قادة دول مجلس التعاون: أمن الخليج «خط أحمر»

أمين عام المجلس في ختام اجتماعات القادة: الوضع في العراق «متدهور».. والنووي الإيراني لا يزال «هاجسا»

القادة الخليجيون أثناء قمتهم التشاورية في الرياض أمس (أ.ب)
TT

سيطرت الأحداث الأمنية المحيطة بمنطقة الخليج، على اهتمامات قادة دول مجلس التعاون خلال اجتماعهم التشاوري الذي اختتم أمس في العاصمة الرياض، بدعوة من السعودية.

وأكد قادة الدول الخليجية، في ختام اجتماعاتهم، أن أمن الخليج «خط أحمر»، و«كلٌ لا يتجزأ»، بحسب ما جاء على لسان عبد الرحمن العطية أمين عام مجلس التعاون الخليجي في مؤتمر صحافي عقده في أعقاب اختتام القمة التشاورية.

واستقبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في قصر الدرعية بالرياض، أمس، قادة ورؤساء وفود دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية المشاركين في الاجتماع التشاوري الثاني عشر، وهم: الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين، والسيد فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان، والشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر، والشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت، حيث رحب خادم الحرمين الشريفين بالقادة ورؤساء الوفود في المملكة العربية السعودية، متمنيا لاجتماعهم التشاوري الثاني عشر التوفيق والنجاح.

حضر الاستقبال الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام السعودي، والشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية بدولة قطر.

وأكدت القمة الخليجية التشاورية، رفضها واستنكارها للتهديدات الإسرائيلية لكل من سورية ولبنان، وأعرب القادة «عن الأمل بأن تسهم الجهود المبذولة لإحياء المفاوضات على المسار الفلسطيني بما في ذلك المباحثات غير المباشرة مع إسرائيل في بلوغ هدف السلام المنشود».

وتناولت مباحثات قادة دول مجلس التعاون الخليجي الكثير من ملفات المنطقة، بما فيها الملف النووي الإيراني، واستمرار طهران في احتلال الجزر الإماراتية الثلاث.

ووصف أمين عام مجلس التعاون الخليجي الاجتماع بأنه «لقاء استثنائي عقد في ظروف استثنائية تحوط المنطقة والإقليم».

وكان التعاون الأمني حاضرا في مباحثات دول مجلس التعاون، واستعرض القادة تقريرا أمنيا قدمه لهم أمين عام مجلس التعاون الخليجي، الذي أعلن أمس أن وزراء داخلية دول المجلس وافقوا على المقترح الكويتي الخاص بتحديث الاستراتيجية الأمنية المشتركة المبرمة في عام 1994.

وفي سؤال لـ«الشرق الأوسط»، حول ما إذا كانت هناك رؤية خليجية للملف الأمني، وخصوصا بعد التدخل الحوثي في الأراضي السعودية المدعوم من إيران، وتفكيك الكويت لشبكة تجسس إيرانية على أراضيها، قال عبد الرحمن العطية «أؤكد للجميع بأن أمن الخليج كلٌ لا يتجزأ وهو خط أحمر بحسب ما أكد عليه قادة دول مجلس التعاون وأن أي اعتداء على أي دولة خليجية هو أمر مرفوض من بقية دول المجلس».

وامتدح تعامل السعودية في معكرة تطهير أراضيها من المتسللين، وإدارتها المتميزة في مكافحة الإرهاب. وقال إن السعودية هي العكازة التي يستند عليها كافة دول مجلس التعاون.

وأكد العطية، أن قادة دول المجلس، لم يبحثوا في موضوع تفكيك الكويت لشبكة تجسس إيرانية. وقال في تصريحات صحافية «لقد أبلغتنا الكويت بأنها تريد التعامل مع هذا الملف بنفسها».

وتبحث الدول الخليجية، موضوع تشكيل قوة تدخل سريع للحالات الطارئة التي تؤثر على أمن الخليج واستقراره.

