كاميرون وكليغ يتعهدان بتخطي اختلافاتهما.. لصالح حكومة مستقرة

زعيم الليبراليين الديمقراطيين نائبا لرئيس الوزراء وحزبه يحصل على 5 مقاعد وزارية

كاميرون وكليغ خلال المؤتمر الصحافي المشترك بينهما في 10 داونينغ ستريت (رويترز)
TT

بعد يوم على تشكيل أول حكومة ائتلافية في بريطانيا منذ الحرب العالمية الثانية بين حزبين يباعد بينهما أكثر ما يقرب، ظهر رئيس الوزراء البريطاني الجديد ديفيد كاميرون إلى جانب نائبه نيك كليغ، في مؤتمر صحافي مشترك، ليطمئنا البريطانيين إلى أن الحكومة التي شكلاها ستكون ثابتة ومستقرة. ولم ينف زعيم الليبراليين الديمقراطيين الذي أصبح نائب رئيس الوزراء، الاختلافات الكثيرة التي تفرق بينه وبين زعيم المحافظين كاميرون، إلا أنه أكد أن هذه الحكومة ستتعدى تلك الخلافات. وقال كليغ الذي بدا مرتاحا ومنسجما مع كاميرون خلال المؤتمر الصحافي الذي عقد في حديقة 10 داونينغ ستريت: «حتى اليوم كنا خصمين، واليوم نحن زميلان... نحن حزبان مختلفان ولدينا أفكار مختلفة، ولكن هذه حكومة ستبقى بغض النظر عن خلافاتنا...». وتحدث كاميرون من جهته عن خيار حزب المحافظين تشكيل حكومة ائتلافية عوضا عن تشكيل حكومة أقلية، وقال: «كان لدينا خيار أن نشكل حكومة أقلية، ولكن نظرنا إليها ورأينا أنها غير ملهمة، ولن تدوم إلا بضعة أشهر، أردنا حكومة ثابتة ومستقرة». وتعتبر هذه الحكومة الائتلافية هي الأولى منذ 70 عاما. وكانت آخر حكومة ائتلافية شهدتها بريطانيا، قد تشكلت عام 1940 بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، برئاسة ونستون تشرشل. وعاشت الحكومة لمدة 5 سنوات حتى عام 1945. وكاميرون يعتبر أيضا أصغر رئيس حكومة منذ نحو 200 عاما في بريطانيا منذ عهد اللورد ليفربول عام 1813.

ووزعت الحكومة أمس الاتفاقية التي وقعها كليغ وكاميرون لتقاسم السلطة، بعد أن عجز حزب المحافظين عن الفوز بأغلبية مقاعد البرلمان. وتضمنت الاتفاقية الموزعة على 7 صفحات، تنازلات من قبل حزب الليبراليين الديمقراطيين حول الاقتصاد والعلاقات مع أوروبا والسياسة الدفاعية وقضايا الهجرة، بينما تنازل المحافظون في مجالات تتعلق بالتعليم والضرائب وإصلاحات في النظامين السياسي والانتخابي. وحصل الليبراليون الديمقراطيون على خمسة مقاعد وزارية، من بينها مقعد كليغ كنائب لرئيس الوزراء.

