واشنطن تفرش السجاد الأحمر لكرزاي لفتح صفحة جديدة معه

إقرار أميركي بأن الرئيس الأفغاني الحالي أفضل الشركاء لاستقرار البلاد

الرئيس الأفغاني حميد كرزاي يصافح رئيس الوزراء الأستوني أندروس انسيب قبل مغادرته العاصمة كابل أمس (أ.ف.ب)
TT

يتمتع الرئيس الأفغاني حميد كرزاي باهتمام كبير من الإدارة الأميركية خلال زيارته إلى واشنطن التي بدأت أمس، والتي تعتبر محطة مهمة في تحديد العلاقات الأميركية - الأفغانية في المرحلة المقبلة. فبعد أن كانت زيارة الرئيس الأميركي أوباما إلى كابل في مارس (آذار) الماضي متوترة، وتضمنت توبيخا أميركيا علنيا لكرزاي، مما أدى إلى شرخ علني بين الطرفين، تغيرت اللهجة الأميركية الرسمية في ما يخص كرزاي. وقد حدث تغير في أسلوب الإدارة الأميركية خلال الأسابيع الماضية وبعد سلسلة اجتماعات استضافها أوباما في البيت الأبيض لكبار مسؤوليه لمناقشة الأوضاع في أفغانستان، في إقرار بأن الرئيس الأفغاني الحالي أفضل الشركاء المتاحين لاستقرار أفغانستان نسبيا وتحقيق هدف أوباما المعلن ببداية سحب القوات الأميركية تدريجيا من أفغانستان ابتداء من يوليو (تموز) المقبل.

وزيارة كرزاي إلى واشنطن هي الأولى منذ استضافة أوباما قمة له وللرئيس الباكستاني آصف علي زرداري في مايو (أيار) العام الماضي، تشمل لقاءات رسمية مع كبار المسؤولين الأميركيين. وأبرز تلك اللقاءات سيكون اجتماعا مرتقبا غدا لكرزاي مع الرئيس الأميركي من المتوقع أن يستمر 3 ساعات، وهي حالة نادرة في البيت الأبيض، إذ عادة لا تستمر اللقاءات أكثر من ساعة. ولكن أوباما سيجري محادثات مع كرزاي بالإضافة إلى استضافته في غداء عمل. قال نائب الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي بين رودز إن أوباما يريد أن يبادل «الضيافة الكريمة» التي قدمها كرزاي له خلال زيارة أوباما لكابل.

وبعد أن استقبل الممثل الأميركي الخاص لأفغانستان وباكستان ريتشارد هولبروك كرزاي، كان اللقاء الرسمي الأول للرئيس الأميركي عشاء رسميا عقدته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون مساء أمس على شرف كرزاي في «بلير هاوس» المخصص للقادة المقربين من أوباما والرفيعي المستوى. وحضر هولبروك ومدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو اي ايد) حفل العشاء، بالإضافة إلى الوفد الأفغاني الكبير الذي قال أحد المصادر الأميركية إنه «شبيه بمجيء الحكومة الأفغانية كلها إلى واشنطن».

وتبدو اللقاءات المغلقة على مائدة الطعام في أهمية لقاءات كرزاي الرسمية خلال الأيام المقبلة، إذ يعقد نائب الرئيس الأميركي جو بايدن عشاء على شرف كرزاي اليوم، بينما يستضيفه أوباما على الغداء غدا، ومن النادر أن يحصل رئيس دولة على 3 دعوات غداء وعشاء بتمثيل رفيع المستوى في واشنطن. كما ستشارك وزيرة الخارجية الأميركية مع كرزاي بحوار مفتوح مع الإعلاميين وممثلين عن المعاهد الفكرية يوم الخميس المقبل لإظهار استراتيجية موحدة لمعالجة التحديات في أفغانستان.

وقالت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إن كرزاي سيستقبل بـ«كرامة كبيرة وصداقة كبيرة وصراحة كبيرة». وجاءت تصريحات بيلوسي في أثناء زيارتها لأفغانستان خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي للتعرف على آخر التطورات في البلاد مباشرة، وقبل أن يواجه كرزاي أسئلة من أعضاء الكونغرس في واشنطن يوم الخميس المقبل.

وتحرص الإدارة الأميركية على إنجاح زيارة كرزاي وإظهار حكومته على أنها قادرة على استقرار أفغانستان مع مواجهة أوباما انتقادات داخلية متزايدة حول الحرب في أفغانستان. وقد أظهر استطلاع للرأي لصحيفة «واشنطن بوست» وقناة «إيه بي سي نيوز» إن 52 في المائة من الأميركيين غير راضين عن معالجة الإدارة الأميركية للحرب في أفغانستان. ومع ازدياد أعداد القتلى بين صفوف الجنود الأميركيين، بمعدل جندي يوميا، تزداد الضغوط على أوباما لتغيير مسار الحرب وإظهار تغلب القوات الأميركية والأجنبية والأفغانية على التمرد الذي تقوده طالبان.

