الهند تعيد اكتشاف نفسها في العالم العربي وتوثق علاقاتها بالسعودية

دبلوماسي هندي: أسباب استراتيجية لتوثيق العلاقات > سفير الرياض: العلاقات لا تقتصر على الطاقة > 114 مليار دولار تجارة مشتركة

رئيس وزراء الهند مانموهان سينغ يتحدث مع رئيس المحكمة العليا الجديد في الهند هومي كابديا بعد أدائه القَسَم في القصر الرئاسي في نيودلهي أمس (أ.ف.ب)
TT

تعيد الهند اكتشاف نفسها داخل العالم العربي، وتبذل كل الجهود الممكنة لتصل بعلاقتها إلى «مستوى أعلى». ولا يعد الهنود غرباء على المنطقة، حيث لديهم علاقات اقتصادية وثقافية مع شعوبها. وإبان الراج البريطاني كان يتولى مسؤولون داخل بومباي إدارة المصالح البريطانية في الخليج. ومثّل الجنود والعمال الهنود جزءا هاما من العمالة خلال وجود بريطانيا في الخليج في أوقات الحرب والسلم. كما لعب الهنود دورا هاما كأفراد في الجيش الهندي التابع لبريطانيا، الذي قاتل بمنطقة الشرق الأوسط خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية. وكان هناك تقدم كبير على الصعيد الدبلوماسي الهندي بالمنطقة عندما قام رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ بزيارة السعودية في فبراير (شباط) من العام الحالي، وهي الزيارة الأولى لرئيس وزراء هندي خلال 28 عاما. وقد حوّلت هذه الزيارة العلاقات الهندية السعودية إلى «شراكة استراتيجية». يشار إلى أن ملك السعودية قام بزيارة الهند عام 2006.

وكانت هذه إشارة أيضا إلى مجلس التعاون الخليجي من أجل بناء شراكة أقوى مع الهند. وقد شهدت علاقات الهند مع دول مجلس التعاون الخليجي تقدما خلال الأعوام القليلة الماضية. وترغب الهند في تأمين إمدادات الطاقة، مع تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية. وقد ساعدت سياسة دول الخليج بـ«التحول شرقا» الجانبين على تكوين علاقة أقوى.

ويقول كمال الدين أحمد، وهو دبلوماسي هندي سابق كان يعمل في الرياض، إن نيودلهي تعزز علاقاتها مع الرياض لأسباب استراتيجية. وبالنسبة لواضعي الاستراتيجيات داخل الهند، فثمة أهمية لأي حليف يمكن أن يعادل قوة باكستان داخل العالم الإسلامي. وقال خبير هندي عن العلاقات بين الهند والشرق الأوسط: «في البداية، سعت نيودلهي من أجل تعزيز علاقاتها مع طهران، ولكن واجهت هذه الجهود عقبات خلال الأعوام الأخيرة، حيث إن إيران تبنت موقفا عدائيا بصورة متزايدة إزاء الغرب. وفي الواقع، ساعدت الطموحات النووية الإيرانية على التقريب بين نيودلهي والرياض».

ومع زيارته إلى السعودية أعاد رئيس الوزراء الهندي التأكيد على أنه في ما يتعلق بمنطقة الخليج، فإن إيران لن تكون بؤرة تركيز السياسة الخارجية الهندية. وبرهن إعلان الرياض، الذي وقعه مانموهان سينغ مع الملك عبد الله بن عبد العزيز، على تغيير هام في موقف نيودلهي من فلسطين وإسرائيل وإيران، ودلل على ما وصفه البعض بأنه تغيير في سياسة الهند الخاصة بغرب آسيا.

ويقول مسؤول بارز في وزارة الشؤون الخارجية: «يمثل إعلان الرياض أحد أبرز التصريحات السياسة لرئيس وزراء هندي حول غرب آسيا. وللمرة الأولى تعلق الهند على كل القضايا الهامة أمام العرب، بدءا من فلسطين إلى إيران وصولا إلى العراق وأفغانستان. وقد أوضح رئيس الوزراء أن علاقات الهند مع إسرائيل لن تكون على حساب علاقاتها مع فلسطين». وقد سعد الفلسطينيون بذلك، وقال السفير الفلسطيني في نيودلهي عدلي شعبان صادق لـ«الشرق الأوسط»: «نقدّر هذا الأمر».

ويدعو إعلان الرياض أيضا إلى جعل غرب آسيا ومنطقة الخليج مناطق «خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل». وعلى الرغم من أنه يمكن النظر إلى ذلك على أنه دليل على مخاوف جدية متنامية بشأن برنامج الأسلحة النووية الإيرانية السري المزعوم، فإنه يمثل ضربة قوية للإسرائيليين الذين لم يعلنوا يوما عن أسلحتهم النووية.

وبعد أن سئمت الهند انتظار قيام الولايات المتحدة بالمساعدة على وقف ما تعتبره الأنشطة الإرهابية التي تأتي عبر الحدود الأفغانية الباكستانية، تتحول الهند أخيرا إلى العالم العربي من أجل الوصول إلى موقف مشترك يتعلق بالتهديد الذي تمثله حركة طالبان وتنظيم القاعدة للمنطقة. وفي الواقع، لا يوجد مكان للإشارة إلى هذا التحوّل أفضل من السعودية، التي كان لها دور في الساحة السياسية الباكستانية في الماضي، ولعبت على سبيل المثال دورا هاما في عودة بي نظير بوتو ونواز شريف من المنفى. وهناك رأي يقول إنه إذا لم تستطع الرياض إقناع إسلام آباد بتغيير سياستها مع الهند، فلن يستطيع أحد آخر فعل ذلك.

