الأسد: ننتظر تحركا جديا للراعي الأميركي ومستعدون لحلول وسط باستثناء الأرض

ميديفديف: الوضع يزداد سوءا.. والإدارة الأميركية لا تعمل ما يكفي لدفع الأمور إلى الأمام

الرئيسان السوري بشار الأسد والروسي ميدفيديف خلال توقيع اتفاقات مشتركة بين البلدين في دمشق أمس (أ.ف.ب)
TT

قال الرئيس السوري بشار الأسد إن سورية لا تزال بانتظار أن يتحرك الراعي الأميركي «بشكل جدي وفعلي باتجاه عملية السلام»، ورأى في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الروسي ديمتري ميدفيديف يوم أمس في دمشق أن ما يمكن لروسيا أن تفعله على صعيد دفع العملية السلمية هو البحث عن «الشريك الذي لا نراه الآن من الجانب الإسرائيلي من خلال إقناعه بأهمية السلام له وللمنطقة، وأيضا الحوار مع الراعي الأميركي من أجل تشجيعه على التحرك بسرعة لدفع عملية السلام إلى الأمام»، وذلك بعد أن قال الأسد إنه ليس بالضرورة أن يتم تحقيق ذلك. وأضاف الأسد: «عندما نصل إلى هذه المرحلة هناك تفاصيل ومبادئ وآليات يمكن أن يناقشها الطرف الروسي مع الأطراف المعنية من أجل ضمان منهجية واستمرارية، وبالتالي نجاح عملية السلام» من جانبه، قال الرئيس الروسي إن «الإدارة الأميركية لا تعمل ما يكفي حاليا لدفع السلام إلى الأمام»، داعيا إلى الاستفادة من جميع الوسائل المتوافرة للتوصل إلى النتائج المرجوة وأنه لا يمكن الجلوس «مكتوفي الأيدي»، محذرا من «أن الأوضاع القائمة تزداد توترا وسوءا». المؤتمر الصحافي جاء عقب محادثات جرت بيت الرئيس السوري ونظيره الروسي صباح أمس الثلاثاء في دمشق، كانت استكمالا لجلسة محادثات عقدت فور وصول الرئيس الروسي إلى دمشق مساء أول من أمس الاثنين، وقال الرئيس الأسد: «كلا البلدين مهتم تقليديا بتحقيق السلام في الشرق الأوسط، وروسيا راع من الرعاة الأساسيين لعملية السلام، التي انطلقت في مدريد وهذه العملية الآن متوقفة، ولكن في فترة التوقف من الممكن للبعض أن يقوم بإجراءات تعزز فرص السلام أو بالعكس قد يقوم بإجراءات ربما تنسف كليا عملية السلام». وأضاف الأسد موضحا: «ونحن نعتبر أن طرد الفلسطينيين من القدس والمساس أو الاعتداء على الأماكن المقدسة وحصار الفلسطينيين في غزة من الخطوات والإجراءات التي قد تؤدي إلى نسف عملية السلام بشكل كلي». وردا على سؤال حول تصور سورية لآفاق التسوية في الشرق الأوسط ورؤيتها للدور الذي يمكن أن تقوم به روسيا، وهل سورية تقبل بالحلول الوسط في العملية السلمية، قال الرئيس الأسد: «روسيا أحد الرعاة الأساسيين لعملية السلام التي انطلقت في مؤتمر مدريد، ومرجعية مدريد ما زالت هي المرجعية الصالحة حتى اليوم لعملية السلام، وهذا لا يتعارض مع المرجعيات الأخرى الموجودة في المبادرة العربية». وأكد الأسد أن «كل المرجعيات التي نتحدث عنها تعود بالأساس أو بجذورها لقرارات مجلس الأمن»، وأضاف: «روسيا عضو دائم في مجلس الأمن، ومن أولى مسؤولياتها أن تحرص وتعمل من أجل تطبيق قرارات مجلس الأمن، وخاصة أن عملية السلام ترتكز على هذه القرارات». وتابع الأسد أن « روسيا دولة كبرى ولديها مكانة دولية، ويجب أن تستخدم هذا الوزن وهذه المكانة من أجل لعب دور في عملية السلام». ورأى الأسد أن الدور الروسي «يرتبط بوجود الراعي وبوجود الأطراف وبوجود المرجعية لعملية السلام»، وقال: «المرجعية واضحة والتي هي قرارات مجلس الأمن. أما بالنسبة إلى الأطراف، فهناك طرف عربي مستعد وعبر عن ذلك من خلال المبادرة العربية للسلام عام 2002، والطرف الإسرائيلي كلنا يعرف ومعظم دول العالم المهتمة بالسلام تعرف أنه غير مستعد.. أما الراعي الأميركي فما زلنا بانتظار أن يتحرك بشكل جدي وفعلي باتجاه عملية السلام». وتابع الأسد أن «ما يمكن لروسيا أن تفعله.. وطبعا ليس بالضرورة أن يتم تحقيقه هو البحث عن هذا الشريك الذي لا نراه الآن من الجانب الإسرائيلي من خلال إقناعه بأهمية السلام له وللمنطقة، وأيضا الحوار مع الراعي الأميركي من أجل تشجيعه على التحرك بسرعة لدفع عملية السلام إلى الأمام، وعندما نصل إلى هذه المرحلة، عندها، هناك تفاصيل ومبادئ، وهناك آليات يمكن أن يناقشها الطرف الروسي مع الأطراف المعنية من أجل ضمان منهجية واستمرارية وبالتالي نجاح عملية السلام». وعن موقف سورية من الاستعداد للقبول بالحلول الوسط، قال الأسد إن الحلول الوسط ممكنة في كل شيء ماعدا الحقوق «الأرض يجب أن تعود كاملة وأي شيء آخر كالعلاقات والترتيبات الأمنية والتفاصيل الأخرى كلها فيها حلول وسط».