وعن موضوع هذه القوة، وآخر ما توصلت إليه، أوضح أمين عام مجلس التعاون الخليجي، بأن أمر تشكيلها يسير وفق البرنامج المعد لها، وهي في مراحلها الأخيرة، موضحا أن هناك زيارة مرتقبة له لمحافظة حفر الباطن، للوقوف على آخر الاستعدادات القائمة لتلك القوة.

وأعرب العطية عن قلق قادة دول مجلس التعاون الخليجي، من الملف النووي الإيراني، موضحا أن هذا الملف لا يزال هاجسا لدول المجلس، وأنه أحد الملفات التي تحوط بالمنطقة، كالوضع في العراق الذي يشهد تدهورا وشدا وجذبا.

وقدم أمين عام مجلس التعاون الخليجي للقادة تقرير متابعة للمسارين الأمني والاقتصادي، تضمن آخر ما تم التوصل إليه من مساع لإزالة العقبات التي تحول دون قيام الاتحاد الجمركي.

وفي هذا الإطار، أكد عبد الرحمن العطية أن هناك اهتماما وحرصا من قادة دول المجلس على إزالة كافة المعوقات التي تعترض سير الاتحاد الجمركي، مفصحا عن حقيقة مفادها أن زوال معوقات قيام الاتحاد الجمركي، تعني زوال كامل المعوقات التي تعترض مسيرة العمل الخليجي المشترك.

وعبر قادة دول المجلس عن بالغ تقديرهم للجهود المخلصة والصادقة التي يبذلها الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت، رئيس الدورة الحالية للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وما يبديه من حرص واهتمام كبيرين لدفع مسيرة التعاون المشترك ونقلها إلى آفاق أرحب وتحقيق المزيد من التقدم والرخاء لشعوب دول المجلس.

وأشاد القادة بنتائج جولة الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت، رئيس الدورة الحالية للمجلس الأعلى، في عدد من الدول الأوروبية، التي تعد حدثا مهما، مثمنين الجهود التي يبذلها، وما تم التوصل إليه من نتائج من شأنها تعزيز العلاقات وترسيخها مع هذه الدول في شتى المجالات.

ورحب القادة بنتائج الزيارة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية، إلى مملكة البحرين، يومي 18 و19 أبريل (نيسان) 2010م، ولقائه بأخيه الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين، منوهين بروح الأخوة والتفاهم والثقة المتبادلة التي سادت أجواء اللقاء. وأشاد قادة دول المجلس بالتوجيه الكريم لخادم الحرمين الشريفين ببناء مدينة طبية تتبع جامعة الخليج العربي بالبحرين، بتكلفة تبلغ مليار ريال سعودي، بما يعود بالنفع على شعوب دول مجلس التعاون، مُعتبرين ذلك خطوة مُباركة من شأنها تعزيز أواصر التعاون بين البلدين الشقيقين، ودعم مسيرة العمل الخليجي المشترك، تحقيقا للأهداف السامية لمجلس التعاون.

وأشاد قادة دول المجلس بالقرار الاستراتيجي الذي اتخذه خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية، بإنشاء مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، لما لذلك من أهمية في تأمين مصادر إضافية ومستقبلية للطاقة بكافة أنواعها والمحافظة على الثروة الناضبة لعقود وأجيال قادمة.

ورحب القادة بتوقيع الاتفاق الإطاري بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة في الدوحة، بتاريخ 23 فبراير (شباط) 2010، وتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار والاتفاق الإطاري، بين حكومة السودان وحركة التحرير والعدالة في الدوحة، بتاريخ 18 مارس (آذار) 2010، لحل النزاع في دارفور، برعاية من الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر، مُعربين عن تقديرهم لما بذله والحكومة القطرية من جهود خيرة أسهمت في التوصل إلى ذلك، ومُشيدين برعايته لجهود اللجنة العربية الأفريقية الدولية المعنية بتسوية أزمة دارفور، معربين عن الشكر والتقدير لمبادرة أمير قطر بالسعي لإنشاء بنك للتنمية في دارفور برأسمال قدره مليارا دولار، يُشارك فيه من يريد من الدول والمنظمات، بهدف إعادة بناء ما دمره النزاع ودفع عملية التنمية الدائمة في دارفور.

