة منذ 88 سنة، ولن يخسروا اليوم». أما النائب السابق سليم عون فأعلن أن «أكثر من 70% من أصوات (التيار الوطني الحر) ذهبت إلى اللائحة المدعومة من قبل الوزير سكاف، مع أنه ليس هناك قرار رسمي من قبل التيار الذي ترك حرية القرار لناخبيه».

بدوره، قال النائب نقولا فتوش (الخارج من كتلة نواب زحلة) الذي اقترع أمام الإعلاميين بورقة بيضاء، إن «قرار زحلة في يد أهلها، وسيبقى»، متمنيا أن «تكون زحلة هي المنتصرة في معركة الإنماء».

واعتبر التنافس بين ثلاث لوائح «دليل عافية»، مشددا على أن «الناخبين يجسدون قناعاتهم في صناديق الاقتراع، ونأمل أن تكون النتائج لمصلحة زحلة»، واصفا الاستفتاء الذي طالب به النائب ميشال عون بأنه «طرح ديمقراطي، وننتظر ماذا سيكون رد الزحلاويين».

وردا على سؤال عمّا تردد بأنه أوعز إلى مناصريه للتصويت على لائحة سكاف، قال: «أنا رجل يؤمن بالديمقراطية، وأحترم حقوق الآخرين، وأنا لا أوعز إلى أهلي، فهم يعرفون مصلحة البلد ويعرفون من ينتخبون، وأرى في كل اللوائح الطاقات المميزة التي من الممكن أن تكون في خدمة المدينة، لذا قلت إنني سأكون على مسافة من جميع الأطراف، المهم أن تنتصر زحلة بوحدتها».

ولفت النائب شانت جنجنيان في تصريح له إلى أن «في تشكيل اللوائح المنافسة تدخلا خارجيا، لكن زحلة لم تكن يوما ملكا لأحد، وقرارها في يد عائلاتها وأحزابها، ولا يمكن لأحد أن يلغي الآخر»، مؤكدا أن «عنصر المال يطغى في هذه المعركة، لكن الزحليين لن يتأثروا ولن يبيعوا مدينتهم».

أما خارج زحلة فقد شكّلت بلدة بر إلياس عنوانا آخر لمعركة عائلية - سياسية في القضاء، بين لائحة «بر إلياس أولا» المدعومة من «تيار المستقبل»، ولائحة «قرار أبناء بر إلياس» برئاسة رئيس البلدية الحالي مواس عراجي، المدعومة من أحزاب قوى الثامن من آذار، فكان التنافس على أشدّه، وكذلك الحال في بلدة قب إلياس التي تنافست فيها لائحة برئاسة فياض حيدر مدعوما من «المستقبل» و«القوات اللبنانية» وعشائر العرب، مع لائحة رئيس البلدية الحالي نديم الدغيدي تحت اسم «قرار قب إلياس» مدعوما من قوى 8 آذار، وسجّل إقبالا كثيفا وسط إجراءات أمنية مشددة.