ليبيا: تضارب في الروايات حول ملابسات تحطم طائرة «إيرباص» قادمة من جوهانسبرغ

طفل هولندي الناجي الوحيد من بين 103 ركاب معظمهم هولنديون.. ووزير النقل الليبي يستبعد فرضية عمل إرهابي

طاقم إنقاذ يقوم بالتدقيق في مكان الحادثة والطفل الهولندي الناجي الوحيد داخل مستشفى في طرابلس يتلقى الإسعافات (أ.ب)
TT

في أول حادثة من نوعها في ليبيا منذ عام 2000، لقي 103 أشخاص مصرعهم في حادثة تحطم طائرة تابعة لشركة «الخطوط الأفريقية الليبية» بمطار طرابلس العالمي، بينما نجا طفل هولندي واحد في الثامنة من عمره وتخطى مرحلة الخطر بعدما خضع إلى عمليات عاجلة من كسور مني بها إثر تحطم الطائرة بشكل مفاجئ.

ووفقا للرواية الرسمية التي قدمتها السلطات الليبية فقد تحطمت الطائرة «إيرباص إيه - 330» ليبية التي كانت تقوم برحلتها رقم 771 القادمة من مدينة جوهانسبرغ في جنوب أفريقيا، أثناء محاولتها الهبوط في مطار طرابلس عند الساعة السادسة من صباح أمس، بتوقيت طرابلس، ونجا طفل هولندي واحد من الحدث الذي لقي فيه جميع الركاب حتفهم وهم 93 راكبا كانوا على متن الطائرة وطاقمها المكون من 11 عضوا.

وأعلن محمد زيدان وزير المواصلات والنقل الليبي، عن تشكيل لجنة متخصصة للتحقيق في أسباب تحطم الطائرة لكنه استبعد تعرض الطائرة لهجوم إرهابي، مشيرا إلى العثور على 96 جثة من جنسيات مختلفة حتى الآن، بينما لا يزال البحث مستمرا عن بقية الضحايا. وأشار الوزير الليبي إلى العثور على الصندوقين الأسودين للطائرة في انتظار وصول مندوب من شركة «إيرباص» المصنعة للطائرة لكشف ملابسات الحادثة.

وأضاف زيدان أن الشركة اشترت الطائرة في سبتمبر (أيلول) 2009. وتابع: «بين الركاب يوجد ليبيان اثنان وأفارقة وأوروبيون، ونحن على اتصال بالجهات المعنية لكشف قائمة الركاب وجنسياتهم». وأشار مصدر ملاحي إلى أن أفراد الطاقم كلهم من الليبيين. وأعلنت الممثلية الجنوب أفريقية لشركة «الخطوط الجوية الأفريقية» أن الطائرة تحطمت «على بعد متر واحد من مدرج» الهبوط. وأشار مصدر من أمن المطار، رفض الكشف عن هويته، إلى أن «الطائرة اشتعلت فيها النيران قبل هبوطها بلحظات»، وتفتتت بالكامل وانتشر حطامها على مساحة واسعة على بعد 500 متر تقريبا من مدرج الهبوط. وكانت الأحوال الجوية جيدة صباح أمس، في طرابلس.

ورددت مصادر ليبية معلومات حول أن الطائرة المنكوبة قد تعرضت لعطل طارئ قبل أسبوعين أثناء رحلة اعتيادية إلى جوهانسبرغ مما أدى إلى أن يستقل ركاب تلك الرحلة طائرة للخطوط القطرية، لكن مسؤولي الشركة لم يؤكدوا أو ينفوا هذه المعلومات.

وأصدرت شركة «إيرباص» بيانا أكدت فيه أنها ستقدم المساعدة الفنية الكاملة للسلطات المسؤولة عن التحقيق في الحادثة. ونفت السلطات الليبية تقارير نشرتها صحيفة «قورينا» الليبية على الإنترنت عن أن كابتن الطائرة المنكوبة قد أجرى اتصالا ببرج المراقبة في المطار طالبا تجهيز سيارات الإسعاف والطوارئ لوجود خلل في الطائرة وذلك قبل وقوع الحادثة مباشرة. وقال مسؤول ليبي لـ«الشرق الأوسط»، أمس، في موقع الحادثة، إن هذه المعلومات مفبركة مغلوطة ولا تستند إلى دليل، لافتا إلى ضرورة انتظار نتائج التحقيق ومعرفة محتويات الصندوقين الأسودين للطائرة.

وقال مسؤول في مصلحة الطيران المدني الليبية إن لجنة التحقيق في ملابسات الحادثة قد تسلمت الصندوقين الأسودين لطائرة الخطوط الأفريقية المتحطمة، بينما لاحظت صحيفة «أويا» الليبية التي تصدر على الإنترنت، تضارب الأنباء عن الأسباب الرئيسة التي أدت إلى حادثة تحطم الطائرة.

وباشرت لجنة التحقيق فحص محتويات صندوق محادثات غرفة القيادة، وصندوق بيانات الطائرة المنكوبة وهي من طراز «إيرباص 202 - 330»، ذات محركين، طويلة المدى. وقالت المصادر إن الطائرة قد خضعت لآخر فحص فني من شركة الخطوط الجوية الألمانية «لوفتهانزا»، في الخامس من شهر مارس (آذار) الماضي وقطعت ما مجموعه 1568 ساعة طيران بعد الفحص.

