تركيا وروسيا تدعوان إلى إشراك حماس في عملية السلام.. وترك مساحة للتفاوض مع طهران

موسكو لواشنطن حول أسلحة طهران: لا نريد نصائحكم * الخارجية الأميركية لـ «الشرق الأوسط»: لا توترات مع موسكو

الرئيس التركي عبد الله غول والرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف يتحدثان حول عمل للفنان الروسي «ايفان كونستاتينو فيتش» أمس (رويترز)
TT

دعت روسيا وتركيا إلى إشراك كل الأطراف الفلسطينية في عملية سلام الشرق الأوسط، وذلك في إشارة ضمنية إلى حركة المقاومة الإسلامية حماس. كما أوضحتا أنهما تريدان إعطاء فرصة للأفكار البرازيلية - التركية حول صفقة التبادل النووي مع إيران. وحذر مسؤولون روس الدول الغربية من «دفع إيران للزاوية». كما وجه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لهجة حادة إلى واشنطن قائلا إن موسكو «لا تحتاج إلى نصائح عبر الأطلنطي» حول صفقاتها العسكرية، وذلك ردا على تصريحات لمستشار بارز للرئيس الأميركي باراك أوباما قال فيها إن الولايات المتحدة «أوضحت لروسيا أن تسليم نظام صاروخي أرض جو مضاد للطائرات لإيران ستكون له عواقب وخيمة على الروابط مع موسكو». ورفضت الخارجية الأميركية اعتبار الخلافات الظاهرة مع موسكو توترا في العلاقات. وأوضح مسؤول بالخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» أن «حماس يمكن أن تلعب دورا في بناء دولة فلسطينية مستقلة تستجيب لتطلعات الشعب الفلسطيني، لكن بعد نبذها للعنف واعترافها بإسرائيل وقبول الاتفاقيات السابقة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي»، كما أوضح أن موسكو تتفق مع واشنطن حول الملف الإيراني.

وفي موقف تركي - روسي من المرجح أن يثير ردودا متباينة في إسرائيل، قال الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف والرئيس التركي عبد الله غل، خلال مؤتمر صحافي بينهما في أنقرة، إن السلام لا يمكن تحقيقه إذ لم تشارك كل الأطراف في عملية السلام. وقال الرئيس التركي وبجانبه الرئيس الروسي «لا ينبغي أن يتم إقصاء أي طرف عندما تبدأ تلك المباحثات. للأسف الفلسطينيون منقسمون إلى فريقين. يجب أن يتحدوا، ولكي يتحدوا يجب أن يكون هناك حوار مع كلا الفريقين. حماس فازت بالانتخابات في غزة وبالتالي لا يمكن تجاهلها». وأضاف غل «عندما تحدثت تركيا مع حماس واجهت تهديدات، لكن يتضح الآن أن تركيا كانت على حق. فلا يمكن أن يتحقق السلام بإقصاء الناس». ولم يوضح غل ما هي التهديدات التي واجهتها تركيا عندما بدأت حوارا مع حماس، لكن مع المعروف أن أميركا وإسرائيل أعربتا عن غضبهما من التحركات التركية حيال حماس ما دامت الحركة ظلت ترفض الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود.

وتسعى تركيا منذ وصلت حكومة العدالة والتنمية ذات الجذور الإسلامية إلى لعب دور نشط في قضايا الشرق الأوسط، وأن تستغل علاقاتها القوية مع العالم الإسلامي من ناحية والغرب من ناحية أخرى للتوسط في قضايا معقدة مثل ملف السلام السوري - الإسرائيلي والملف النووي الإيراني، إلا أن إسرائيل منذ الحرب على غزة وردة فعل أنقرة الرسمية وغير الرسمية بدأت تشكك في حيادية الدور التركي، وترفض حتى الآن استئناف وساطتها في الملف السوري.

