تطمينات أميركية للرئيس الأفغاني بعدم التخلي عنه وسط أجواء تعاون جديد بين الطرفين

كلينتون تؤكد لكرزاي «التزامنا بعيد الأمد» للشعب الأفغاني

الرئيس الأفغاني حميد كرزاي ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون قبل بدء جولة المحادثات الرسمية بين البلدين أمس (أ.ف.ب)
TT

أكدت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أمس «الالتزام بعيد الأمد» الأميركي «للشعب الأفغاني»، مؤكدة أن واشنطن ستعمل مع كابل والمجتمع الدولي «لبناء أفغانستان مستقرة ومزدهرة تكون قوة للسلام والتقدم والازدهار لشعبها والمنطقة، و(تكون) حصنا ضد (القاعدة) وغيرها من المتطرفين العنيفين بدلا من أن تكون مأوى لهم». وجاء تأكيد كلينتون في مستهل اجتماعات مع الرئيس الأفغاني حميد كرزاي الذي بدأ مساء أول من أمس زيارته الرسمية إلى واشنطن ضمن تطمينات أميركية للحكومة الأفغانية بأن واشنطن لن تتخلى عنها. وبعد توتر العلاقات بين الطرفين خلال الأشهر الماضية، ازدادت المخاوف الأفغانية من تخلي أميركي عن حكومة كرزاي، بعد إثارة تساؤلات أميركية حول انتخابه مجددا ليصبح رئيسا الصيف الماضي. إلا أن الممثل الأميركي الخاص بأفغانستان وباكستان ريتشارد هولبروك أكد الدعم الأميركي الكلي لكرزاي، قائلا خلال لقاء مع مجموعة من الصحافيين الأجانب في واشنطن «من دون شكإ أنه الرئيس الشرعي والمنتخب ديمقراطيا رئيسا لأفغانستان». وأضاف: «مثل ما قال الرئيس (الأميركي باراك) أوباما وآخرون، كانت انتخابات غير مرتبة ولكن نتجت بنتيجة واضحة وبناء على ذلك نحن نعمل معه (كرزاي) ونرحب به في واشنطن».

ومن المعروف أن بين المسؤولين الأميركيين وجهات نظر مختلفة حول التعامل مع كرزاي، إذ في السابق ظهرت تقارير عن توتر العلاقات بين هولبروك وكرزاي بينما كان قائد القوات الأجنبية الجنرال ستانلي ماكريستال من بين المسؤولين الأميركيين الأكثر انسجاما مع كرزاي. وشكر كرزاي في تصريحاته أمس ماكريستال تحديدا، ضمن تقديم شكره لجهود الأميركيين في أفغانستان. إلا أن هولبروك، الذي التقى كرزاي للمرة السابعة أمس خلال الأشهر الخامسة الماضية، قال: «لدي احترام كبير له ولإنجازاته. علاقتي الخاصة معه ودية وفيها احترام وحميمة». ونفى هولبروك «تغييرا» في الاستراتيجية، محاولا التقليل من حدة الخلافات في السابق ومعتبرا أن بعض التقارير حولها «لا تقترب من الواقع».

ولكن زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى كابل في مارس (آذار) الماضي أدّت إلى ظهور الخلافات مع كرزاي بشكل علني غير مسبوق بعد انتقاد أوباما للفساد في الحكومة ومشكلات الحكم لديها. وكانت قد سبقت ذلك فترة من التشنج خلال مرحلة الانتخابات الأفغانية العام الماضي وتشكيك في العملية الانتخابية التي أدّت إلى انتخاب كرزاي مجددا. إلا أن الإدارة الأميركية أكدت هذا الأسبوع على تخطي تلك المرحلة وفتح صفحة جديدة مع الحكومة الأفغانية التي تعتبرها الشريك الأفضل للتغلب على حركة طالبان وتنظيم القاعدة.

وربطت كلينتون بين محاولة التفجير الفاشلة في ميدان «تايمز سكوير» في نيويورك والأحداث في أفغانستان قائلة: «محاولة الهجوم الإرهابي في تايمز سكوير تقدم أدلة جديدة على أن التطرف العنيف يتجاهل كل الحدود الجغرافية وحدود الأخلاق البشرية». وأضافت في خطابها أمام الوفد الأفغاني: «مواجهة هذا التهديد القاتل مسؤولية مشتركة لنا كلنا»، موضحة أن هذه هي «الشراكة الاستراتيجية» بين البلدين.

