سببان رئيسيان ساهما في نزوح عناصر «القاعدة» من الأراضي السعودية

تستعرضها «الشرق الأوسط» في الذكرى السابعة لبدء نشاط التنظيم.. والوجهات هي: العراق اليمن وأفغانستان

رجال أمن سعوديون يتفحصون سيارة استخدمت بواسطة اعضاء من القاعدة في العاصمة السعودية يوم 23 يوليو من عام 2006 (أ ف ب)
TT

سببان رئيسيان يقفان خلف نزوح عناصر تنظيم القاعدة من الأراضي السعودية لخصهما الباحث السعودي أحمد الموكلي الخبير في شؤون الجماعات الراديكالية بـ«الضربات الاستباقية التي وجهها الأمن السعودي وأدت إلى تفكيك خلايا التنظيم المتبقية، والأمر الثاني يتعلق بهدف خاص بالسياسة الداخلية لتنظيم القاعدة».

وشكلت كل من اليمن والعراق وأفغانستان 3 وجهات رئيسية لعناصر تنظيم القاعدة التي نزحت عن الأراضي السعودية، بعد التضييق عليها، والقضاء على قيادييها إما عن طريق القبض عليهم أو تصفيتهم جسديا خلال مواجهات دارت أحداثها في غالبية مناطق البلاد، نظرا للظروف الأمنية المتردية التي تعيشها هذه البلاد.

ومن خلال تتبع القوائم التي نشرتها وزارة الداخلية السعودية للمطلوبين أمنيا يلحظ المتابع للنجاح المتدرج لأجهزة الأمن السعودية في ملاحقة عناصر التنظيم في الداخل والخارج.

ففي حين كان جميع المدرجين على أول قائمة للإرهابيين (قائمة الـ19) داخل السعودية، بات جميع من تلاحقهم الرياض في آخر قائمة للمطلوبين (قائمة الـ85) خارج أراضيها.

وكان تنظيم القاعدة، طبقا للباحث الموكلي، يعتبر السعودية مركز انطلاق دولة الخلافة الإسلامية. ويؤكد هنا الباحث في شؤون الجماعات الراديكالية أن «فطنة القيادة الأمنية في السعودية لهذه الاستراتيجية جعلها تتحول من المواجهة إلى المبادرة من خلال الضربات الاستباقية التي وجهتها للتنظيم مما أدى إلى القضاء على معظم أعضائه وتفكيك البقية الباقية منهم»، وهو ما اعتبره سببا أول في نزوح عناصر التنظيم عن الأراضي السعودية.

ويعتقد الباحث السعودي أحمد الموكلي أن «الهدف الرئيسي للتنظيم (الأم) هو، كما صرح قادته، إعادة دولة الخلافة الإسلامية وفق استراتيجية خططوا لها منذ زمن بعيد تمر بثلاث مراحل هي كما أوردها صاحب كتاب إدارة التوحش (مرحلة النكاية ومرحلة إدارة التوحش، ومرحلة التمكين)».

ويرى أن تنظيم القاعدة لا يزال في مرحلة النكاية التي تعني إحداث فوضى في دول العالم الإسلامي الرئيسية عن طريق مجموعات صغيرة تابعة للتنظيم تقوم بتنفيذ عمليات إرهابية فيها كما حدث في السعودية كعملية المحيا على سبيل المثال.

وكان استهداف تنظيم القاعدة لدولة مثل السعودية أمرا متوقعا، وخصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول).

يشرح ذلك الموكلي بقوله «وهذه العمليات – يقصد المحيا وغيرها - تتم بعد توجيه ضربة نوعية كبيرة للمركز (أميركا) وهذا ما حدث بالفعل فأحداث الحادي عشر من سبتمبر لم تكن إلا الخطوة الأولى في مرحلة (النكاية) سعى التنظيم من خلالها إلى هز هيبة أميركا من جهة ومن جهة أخرى جرها لمواجهة مع التنظيم لتبدأ الخطوة الثانية في مرحلة التمكين من خلال قيام الجماعات الصغيرة المنتشرة في أنحاء العالم بتوجيه ضربات نوعية صغيرة في هذه البلدان كما حدث في السعودية «عملية المحيا، وهجمات شرق الرياض الشهيرة بأحداث 12 مايو (أيار)».

ويتحدث الباحث السعودي عن السبب الثاني لنزوح أعضاء تنظيم القاعدة من الأراضي السعودية، بكونه داخليا متعلقا بسياسة تنظيم القاعدة الداخلية والخطط الموضوعة لمواجهة هكذا أحداث وهو ما أكده أبو بكر ناجي في كتابه (إدارة التوحش) حيث يقول «في بداية الحرب الأفغانية في سبعينات القرن الفائت مر بالجهاد فترات عصيبة حيث وجهت للمجاهدين عدة ضربات حتى تبقى منهم - في إحدى الروايات - ثلاثون رجلا ولكن بعد ذلك وعلى مدار أكثر من عشر سنوات في مواجهة النظام ثم في مواجهة النظام والروس قدم الجهاد هناك مليونا ونصف مليون شهيد - بالطبع منهم أعداد كبيرة من الشعب المسلم مات تحت القصف.