وأفاد مصدر في الطيران المدني الليبي بأن أسباب سقوط الطائرة لا تزال قيد الدراسة والبحث، في حين رجح أن تكون الأسباب وراء الحادثة خطأ بشريا، أو خللا فنيا في الطائرة، مستبعدا أن تكون سوء الأحوال الجوية أو تعذر الرؤية ضمن قائمة الأسباب، أو قصور في التجهيزات الملاحية بالمطار، ضمن سيناريوهات الحادثة.

ونفى مصدر مسؤول في مصلحة الطيران المدني الأنباء الواردة في وسائل الإعلام الدولية نقلا عن وسائل إعلام محلية، بأن الحادثة ناجمة عن سوء أحوال جوية، مضيفا أن عددا من الطائرات قد هبط بالمدرج الوحيد في المطار قبل وبعد الحادثة.

وقالت مصادر إن قائد الطائرة، الكابتن يوسف الساعدي، يعد من بين أفضل الكوادر الليبية في الطيران، وهو من مواليد 1953، وقد تخرج في جامعة أكسفورد للطيران في 1978. كما نفت السلطات الليبية ما تردد حول طلب مطار طرابلس من ربان الطائرة المنكوبة الكابتن يوسف الساعدي عدم الهبوط وذلك لانعدام الرؤية.

وكانت حركة النقل في مطار طرابلس الدولي قد توقفت تماما لأكثر من 24 ساعة الأسبوع الماضي بسبب الغبار الكثيف الذي أدى إلى سوء الأحوال الجوية، إلا أن الرحلات قد استؤنفت عقب ذلك بعد تحسن الأحوال الجوية.

من جهته أكد أخصائي العظام بمستشفى الخضراء في العاصمة طرابلس، الدكتور الصديق بن دله، أن الطفل الهولندي الناجي من حادثة تحطم الطائرة قد تعدى مرحلة الخطر، مشيرا إلى أنه ومن خلال الكشف المبدئي ثبت أن الطفل البالغ من العمر 8 سنوات والذي يعاني الكثير من الكسور في ساقيه، قد خضع لعدة عمليات تثبيت داخلي وخارجي.

وكان الطفل الناجي من حادثة الطائرة قد خضع أولا لعملية إسعاف أولية في مستشفى السبيعة، قبل أن يتم نقله إلى مستشفى الخضراء لإجراء العملية الجراحية. وذكرت رابطة قائدي السيارات الهولندية أن 61 هولنديا قتلوا في الحادثة، بينما قال مسؤولون إن من بين الضحايا 22 ليبيا نصفهم من أفراد الطاقم، وإن الباقين من جنسيات مختلفة. وأضافوا أنه لا توجد لديهم أي تفصيلات أخرى باستثناء وجود أفارقة وأوروبيين بين القتلى.

وقال مدير مكتب الشؤون القانونية لشركة «الخطوط الجوية الأفريقية»، صالح علي صالح، إنه لا توجد أي معلومات مؤكدة عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تحطم الطائرة الليبية، لافتا إلى أن من بين ركاب الطائرة 50 أنثى و42 ذكرا، لكنه لم يحدد بدقة هوياتهم وجنسياتهم، مكتفيا بالإشارة إلى أن أغلب الركاب من حاملي الجنسية الهولندية.

وأكدت مصادر الشركة أن الطائرة قد سلمت في سنة 2009 وأنها تعد من الأسطول الحديث للشركة، وتقوم الشركة بتسيير 3 رحلات أسبوعيا إلى جوهانسبرغ، وقد استحدث هذا الخط الجوي مؤخرا في ظل التوسعة التي تشهدها «الخطوط الجوية الأفريقية».

وتأسست شركة «الخطوط الجوية الأفريقية» التي تتخذ من العاصمة الليبية، طرابلس، مقرا لها في أبريل (نيسان) من عام 2001 برأسمال 70 مليون دولار أميركي، علما بأنها بدأت باستئجار طائرات «بوينغ» لتسيير رحلات إلى عواصم أفريقية عدة منها الخرطوم ونيامي وباماكو وواغادوغو، وهي تقوم برحلات إلى مدن أفريقية عدة من بينها جوهانسبرغ والقاهرة وأبيدجان وأكرا ومدن أوروبية أيضا مثل لندن وباريس وأمستردام وروما.

يشار إلى أن تاريخ آخر حادثة تحطم طائرة في ليبيا يرجع إلى الثالث عشر من شهر يناير (كانون الثاني) عام 2000 عندما تحطمت طائرة قرب مرسى البريغة، وأدى إلى مقتل 22 شخصا، لكنها تظل الحادثة الأكثر دموية منذ تحطم طائرة «بوينغ 727» تابعة لشركة «الخطوط الجوية الليبية» قرب مطار طرابلس في الثاني والعشرين من شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 1992، مما أدى إلى مصرع 157 شخصا.