وشددت كلينتون، التي استضافت عشاء عمل لكرزاي مساء أول من أمس وحضرت اجتماعات مطولة معه صباح أمس، على أن الالتزام الأميركي لأفغانستان «سيبقى طويلا بعد مغادرة القوات الأميركية لأننا تعلمنا من الماضي». وكررت كلينتون الانتقاد الذي وجهه كرزاي إلى الغرب مرات عدة في السابق بالتخلي عن أفغانستان بعد انتهاء غزو الاتحاد السوفياتي السابق لها، قائلة إنه قبل هجمات «11 سبتمبر (أيلول)، لا نحن ولا شركاؤنا الدوليون أعطينا الاهتمام الكافي لنضال الشعب الأفغاني الذي ضحى بأكثر من مليون قتيل خلال عقود من الحرب... الرئيس أوباما قد أوضح أننا لن نسمح بمثل هذا الانعزال مجددا». وتابعت: «نعلم أن أمن الولايات المتحدة وأفغانستان مشترك وأكثر من ذلك نعلم بأن مستقبلنا مشترك».

وتشدد الإدارة الأميركية على أن نقل السلطات الأمنية مستقبلا إلى الأفغان لا يعني انتهاء التعاون بين البلدين، وهي استراتيجية شبيهة بتلك التي تتبعها واشنطن في العراق. وبينما أعلن أوباما العام الماضي عن إرسال 30 ألف جندي أميركي إضافي إلى أفغانستان في محاولة لجلب الاستقرار إليه، حدد موعد يوليو (تموز) 2011 لبدء عملية سحب القوات. إلا أن مسؤولين أميركيين يشددون على أن هذا الموعد لا يعني سحب القوات بشكل سريع بل هو موعد لبدء عملية الانسحاب ونقل المزيد من المسؤوليات الأمنية للأفغان. ولإنجاح هذه العملية، تركز واشنطن على 4 قضايا يتم بحثها خلال زيارة كرزاي، وهي الأمن والتنمية والحكم الرشيد والمصالحة، والأمر الأخير الذي تقول واشنطن إنها تدعمه في حال تخلى المتمردون الأفغان عن القتال وأي ارتباط بـ«القاعدة» مع احترام الدستور الأفغاني.

ومن جهته، أكد كرزاي خلال مشاركته في الاجتماع مع كلينتون أن «أفغانستان ستبقى شريكة للولايات المتحدة وحلفائنا الآخرين في الحرب على الإرهاب وفي الوقت نفسه ستواصل أفغانستان في بناء مؤسساتها وتحافظ على تقدمها». وأشار كرزاي إلى الانتقادات لحكومته، قائلا إن «الحكومة الأفغانية ناضجة الآن، وبين فترة وأخرى ستكون لدينا خلافات حول بعض القضايا». وشدد الرئيس الأفغاني على أهمية «علاقة ناضجة وثابتة بين البلدين»، قائلا: «علاقة ثابتة وناضجة لتوصلنا إلى هذه الأهداف التي نسعى من اجلها معا لجلب الاستقرار إلى أفغانستان ومنها إلى الولايات المتحدة وباقي العالم». وأضاف أنه من أجل إنجاح تلك العلاقات سيكون من الضروري حماية «استقلال القضاء الأفغاني واحترامه»، في إشارة إلى عمل كرزاي على الحصول على استقلال أفغاني أوسع وبخاصة في ما يخص المدنيين الأفغان. ويحرص كرزاي خلال زيارته إلى واشنطن على إظهار استقلاله وقوته، عالما بأن تصريحاته تصل إلى أفغانستان، حيث سيعقد «شورى سلام» مع فصائل وجماعات أفغانية عدة نهاية الشهر لتقليص التمرد في البلاد. ويطالب كرزاي خلال زيارته بدعم أميركي لذلك الاجتماع بالإضافة إلى مؤتمر كابل الدولي المرتقب عقده في يوليو المقبل لبحث جهود المجتمع الدولي في كابل للمرة الأولى. كما أبلغ كرزاي المسؤولين الأميركيين أمس برغبته بتعاون أميركي لإجراء الانتخابات النيابية الأفغانية في سبتمبر المقبل. وتعتبر زيارة كرزاي لواشنطن ولقاؤه مع أوباما في البيت الأبيض اليوم مرحلة مفصلية في تحديد التعاون الأفغاني - الأميركي على مدار الأشهر المقبلة وقبل أن يراجع أوباما استراتيجيته في أفغانستان هذا الخريف. وتعول الإدارة الأميركية الكثير على التعاون مع كرزاي وتخطي الخلافات السابقة للتغلب على المصاعب الأمنية في البلاد التي ترتكز في جنوبه، بينما تطلق القوات الأميركية وقوات الناتو عملية عسكرية جديدة في قندهار.