وعلى الرغم من أن هذا المنصب لطالما اعتبر غير مؤثر في الحياة السياسية البريطانية، فإن الصورة التي رسمها كليغ وكاميرون أمس حول تعاونهما، دفعت الصحافيين إلى التكهن حول شكل العلاقة المستقبلية بين الرجلين وما إذا كان كليغ سيطلع بدور أكبر من سابقيه. وقد أعلن كاميرون أن كليغ سيكون مسؤولا عن الإصلاحات السياسية التي اتفقا عليها، إلا أنهما شددا على أن الصورة لم تكتمل بعد ولا يزالان يعملان على التفاصيل. وبدا كاميرون وكليغ في انسجام تام خلال المؤتمر الصحافي أمس، يتمازحان ويتبادلان الإطراءات، في مشهد بدا سرياليا للبعض في بريطانيا. فقبل أيام، كان كاميرون يتهم كليغ بأنه يريد أن يأخذ البلاد رهينة لتنفيذ مصالحه الخاصة. وكان كليغ يهزأ بكاميرون لأنه «يتصرف وكأن من حقه أن يكون رئيس الوزراء المقبل». وحتى أن كاميرون سئل مرة خلال الحملة الانتخابية: ما هي أفضل نكتة لديك؟ فرد: نيك كليغ. وقد ذكرهما صحافي بهذه النكتة خلال المؤتمر الصحافي أمس، وسأل كاميرون ما إذا كان لا يزال متمسكا بذلك. فضحك كاميرون، بينما سأله كليغ: «هل حقا قلت ذلك؟» وعندما رد كاميرون بالإيجاب، أدار كليغ ظهره ممازحا وقال: أنا مغادر! فصاح كاميرون ممازحا أيضا: لا عد عد! ولكن كثيرين يعتقدون أن الانسجام بين الرجلين، لا يثير العجب إذا ما نظرنا إلى خلفيتهما. فعلى الرغم من أن كليغ يتزعم حزبا وسطيا يميل إلى اليسار، وكاميرون حزبا يمينيا، ولكليهما أفكار متناقضة في الكثير من القضايا، فإن هناك الكثير من المشترك بينهما. فكلاهما مثلا تلقى تعليمه في مدرسة خاصة، وهي نفقات لا يمكن لأبناء الطبقة الفقيرة والوسطى في بريطانيا تحملها. وكلاهما ارتاد أعرق الجامعات البريطانية؛ كليغ درس في جامعة كامبردج علم الأنثروبولوجيا الاجتماعية، وكاميرون درس الفلسفة والعلوم السياسية والاقتصاد في جامعة أكسفورد. كلاهما يبلغ من العمر 43 عاما، مع فارق 3 أشهر بينهما، ويحبان لعب التنس. وكلاهما سليل أسرة أرستقراطية: كاميرون سليل مباشر للملك وليام الرابع، مما يجعله ابن عم من بعيد للملكة. بينما كليغ جده الأكبر كان المدعي العام في الإمبراطورية الروسية، وجدته من والده بارونة روسية... ولكن هل تكفي كل هذه الأمور المشتركة بينهما لكي ينجح ائتلافهما لمدة 5 سنوات كما يأملان؟ على الرغم من تعهد كليغ وكاميرون بأنهما سيتخطيان خلافاتهما ويعملان معا، فإن المشكلة قد تأتي من داخل حزب كل منهما. فاليمين المتطرف داخل حزب المحافظين غير راض عن التنازلات التي قدمها كاميرون لليبراليين الديمقراطيين. وهناك كثيرون من بينهم يشعرون بأن كاميرون، وجورج ازوبورن الذي كان يدير الحملة الانتخابية، أدارا الحملة الانتخابية بشكل خاطئ ولم يتمكنا من أن يبنيا على ضعف حزب العمال وزعيمه غوردن براون. ويعتقد هؤلاء أن حزب المحافظين كان يجب أن يفوز بسهولة بأغلبية مطلقة ويحكم منفردا من دون الاضطرار للجوء إلى مساعدة حزب لم يحظ بأكثر من نحو 50 مقعدا في مجلس مؤلف من 650 مقعدا. كما أن الصحف البريطانية تحدثت عن امتعاض كبير في صفوف اليساريين في حزب الليبراليين المحافظين الذين لا يمكنهم قبول فكرة دخول تحالف مع المحافظين. وتحدث البعض عن امتعاض بين القاعدة الشعبية لليبراليين الديمقراطيين، خصوصا أولئك الذين يعتبرون أقرب إلى اليسار ومن مؤيدي حزب العمال عموما. إلا أن هذه الفرصة اعتبرت تاريخية للحزبين، رغم كل الفروقات بينهما والعوائق التي قد تفرقهما في الأشهر أو السنوات المقبلة. فالمحافظون أرادوا بشدة العودة للسلطة بعد 13 عاما من الجلوس في صفوف المعارضة، ولم يشأ كاميرون أن ينهي حياته السياسية قبل أن يكمل الـ44 من عمره. كما أن الليبراليين الديمقراطيين استغلوا فرصة فريدة للمشاركة في السلطة بشكل فعال، هي الأولى منذ تأسيس الحزب قبل 70 عاما، وقد لا تسنح لهم مجددا.