وعن محادثاته مع الرئيس الروسي، قال الأسد إنه تم البحث في موضوع السلام وأيضا «تم التطرق للموضوع النووي الإيراني ووجهة نظرنا بأحقية كل الدول بامتلاك الطاقة النووية السلمية، وبضرورة إخلاء الشرق الأوسط من كل أسلحة الدمار الشامل، وأكدنا ضرورة استمرار الحوار بين إيران ومجموعة الدول الست، لأن العقوبات لا تجدي نفعا، فهي تعقد الحل بدلا من أن تسهله». وعبر الأسد عن اعتقاد سورية «أن السلام والاستقرار هو الطريق الصحيح لمكافحة الإرهاب» وقال: «نحن ندين كل العمليات الإرهابية التي حصلت ضد الشعب الروسي مؤخرا، فهو شعب صديق يسعى إلى السلام، ونحن نقف معه في مواجهة أي عمل من شأنه أن يمس بسلامته وبمصالحه». ووصف الأسد زيارة ميدفيديف إلى دمشق كأول زيارة لرئيس روسيا الاتحادية بأنها «تاريخية واستثنائية». وأضاف الرئيس الأسد أنه «جرى الحديث عن التعاون في مجال النفط والغاز، سواء التنقيب أو النقل أو إنشاء المصافي، بالإضافة إلى إنشاء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية، سواء المحطات التقليدية أو محطات الطاقة النووية وتحدثنا عن التعاون في مجال بناء السدود والبنية التحتية وبالري، بالإضافة إلى موضوع النقل، وخاصة النقل الجوي، وإمكانية دراسة إنشاء مجلس تعاون استراتيجي بين البلدين ستقوم وزارتا الخارجية بدراسته من أجل طرح المقترحات على الحكومتين والقيادتين». من جهته، قال الرئيس ميدفيديف إن المباحثات كانت «جيدة للغاية» وقد تم الاتفاق على إنشاء مجلس للتعاون الاستراتيجي وعلى تعزيز المشاورات السياسية من خلال وزارتي الخارجية الروسية والسورية، وقال: «ما كان بمقدورنا أن نتفادى مناقشة الأوضاع القائمة في العالم حاليا» وأشار الرئيس ميدفيديف إلى أن المباحثات الثنائية تناولت بشكل خاص ومفصل «الأوضاع الإقليمية، وفي مقدمتها موضوع التسوية الشرق أوسطية، وبالأخص بحثنا العراقيل والمصاعب التي تواجه العملية السلمية في الآونة الأخيرة وطرق تجاوز هذه المحنة حتى نتوصل إلى استئناف العملية التفاوضية بين العرب والإسرائيليين». وأضاف أن ذلك تم انطلاقا من أن «التوتر اللاحق في منطقة الشرق الأوسط وخيم وينذر بالانفجار الجديد وحتى بالكارثة». وأكد الرئيس الروسي استعداد بلاده «الاستمرار في بذل قصارى جهدها للمساعدة على استئناف العملية السلمية في منطقة الشرق الأوسط، وذلك على الأساس الدولي المعترف به»، وقال موضحا: «أنا أقصد القرارات ذات العلاقة من الأمم المتحدة قبل كل شيء وقرارات مجلس الأمن وإلى جانبها مبادئ مدريد ومبادرة السلام العربية»، مضيفا: «من المفترض ويجب أن تكون نتيجة لمثل هذه الجهود التسوية الشاملة والعادلة والطويلة الأمد للنزاع العربي - الإسرائيلي وتحرير كل الأراضي العربية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، التي سوف تعيش في سلام وأمن مع كل من دول هذه المنطقة وقبل كل شيء مع إسرائيل». وردا على سؤال حول تصور روسيا لقيامها برعاية عملية السلام من أجل تحريك الجمود الحالي في هذه العملية، قال الرئيس ميدفيديف: «حان الوقت لأن نعمل شيئا ملموسا، إذ كانت الأحداث في الآونة الأخيرة تتطور حسب السيناريو السلبي للغاية، وبالتالي فقد ازداد الوضع القائم سوءا أكثر فأكثر في الآونة الأخيرة». وأضاف: «أنا موافق تماما مع الرئيس الأسد بأن نمتلك الأساس الجيد والمتمثل في القرارات ذات العلاقة التي علينا أن نبذل جهودنا عليها لاستئناف العملية التفاوضية بين الجانبين العربي والإسرائيلي ولإكمال هذه العملية، وبالتالي التوصل إلى الأهداف المرجوة كافة، وأقصد في هذا السياق القرارات ذات العلاقة والصادرة عن مجلس الأمن والأمم المتحدة ومبادئ مدريد، التي لروسيا علاقة مباشرة باتخاذ وتبني مثل هذه المبادئ في مؤتمر مدريد.. وأيضا مبادرة السلام العربية التي تعتبرها روسيا الاتحادية أساسا جيدا جدا لأن نتوصل ونتقدم إلى الأمام». وأضاف: «هناك المبادئ والأسس الجيدة جدا ولكن المشكلة هي كيف سنستمر ونتقدم إلى الأمام»، ورأى الرئيس الروسي أن المشكلة تتلخص في «عدم وجود الإرادة السياسية، وفي هذا السياق الدور الذي يمكن أن تضطلع به روسيا في الاستفادة من الفرص كافة والإمكانيات المتوافرة لدينا للاستمرار في الاتصالات والحوار مع أطراف النزاع العربي - الإسرائيلي كافة ومع الأطراف المعنية كافة». وقال: «وأنا في هذا السياق موافق على أن الإدارة الأميركية لا تعمل ما يكفي حاليا لدفع هذه الأمور إلى الأمام». ودعا الرئيس الروسي إلى «الاستفادة من الوسائل المتوافرة كافة بمعنى «الدبلوماسية المكوكية مثلا أو المباحثات والمفاوضات غير المباشرة لتحويلها في المستقبل إلى الحوار المباشر، وبالتالي للتوصل إلى النتائج المرجوة». وختم ميدفيديف رده بالتأكيد بأنه «على كل حال لا يمكننا أن نجلس مكتوفي الأيدي»، مكررا تحذيره من «أن الأوضاع القائمة تزداد توترا وسوءا، الأمر الذي ينعكس بدوره على الأوضاع العامة القائمة في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي فإننا على استعداد لمواصلة الجهود المطلوبة كافة، بما في ذلك في سياق فكرتنا المتمثلة في مؤتمر موسكو الدولي حول الشرق الأوسط، الذي من المفترض كحد أدنى أن تسفر عنه نتائج مرحلية للأعمال والجهود المشتركة التي تبذل حاليا»، معربا عن استعداد بلاده «مواصلة اتصالاتها مع الأطراف العربية وغيرها من الأطراف المباشرة والمعنية، وننطلق من أن أهم شيء أن نتحرك إلى الأمام، لأنه كما قلت سابقا الأوضاع القائمة سلبية للغاية حاليا، وقد تطرقنا مع الرئيس الأسد إلى بعض المواضيع الأكثر تفصيلا».