ويعكس ذلك سياسة مانموهان سينغ الجديدة بالتحول غربا (بالنسبة إلى الهند)، التي بموجبها تسعى الهند إلى تعزيز مكانتها على الصعيدين الاقتصادي والعسكري بمنطقة الخليج العربي، وهي المنطقة التي توفر 70 في المائة من النفط إلى الهند ويوجد بها 5 ملايين مغترب هندي. وأخيرا، تعمل الهند على الوصول إلى اتفاقيات مع الكثير من الدول بمنطقة الخليج، وتمثل السعودية رابطا هاما من أجل إكمال هذه السلسلة. وفي الواقع، ربما تحل السعودية محل إيران كعنصر دعم هام لها بمنظمة المؤتمر الإسلامي، وقد وافقت على الدعوة لأن تكون الهند مراقبا بالمنظمة. وقال السفير السعودي في الهند فيصل حسن طراد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «العلاقات السعودية الهندية لا تقف على قطاع الطاقة».

ولا توجد أغلبية مسلمة داخل الهند، ولكنها تحتوي على ثاني أكبر تجمع للمسلمين في العالم، وتحظى السعودية بمكانة كبيرة بالنسبة إلى هؤلاء. ويمثل الهنود أكبر تجمع مغترب داخل دول مجلس التعاون الخليجي، ويصل عدد المغتربين الهنود بهذه الدول إلى 5 ملايين شخص. وتمثل العمالة الهندية المغتربة نحو 30 في المائة من سكان الإمارات، ولديهم وجود كبير في البحرين وسلطنة عمان وقطر.

ولا يزال الكثير من الوزراء الهنود ووفود رفيعة المستوى تقوم بزيارات استراتيجية للعالم العربي بهدف تحقيق مصالحها داخل المنطقة. وقد كان الجانب الاقتصادي من سياسة الهند بمنطقة الخليج جليا خلال الأعوام الأخيرة. وتمثل دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة ثاني أكبر شريك تجاري للهند، كما تمثل أكبر مصدر للواردات الهندية وثاني أكبر مقصد للصادرات الهندية. وتصل قيمة التجارة الثنائية بين الهند والعالم العربي إلى 114 مليار دولار، وتأمل الهند أن تشارك دول التعاون الخليجي، خصوصا السعودية والإمارات وسلطنة عمان في توسيع البنية التحتية كما تخطط لها الهند.

وتهتم دول الخليج بالموارد البشرية القادمة من الهند وتستخدمها في تطوير قطاعات متنوعة مثل تقنية المعلومات والتعمير والنقل والخدمات. وتحرص الهند على زيادة الاستثمارات القادمة من العالم العربي. وقال رئيس اتحاد الغرف التجارية والصناعية الهندية هارش باتي سينجانيا: «يوجد أكثر من تريليوني دولار للاستثمار داخل الدول العربية، ويمكن استهدافها في التنمية والنمو بمشروعات البنية التحتية وقطاعات الصناعات والخدمات في الهند».

ويرتبط أمن الطاقة وقطاع التجارة الهندي بأمن مضيق هرمز ومضيق باب المندب. وعلى ضوء ذلك يقوم الأسطول الهندي باستمرار بزيارة المواني الخليجية والتدرب مع بعض الدول الإقليمية. وخلال الأعوام الأخيرة قام الأسطول الهندي بمناورات بحرية مع عدد من دول الخليج. وتقوم الهند بتعزيز علاقاتها الأمنية مع دول بمجلس التعاون الخليجي مثل الإمارات وقطر وسلطنة عمان والبحرين، مع تحول التركيز من زيارات للأسطول البحري وبرامج تبادل تدريبات إلى تنمية مشتركة وتصنيع معدات عسكرية متطورة.

وخلال نقاشات دبلوماسية أوضحت الدول العربية للهند الحاجة إلى تعزيز وجود الأسطول الهندي في الخليج والبحر الأحمر وبحر العرب من أجل مواجهة القرصنة والعناصر الإرهابية. وإذا تم الوصول إلى اتفاقات دبلوماسية بخصوص تعبئة الأسطول، فإن ذلك سيعود بالنفع على الهند في ما يتعلق باحتياجات الطاقة.

ولا يقف اهتمام الهند بتحسين علاقاتها في المنطقة مع دول الخليج، وفي العام الماضي قام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة الهند، وهذه أول زيارة يقوم بها الرئيس السوري منذ زيارة قام بها والده حافظ الأسد قبل ثلاثة عقود. ودعا الرئيس بشار الهند إلى لعب دور أكبر في عملية السلام بمنطقة الشرق الأوسط، وأعرب عن الاهتمام بالتقدم الهندي الكبير في قطاع تقنية المعلومات.

وفي ما يتعلق بإيران، التي تراجعت العلاقات معها عندما قررت الهند دعم قرار تدعمه أميركا ضد إيران بسبب ملفها النووي. وكررت الهند هذا الأمر في عام 2006, وكان التحول الجديد في سياسة الهند ردا على سياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما إزاء أفغانستان وباكستان. وقد غضبت الهند كثيرا بسبب سعي الرئيس الأميركي للانسحاب من أفغانستان والكلام المستمر حول إعادة إدماج حركة طالبان في هيكل السلطة. وفي فبراير من العام الحالي ذهب وزير الخارجية الهندي نيروباما راو إلى طهران من أجل إجراء مشاورات تتناول قضايا كثيرة. وقال دبلوماسي هندي: «قد لا نتحرك تجاه علاقات أوثق مع إيران، ولكن ابتعدنا قطعا عن الولايات المتحدة في ما يتعلق بهذه القضية». وبصيغة أخرى، تُبقي الهند على جميع الخيارات للاستفادة منها وقت الحاجة.