وأفاد مسؤول في الإدارة الأميركية أن أوباما قد أعطى تعليمات لفريقه بعدم «التلهي» بسجالات علنية مع الرئيس الأفغاني، بل التركيز على الأهداف المشتركة بين البلدين. ويعتبر الطرفان المحادثات فرصة لتجاوز الجدال العلني بين واشنطن وكابل، إلا أن رودز والمسؤول عن ملف أفغانستان وباكستان في مجلس الأمن القومي الأميركي الجنرال دوغ لوت أكدا أن الإدارة الأميركية ستبحث القضايا الشائكة مع كرزاي، مثل موضوع الفساد. وحرص رودز على الثناء على بعض جهود كرزاي لمعالجة ملف الفساد خلال حديث مع عدد من الصحافيين في واشنطن، قائلا: «لقد رأينا بعض الخطوات الإيجابية على المستويين الوطني والمحلي، وأينما كانت تلك الخطوات الإيجابية، نريد أن ندعمها»، مضيفا: «حيث نرى أن هناك خطوات إضافية يجب أن تتخذ سنعمل بشراكة (مع الأفغان) لمعالجتها، هناك الحاجة إلى القيام بالمزيد من العمل في بعض المجالات، وهذا رأي نعتقد أن الأفغان يشاركوننا فيه». وقال لوت: «إنه اتخذ بعض الخطوات الملموسة، وسنكون مهتمين بالسماع عن خطوات إضافية ينويها، وكيف يمكن لنا أن ندعم هذه الخطوات كشركائه». وهذه التصريحات تظهر مدى تغيير أسلوب الإدارة الأميركية في التعامل مع كرزاي، الذي انتقد الولايات المتحدة بشدة مباشرة بعد زيارة أوباما التي شهدت توبيخا أميركيا علنيا لحكومة كرزاي، خصوصا في ما يخص الفساد. وكانت الانتقادات اللاذعة للحكومة الأفغانية أحرجت كرزاي مما دفعه إلى الإدلاء بتصريحات مثل أنه قد يتفهم من ينضم إلى طالبان وقد يلجأ إلى صفوفهم.

ويحرص كبار المسؤولين الأميركيين على معاملة كرزاي بمزيد من الاحترام العلني، بعد أن أدلى الرئيس الأفغاني بتصريحات حادة ردا على انتقادات وجهها إليه مسؤولون كبار في وسائل الإعلام. وقال مسؤول في الإدارة رفض الكشف عن اسمه لوكالة الصحافة الفرنسية إن أوباما «لم يطلب منا العودة عن تصريحاتنا». وتابع أن الرئيس «قال لحكومته إننا بحاجة للتركيز على علاقة عمل قائمة على التعاون مع شركائنا الأفغان وأن نبقى مركزين على هذا الجهد بدل الاسترسال في الكلام». وأضاف: «كل شراكة تشهد صعودا وهبوطا، ولكن الأساسي هو أن نركز على الهدف المشترك»، وهو النصر على طالبان.

وسيكون اللقاء بين أوباما وكرزاي الأول منذ التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأفغاني واتهم بها الغربيين بالوقوف وراء تزوير الانتخابات الرئاسية التي جرت في 20 أغسطس (آب) الماضي وأعيد انتخابه فيها.

وبينما تحتضن الإدارة الأميركية كرزاي، ستشدد كذلك على إجراء التزامات مع أغلبية عناصر حكومته، فبرنامج زيارة الرئيس الأفغاني برمته يبدو مصمما ليبرز أن علاقات واشنطن مع أفغانستان لا تحدد بالعلاقة المتوترة مع كرزاي وحده. ويرافق كرزاي عدد كبير من الوزراء يجرون لقاءات مع نظرائهم الأميركيين وأعضاء في الكونغرس، ضمن جهود الولايات المتحدة بعدم ربط سياستها في البلاد بشخص كرزاي وحده.

ومن المرتقب أن تشمل المحادثات الأفغانية - الأميركية دراسة للتطورات في البلاد والاستعداد لـ«لويا جرغا» أفغانية لبحث إمكانية المصالحة الداخلية في كابل نهاية الشهر الجاري، بالإضافة إلى أهمية إنجاح مؤتمر دولي كبير يعقد في كابل للمرة الأولى في يوليو (تموز) المقبل.