قيادات سياسية عراقية: اتفاق الحكيم والمالكي تم بضغوط إقليمية لإبقاء الشيعة في السلطة

وصفوه في أحاديث لـ «الشرق الأوسط» بأنه «مجرد خطوبة لم ترق إلى عقد قران»

TT

وصف أكثر من مصدر سياسي عراقي التحالف بين ائتلافي دولة القانون بزعامة نوري المالكي، رئيس الحكومة العراقية المنتهية ولايتها، والائتلاف الوطني العراقي بزعامة عمار الحكيم، رئيس المجلس الأعلى الإسلامي بأنه «مجرد خطوبة في أيامها الأولى» ولم يرتقِ إلى «عقد قران»، وذلك «اعتمادا على الخلافات القائمة أصلا بين مكونات في كلا الائتلافين بعضها مع بعض».

وكان أول من كشف عن عدم قوة هذا التحالف هو بهاء الأعرجي، القيادي في التيار الصدري عندما قال لـ«الشرق الأوسط» بأن «ما تم الإعلان عنه هو مجرد اتفاق أولي بين الائتلافين»، مشيرا إلى «وجود مفاجآت سياسية قد تغير في خارطة التحالفات».

وقد يكون التيار الصدري، الذي يعد أقوى مكونات الائتلاف الوطني العراقي لحصوله على 40 مقعدا في البرلمان القادم، هو أول الحواجز الخراسانية التي ستعترض مسيرة أو طموحات المالكي وحزبه (الدعوة) في البقاء بمنصبه رئيسا للوزراء، وهذا ما أكده الأعرجي علانية عندما قال «من الصعب على المالكي أن يمر من خلال المرشحات (الفلاتر) التي وضعت كمعايير لاختيار رئيس الوزراء القادم».

وقد يكون الحاجز الخراساني الذي سيضعه التيار الصدري بوجه المالكي وحزب الدعوة أقوى من ذلك السور الخراساني الذي حاصر فيه المالكي مدينة الصدر وحاصر أهلها في حدوده.

تصريحات الأعرجي كانت قد سبقتها تصريحات مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، عندما وصف حكومة المالكي بالكذب والفشل، كاشفا عن المساومة التي بادر إليها رئيس الحكومة العراقية لإطلاق سراح المعتقلين من التيار الصدري مقابل موافقة التيار على بقاء المالكي رئيسا للوزراء، ومعلنا (الصدر) عن رفضه لهذه المساومات، على حد تصريحاته الإعلامية.

سياسيون ومراقبون عراقيون يرون أن هذا التحالف ولد لينتهي لوجود نقاط خلاف بين المتحالفين أكثر منها نقاط التقاء، فالعداء بين التيار الصدري والمالكي وحزبه (الدعوة) لن تمحيه عمليات «تبويس اللحى» والوعود «بإطلاق سراح معتقلين هم أبرياء أصلا وغير محكوم عليهم من قبل القضاء العراقي»، حسب تأكيد زعيم التيار الصدري ذاته. يضاف إلى هذا العمليات العسكرية التي قاد خلالها المالكي بنفسه الجيش العراقي، جيش الدولة، باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، ضد عناصر التيار الصدري في مدينة الصدر والبصرة والكوت والديوانية، ومناطق أخرى من العراق، يضاف إلى هذا عمليات المداهمة اليومية لبيوت عناصر وأنصار التيار.

وجاءت خطوة رئيس الوزراء المنتهية ولايته بالتلويح بمذكرة اعتقال صادرة بحق الصدر عام 2003 على خلفية مقتل رجل الدين الشيعي عبد المجيد الخوئي في النجف في أبريل (نيسان) 2003، من أجل منعه (الصدر) من العودة إلى العراق قبيل الانتخابات التي جرت في السابع من مارس (آذار) لتعزز مشاعر العداء المتبادل بين المالكي والتيار الصدري وزعيمه.

وحسب مقرب من القائمة العراقية التي يتزعمها الدكتور إياد علاوي، الرئيس الأسبق للحكومة العراقية، فإن «المالكي يفضل التحالف مع العراقية بشرط عدم إشراك التيار الصدري في هذا التحالف والعمل على حرمانهم من مناصب وزارية، أو مناصب سيادية في أبعد الأحوال»، وقال المصدر الذي رفض نشر اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، إن «القائمة العراقية لم ولن توافق على مثل هذا الشرط للدور الوطني الذي يلعبه التيار الصدري أولا، ولحجمه في السياسي في الشارع العراقي ثانيا، ولأن أنصار هذا التيار عانوا من الاعتقالات والاضطهاد، ثالثا».