من ناحيته، قال الرئيس الروسي، الذي كان التقى رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل في دمشق خلال مباحثاته مع نظيره السوري بشار الأسد أول من أمس، إن كل الأطراف يجب أن تشارك في عملية السلام، موضحا «نحن نتفق على أن نحل هذه المشكلة بنشاط أكبر، وبمشاركة كل الأطراف المنخرطة في الصراع ومن دون إقصاء أي طرف من العملية». وتابع خلال مؤتمره الصحافي مع غل «ما يحدث الآن هو أن الجانب الفلسطيني أظهر أنه عندما يكون هناك انقسام، فإنه من المستحيل حل المشكلات الداخلية، ولهذا تزداد الأوضاع الداخلية في فلسطين سوءا».

كما كرر الرئيس الروسي دعوته لواشنطن بأن تتحرك بنشاط في سلام الشرق الأوسط بمساعدة دول أخرى، واصفا مجددا الأوضاع في غزة بأنها مأساوية. وتشير التصريحات الروسية إلى رغبة موسكو في أن تلعب ربما دورا بالإضافة إلى واشنطن فيما يتعلق بسلام الشرق الأوسط. وكان ميدفيديف قد كرر في دمشق تصريحات مشابهة، فيما يتعلق بالحاجة لدور أميركي أنشط في المنطقة. فيما قال غل إن صراع الشرق الأوسط هو مصدر «عدم الاستقرار» في الكثير من مناطق العالم ويجب أن ينتهي.

وحول إيران قال ميدفيديف إن على إيران «اعتماد مقاربة بناءة على نحو ما»، كما أوضح «الشرق الأوسط يجب أن يكون منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. استخدام أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط سيكون كارثة». كما كشف ميدفيديف أن روسيا ستجري مباحثات مع كل من إيران وإسرائيل حول إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل. وكان ميدفيديف قد دعا تل أبيب أول من أمس إلى الانضمام لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وفتح منشآتها النووية للتفتيش.

كما أثنى ميدفيديف على الوساطة التركية البرازيلية في الملف الإيراني، قائلا إن مقترح البلدين فيما يتعلق بخطة التبادل النووي قد يكون مخرجا من الأزمة الحالية، موضحا «إذا ما دعمت باقي الأطراف هذه الخطة فإن ذلك لن يكون شيئا سيئا للخروج من الوضع الراهن». ويأتي ذلك فيما أعلن وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير أن فرنسا تدعم «بقوة خطوة» الرئيس البرازيلي الذي سيزور إيران في 16 مايو (أيار) كي يطلب من طهران الموافقة على تبادل الوقود النووي.

وفيما لم تظهر أمس خلافات بين روسيا وأميركا فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، فإن خلافات ظهرت فيما يتعلق بتسليح موسكو لطهران. فقد رفضت روسيا أمس وبلهجة حاسمة التحذير الأميركي لها من بيع صواريخ أرض جو لإيران. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في أنقرة إن موسكو «لا تحتاج إلى نصائح عبر الأطلنطي» حول صفقاتها العسكرية، موضحا أن موسكو لن تسمح باضطرابات أو عدم استقرار في المناطق التي تبيع لها أسلحة. وفيما لا يتوقع أن تجازف موسكو ببيع إيران صفقة الصواريخ خصوصا والمناقشات حول الملف النووي ساخنة، فإن مسؤولين روسا مطلعين قالوا على هامش مباحثات ميدفيديف مع غل إن «الدول الغربية ترتكب خطأ فادحا بدفع إيران في الزاوية».

وكان مستشار بارز للرئيس الأميركي باراك أوباما قال ليل أول من أمس إن الولايات المتحدة أوضحت لروسيا أن تسليم نظام صاروخي أرض جو مضاد للطائرات لإيران ستكون له عواقب وخيمة على الروابط مع موسكو. وفي تقييم متفائل في مجمله للروابط مع روسيا قال غاري ساموري، منسق البيت الأبيض لقضايا الحد من التسلح وانتشار أسلحة الدمار الشامل والإرهاب، إنه يعتقد أن روسيا فهمت موقف واشنطن وستكون مفاجأة له إذا شحنت موسكو نظام «إس – 300» المضاد للطائرات الذي طلبت إيران شراءه. وقال ساموري «أوضحنا بجلاء للروس أن ذلك ستكون له آثار كبيرة جدا على علاقاتنا الثنائية». وحثت طهران روسيا على عدم الإذعان للضغوط الغربية بشأن صفقة النظام الصاروخي المضاد للطائرات الذي يقول محللون إنه قد يساعد إيران في إحباط أي محاولة لقصف منشآتها النووية.