وقال ميدفيديف إنه أكد «حق أي دولة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية مع ضرورة المراعاة والتمسك بجميع المبادئ المتعلقة بعدم الانتشار النووي»، وأيضا «ضرورة الموقف البناء من قبل القيادة الإيرانية بتجاوز كل المشكلات، التي تترتب على برنامجها النووي حاليا». كما عبر ميدفيديف عن اتفاقه مع وجهة نظر الرئيس السوري بأنه «يجب أن تكون منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية»، وقال: «نحن ننطلق من أن العكس سيكون وخيما، فالكارثة لن تكون إقليمية فحسب، بل عالمية».

وفي بيان مشترك، أعربت سورية وروسيا عن قلقهما العميق إزاء حالة التوتر الخطير في منطقة الشرق الأوسط جراء استمرار الاحتلال الإسرائيلي بالدرجة الأولى. وأدانا السياسة الاستيطانية لإسرائيل وأي أعمال أحادية الطرف المطبقة على الأراضي العربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية. ويدعو الطرفان إلى استئناف عملية السلام لتحقيق السلام العادل والشامل في هذه المنطقة على أساس قرارات الشرعية الدولية بما في ذلك مرجعية مؤتمر مدريد، ومبدأ الأرض مقابل السلام، ومبادرة السلام العربية. كما يدعوان إلى حل المشكلات الأخرى القائمة في منطقة الشرق الأوسط.

وأعلن الطرفان السوري والروسي تنسيق الجهود بغية الإسهام في جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل ووسائل نقلها، وأكدا اعترافهما بحق إيران في تطوير الطاقة النووية للأغراض السلمية، وتمسكهما بالتوصل إلى التسوية السلمية والدبلوماسية للوضع حول برنامج إيران النووي، كما شددا على ضرورة انضمام إسرائيل إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ووضع منشآتها النووية تحت الضمانات شاملة النطاق للوكالة الدولية للطاقة الذرية.