إن التيار الصدري يعتقد بأن «المالكي وحزب الدعوة استغلا نفوذ السلطة وثرواتها لتقوية نفوذ الحزب»، هذا ما أكده الأعرجي الذي قال «شروطنا بأن لا يبقى المالكي في منصبه كما لن نوافق على أي مرشح من حزب الدعوة لرئاسة الوزراء والحد من سيطرة الحزب (الدعوة) على الوزارات العراقية حيث إن جميع وكلاء الوزارات من حزب الدعوة».

التحالف الذي يؤكد أكثر من سياسي عراقي أنه نتاج ضغوط إيرانية، أعاد إلى العراقيين صورة الائتلاف العراقي الشيعي الذي خاض الانتخابات عام 2005 مدعوما من مرجعية السيد علي السيستاني، وأنه (التحالف) قام من أجل بقاء الشيعة في السلطة، مثلما يرى المفكر السياسي العراقي حسن العلوي، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «هذا التحالف جاء نتيجة رغبات وإرادات خارجية تنطلق من نقطة واحدة، وهي أن الجبهة الشيعية يجب أن تبقى متماسكة وأن تكون لها قاعدة برلمانية واسعة».

ويؤكد هذا التوجه أسامة النجيفي، القيادي في القائمة العراقية التي يتزعمها الدكتور إياد علاوي، الذي يرى أن «هناك قيادات شيعية عراقية وخارجية، في إيران ولبنان، عملت على تحقيق التحالف الطائفي بين الائتلاف الوطني ودولة القانون والعمل من أجل استمرار الوضع على ما هو عليه»، مشيرا إلى أن «أي تخندق طائفي من قبل جهة سوف يقابله تخندق طائفي من الجهة الأخرى».

لكن حميد معلة، القيادي في الائتلاف الوطني، يتحفظ على وصف «هذا التحالف بالطائفي»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هذا الوصف يعبر عن هواجس الواصف نفسه»، منوها بأن «الدعوة من قبل عمار الحكيم لعودة حزب الدعوة إلى الائتلاف كانت قديمة وقبل الانتخابات لكنهم (حزب الدعوة) لم يستجيبوا لنا وأصروا على خوض الانتخابات منفردين ثم أعلمونا عن وجود إمكانية التحالف بعد الانتخابات».

ويرى معلة أن «نقاط الالتقاء ووجود مشتركات بين الائتلافين، الائتلاف الوطني ودولة القانون، أكثر من النقاط الخلافية وأن النقطة الجوهرية التي لم تطرح للنقاش هي اختيار رئيس الوزراء».

ويبدو أن المالكي قد اضطر سواء بسبب الضغوط الإيرانية، أو لعدم وجود أي اختلاف في نتائج الانتخابات بعد بدء إعادة العد والفرز اليدوي للأصوات حسب طلب رئيس الوزراء المنتهية ولايته، إلى إعلان التحالف بهذه السرعة، وهذا ما يؤكده معلة، إذ يقول «لقد فوجئنا بسرعة استجابة دولة القانون على الكثير من الأمور التي كنا نعتقد بأنها ستأخذ وقتا طويلا»، منوها بأنه «صار هناك تفاهم سريع، وكانوا (دولة القانون) قد هيأوا أجهزة الإعلام للإعلان عن هذا التحالف».

وعلى الرغم من أن المالكي أراد هذا التحالف ليكون مصدر قوة له في مفاوضاته مع القائمة العراقية التي فازت بـ91 مقعدا في الانتخابات التشريعية، فإنه يعد في منطق الربح والخسارة، الخاسر الأكبر وكذلك حزبه، فالائتلاف الوطني وفي ضمنه التيار الصدري لن يوافق على ترشيحه (المالكي) وأي من أعضاء حزب الدعوة لرئاسة الوزراء.

ويرى النجيفي أن أقوى المرشحين عن الائتلاف الوطني لرئاسة الوزراء هو إبراهيم الجعفري «المرشح عن التيار الصدري، وقد يجد هذا الترشيح تزكية من قياديين في حزب المالكي ذاته كون الجعفري كان أحد القادة التاريخيين لحزب الدعوة».

ويؤكد مصدر سياسي عراقي مقرب من الائتلاف الوطني أن «الجعفري والدكتور عادل عبد المهدي أقوى مرشحين عن الائتلاف لرئاسة الحكومة»، ويشير المصدر الذي فضل عدم نشر اسمه إلى أنه «في حالة اختيار الجعفري فإن رئيس الوزراء الجديد لن يسامح مساعده الحزبي السابق على غدره به وأخذ منصبه كرئيس للوزراء عام 2005، ومن ثم سيطرته على قيادة حزب الدعوة، أما في حالة فوز عبد المهدي برئاسة الحكومة فإن هذا الأخير لن يغفر للمالكي سيطرته على منصب رئيس الوزراء الذي كان عبد المهدي قاب قوسين أو أدنى منه، لكنه ضحى بالمنصب من أجل وحدة الائتلاف التي مزقتها خطوة المالكي فيما بعد بانفصاله عن الائتلاف الذي أوصله إلى السلطة».