وهنا، يسأل الباحث السعودي «من أين أتت هذه الأعداد؟» ثم يستطرد «الإجابة أن ذلك حدث من خلال محاولة جر الشعب إلى المعركة وتجييشه، خصوصا عندما نقيم مناطق آمنة من الفوضى والتوحش الناتج عن القتال ويهاجر الناس إلى تلك المناطق، نستطيع أن نجعل من هذه المناطق ساحات للدعوة والتدريب والتعليم فنحقق النتائج المثالية بالتربية التي لا تكون مكتملة إلا إذا تمت خلال المعركة فمن خلال جو المعركة سيتأهلون بل ويتفوقون على أساتذتهم».

ويشير الباحث السعودي إلى أن الآونة الأخيرة شهدت هجرة أعضاء التنظيم من السعودية إلى كل من اليمن والعراق وأفغانستان، قائلا إن ذلك يأتي «في إطار استراتيجية «القاعدة» الجديدة، فعلى سبيل المثال فإن معظم أعضاء الجيل الأول لـ«القاعدة» تلقوا تدريبهم في أفغانستان إلا أن هذه الاستراتيجية تغيرت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وهو ما أشار إليه أبو بكر ناجي في كتابه السابق عندما قال «ونستطيع القول إن الأمر فيه من المرونة بحيث يتغير تبعا للتطورات، وقد تم نشر هذه الدراسات في الثلاث أعوام السابقة لأحداث سبتمبر، أما بعد الأحداث وما تلاها من تطورات فقد أعلنت القيادة بعض التعديلات فاستبعدت بعض المناطق من مجموعة المناطق الرئيسية على أن يتم ضمها لتعمل في نظام بقية الدول وأدخلت بلدين أو قل منطقتين إضافيتين ألا وهما بلاد الحرمين ونيجيريا ومن ثم أصبحت الدول المرشحة مبدئيا لتدخل في مجموعة المناطق الرئيسية هي مناطق الدول الآتية: الأردن وبلاد المغرب ونيجيريا وباكستان وبلاد الحرمين واليمن».

ويقول الباحث في شؤون الجماعات الراديكالية إن أسباب ترشيح أبو بكر ناجي لهذه الدول يعود لمقومات ذكرها في الكتاب نفسه منها «وجود عمق جغرافي وتضاريس تسمح في كل دولة على حدة بإقامة مناطق بها تدار بنظام إدارة التوحش، وضعف النظام الحاكم وضعف مركزية قواته على أطراف المناطق في نطاق دولته بل وعلى مناطق داخلية أحيانا، خصوصا المكتظة، كذلك انتشار السلاح بأيدي الناس فيها».

ويوضح هنا أنه «بقراءة هذه المقومات نجد أنها تنطبق كثيرا على اليمن والعراق الساحة الجديدة للتنظيم منذ عام 2006 تقريبا، خصوصا بعد فرار ثلاثة وعشرين من عناصر القاعدة من سجن المخابرات اليمنية وأعاد التنظيم تشكيل نفسه بقيادة ناصر الوحيشي».

ووصولا إلى القائمة التي تحتوي على 85 ملاحقا، تقول السعودية إنهم خارج حدودها، يبرز الباحث السعودي اختلاف هذه القائمة عن القوائم الثلاث التي سبقتها، بأنه «نابع من خبرة الأجهزة الأمنية فيها ومعرفتها بسياسة القاعدة في الكر والفر لذلك قامت بنشر القائمة مع كل المعلومات المتوفرة عن المدرجين فيها كالدول المتواجدين بها والعلاقة التي تربط كل منهم بالتنظيم، كما قامت بإبلاغ جهاز الإنتربول (الشرطة الدولية) لإدراجهم في قوائم ملاحقيها وإشعار العالم بخطورة مثل هؤلاء».

ويؤكد هنا أنه بمراجعة الأسماء الواردة في قائمة الـ85 الآخذة في الانحسار «نجد أن جميعهم لم يلتق أو يتصل بالصف الأول من قادة التنظيم عدا صالح القرعاوي الذي يعد الأخطر في القائمة لارتباطه بالزرقاوي ودعمه بالمال والرجال من خلال تسهيله لسفر كثير من السعوديين إلى العراق، كذلك سعيد الشهري المتواجد باليمن تحت قيادة ناصر الوحيشي».

ويعتقد الباحث السعودي بشكل قاطع أن القائمة بدأت في العد التنازلي بعد القبض على بعضهم ومقتل البعض الآخر مثل محمد الراشد وسلطان العتيبي.. إضافة لتسليم العوفي نفسه للسلطات السعودية، مرجحا أن «تتلاشى هذه القائمة في غضون السنوات القليلة القادمة بعد العمليات المركزة التي تقوم بها أميركا في أفغانستان والضربات المتوالية للتنظيم في اليمن».