وقللت الخارجية الأميركية من حجم الخلافات بين واشنطن وموسكو حول سلام الشرق الأوسط ومشاركة حماس في المفاوضات وصفقة صواريخ «إس – 300» لطهران. وقال مسؤول بالخارجية الأميركية في هذا الصدد لـ«الشرق الأوسط»: «رأينا بالأمس بيان اللجنة الرباعية وفيه ترحيب روسيا وأميركا ببدء المفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ونحن نعتقد أن هذه المباحثات خطوة مهمة نحو المفاوضات المباشرة والمفاوضات الثنائية والسلام الشامل في الشرق الأوسط.. حماس يمكن أن تلعب دورا في بناء دولة فلسطينية مستقلة تستجيب لتطلعات الشعب الفلسطيني، لكن بعد نبذها للعنف واعترافها بإسرائيل وقبول الاتفاقيات السابقة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي».

وحول الملف الإيراني، قلل المسؤول الأميركي من حجم التباينات بين موسكو وواشنطن، موضحا «روسيا تشاركنا في مقاربتنا من العواقب الوخيمة التي ستترتب على إيران نووية، وكيف سيتأثر استقرار المنطقة والعالم. هذا من ناحية المقاربة العامة، أما من ناحية الخطوات الإجرائية، فقد دعمت موسكو خمسة قرارات من مجلس الأمن الدولي حول إيران منها 1696 و1737 و1803 و1853.. وقد تحدثت وزيرة الخارجية الأميركية مع نظيرها الروسي وأكدا أن سياساتهما لم تتغير».

إلى ذلك، وفي خطوة أخرى من شأنها إثارة قلق إسرائيل، وقعت روسيا أمس اتفاقا مع تركيا لبناء أول محطة نووية تركية، وهو مشروع تقدر كلفته بعشرين مليار دولار (15.8 مليار يورو). ويدعو الاتفاق الذي وقعه نائب رئيس الوزراء الروسي ايغو سيتشين ووزير الطاقة التركي تانر يلديز، خلال الزيارة الرسمية لميدفيديف، إلى التعاون في بناء واستثمار محطة نووية على الساحل المتوسطي لتركيا. وقال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان «إنها خطوة مهمة»، مضيفا أن البناء سيبدأ بعد مصادقة برلماني البلدين على الاتفاق. وقال سيرغي كيرينكو، المدير العام لمجموعة «روساتوم» الروسية للطاقة النووية، للصحافيين «إنه عقد كبير جدا»، مضيفا أن «القيمة التقديرية لمشروع مماثل تتراوح بين 18 و20 مليار دولار». وأعلن كيرينكو أن روسيا ستملك المحطة عبر امتلاك «ما لا يقل عن حصة تؤمن سيطرتها عليها». وأضاف «إنه وضع جديد» لأن «روسيا لم تملك في السابق محطة نووية خارج أراضيها. وبالنسبة إلينا، إنه عقد مهم للغاية». وبناء أول محطة نووية في تركيا من قبل شركات روسية مطروح على جدول الأعمال منذ سنوات عدة، لكن قرارا أصدره مجلس الدولة التركي العام الماضي أدى إلى إلغاء استدراج عروض فاز فيه كونسورسيوم بقيادة شركة «أوتومستروي إكسبورت» الروسية الحكومية. والكونسورسيوم كان المرشح الوحيد لبناء محطة نووية بقوة 4800 ميغاوات في أكويو في محافظة مرسين (جنوب). وكان المشروع عرضة لانتقادات حادة، ذلك أن السعر الذي عرضه الكونسورسيوم لتزويد الشبكة التركية بالتيار الكهربائي كان أعلى من سعر السوق. وقامت روسيا ببناء محطات كهرباء تعمل بالطاقة النووية في دول كثيرة من إيران إلى الصين، وتسعى بقوة لاقتناص صفقات لبناء محطات جديدة لاعتبارات اقتصادية وسياسة.