وأشاد قادة دول المجلس بجهود الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أمير دولة قطر، لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة وتحقيق السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط، من خلال مشاركته في القمة الثلاثية التي جمعته في اسطنبول بتاريخ 9 مايو (أيار) 2010 بكل من الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان.

وثمن قادة دول المجلس تصديق السلطان قابوس بن سعيد، سلطان عمان، على اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون ودول رابطة التجارة الحرة الأوروبية (الافتا) التي تم التوقيع عليها بين الجانبين بتاريخ 22 يونيو (حزيران) 2009م، معربين عن تقديرهم واعتزازهم للجهود الكبيرة للسلطان قابوس بن سعيد، في دعم مسيرة التعاون المشترك.

وقدم الأمين العام تقريرا موجزا عمّا تم إنجازه في مسيرة التعاون الاقتصادي المشترك منذ عقد الدورة الثلاثين للمجلس الأعلى في دولة الكويت في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وما أصدرته الدول الأعضاء من قرارات تنفيذية لقرارات المجلس الأعلى، وما قامت به اللجان الوزارية بهدف تعزيز ما تحقق في مجالي الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة وزيادة استفادة مواطني دول المجلس منهما، وما اتخذ من خطوات نحو إقامة الاتحاد النقدي لدول المجلس ودخول اتفاقيته حيز النفاذ، وإنشاء المجلس النقدي وانعقاد الاجتماع الأول لمجلس إدارته وما اتخذه من قرارات، وسعيه لتحقيق ما أوكل إليه من قبل المجلس من مهام تمهيدا لإنشاء البنك المركزي لدول المجلس وإطلاق العملة الموحدة، وعن سير العمل في مشروع سكة حديد دول المجلس، والمشاريع التكاملية والاستثمارية المشتركة في مختلف المجالات.

وبحث القادة تطورات الأوضاع في المنطقة في ظل استمرار عوامل التوتر في قضية الجزر الإماراتية الثلاث وأزمة الملف النووي الإيراني وفلسطين والعراق والسودان والصومال وغيرها من القضايا التي تشهدها المنطقة.

ففيما يتعلق بالجزر الثلاث؛ طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تحتلها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أكد القادة مجددا مواقف دول المجلس الداعمة لحق دولة الإمارات في اتخاذ كافة الإجراءات السلمية لاستعادة سيادتها الكاملة على جزرها الثلاث، داعين الجمهورية الإسلامية الإيرانية للاستجابة لمساعي دولة الإمارات العربية المتحدة لحل القضية عن طريق المفاوضات المباشرة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية.

وحول أزمة الملف النووي الإيراني، جدد قادة دول المجلس تأكيدهم والتزامهم بمبادئ مجلس التعاون الثابتة المتمثلة في احترام الشرعية الدولية، وحل النزاعات بالطرق السلمية، مؤكدين على أهمية جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل والأسلحة النووية، ومرحبين بالجهود الدولية القائمة للتوصل إلى حل سلمي لأزمة الملف النووي الإيراني.

وفي الشأن العراقي، أكد قادة دول المجلس على أهمية احترام وحدة وسيادة واستقلال العراق والحفاظ على هويته العربية والإسلامية، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، معربين عن الأمل بأن تُسهم نتائج الانتخابات النيابية العراقية التي أجريت في شهر مارس 2010 في تشكيل حكومة عراقية وطنية بعيدا عن الطائفية والعرقية والتدخلات الخارجية وذلك لإنجاح العملية السياسية وتحقيق المصالحة الوطنية ورسم مستقبل مشرق للعراق.

وفيما يتعلق بالشأن الفلسطيني، عبر القادة عن قلقهم البالغ من استمرار فرض الحصار الإسرائيلي الجائر على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وقرار الحكومة الإسرائيلية بترحيل عشرات الآلاف من الفلسطينيين من الضفة الغربية، معربين عن الأمل بأن تسهم الجهود المبذولة لإحياء المفاوضات على المسار الفلسطيني بما في ذلك المباحثات غير المباشرة مع إسرائيل في بلوغ هدف السلام المنشود. واستنكر قادة دول المجلس التهديدات الإسرائيلية ضد سورية ولبنان، مؤكدين رفضهم التام لهذه التهديدات وللمحاولات الإسرائيلية المستمرة لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة.

وفي الشأن السوداني، عبر القادة عن تضامنهم مع جمهورية السودان، مشيدين بالجهود التي تبذلها الحكومة السودانية لحل مشكلة دارفور، مؤكدين دعمهم لوحدة السودان. وعبروا عن أملهم في أن تتضافر جهود الأطراف المعنية لحل أزمة دارفور والتجاوب مع المساعي القطرية في هذا الشأن.

وفي الشأن الصومالي، حث قادة دول المجلس أطراف النزاع على تحقيق الوفاق الوطني والحفاظ على وحدة الصومال، مجددين دعوتهم لكافة الأطراف الصومالية لوقف أعمال العنف والتخلي عن كافة العمليات التي تعرقل جهود المصالحة الوطنية.

وفي مجال مكافحة الإرهاب، أكد القادة على مواقف دول المجلس الثابتة لنبذ العنف والتطرف والإرهاب، معربين عن تأييدهم لكل جهد إقليمي أو دولي يهدف إلى مكافحة الإرهاب، وشددوا على ضرورة تفعيل القرارات والبيانات الصادرة عن المنظمات والمؤتمرات الإقليمية والدولية المتعلقة بمكافحة الإرهاب.

وفي مجال مكافحة القرصنة، أعرب القادة عن قلقهم من استمرار عمليات القرصنة البحرية في الممرات المائية في خليج عدن والبحر الأحمر وغيرها، مؤكدين على أهمية تضافر الجهود وتكثيف التنسيق الإقليمي والدولي للتصدي لعمليات القرصنة.

إلى ذلك، أقام خادم الحرمين الشريفين حفل عشاء تكريمي لقادة ورؤساء وفود دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بعد اختتام اجتماعهم التشاوري، وذلك في حفل أقيم في قصر الدرعية بالرياض.

وقد ودع الملك عبد الله بن عبد العزيز القادة والمسؤولين الخليجيين، متمنيا لهم سفرا سعيدا، كما كان في وداعهم الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، والأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، والأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، والأمير سعود الفيصل وزير الخارجية، والأمير مقرن بن عبد العزيز رئيس الاستخبارات العامة، والأمراء، والأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وعدد من المسؤولين.

من جانب آخر قال العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة في تصريح له أمس، بأن لقاء القادة التشاوري بالعاصمة السعودية «سيكون مناسبة طيبة للتشاور حول ما يشغلنا من قضايا إقليمية ودولية وسبل التعامل مع تطوراتها ومتغيراتها المتسارعة، وسوف يسهم في الدفع بمسيرتنا الخليجية نحو آفاق أوسع من التنسيق والتعاون». وأضاف «نحن نتطلع إلى تعاون أخوي وحوار وقرارات أثناء مداولاتنا، تكون عونا للاقتراب من تحقيق آمالنا في الوحدة والتكامل على كافة الأصعدة، وإعطاء مسيرتنا دفعة قوية إلى الأمام في زمن يمتاز بكل جديد وسريع، لننطلق منها إلى فضاء المصلحة العامة المستقبلية لدول ومواطني المجلس».

وقال ملك البحرين «نأمل أن نركز على تبني سياسة موحدة وفاعلة فيما يتعلق بالمشاغل الإقليمية ذات التأثير المباشر على دولنا وشعوبنا، من أجل أن يحافظ مجلس التعاون على سيادته واستقلاله الوطني ومكتسبات مواطنيه، ومواجهة استحقاقات المتغيرات الاستراتيجية في المنطقة»، مضيفا «إن آمالنا كبيرة بأن لقاءنا هذا، ستسوده روح التفاهم والصفاء، من أجل أن نعيش معا مجتمعا يتسم بالمحبة والوحدة، ومن أجل أجيال تعيش في أمن وسلام ورخاء ورفاهية».