في الانتخابات البريطانية.. تجري الرياح بما تشتهي السفن

وسائل الإعلام تحصد ما زرعت وتقرر من يحكم البلاد

مجموعة من الصحف البريطانية الصادرة صباح أمس (أ.ب)
TT

بعد الاتفاق بين الحزبين، المحافظين والديمقراطيين الأحرار، وتشكيل حكومة ائتلافية في بريطانيا ليلة أول من أمس، تكون الصحافة البريطانية قد حققت ما تريد، وتوجت ما تفضل من سياسيين لإدارة سدة الحكم في البلاد، وبهذا فقد جاءت الرياح بما تشتهي السفن، على عكس ما يقال.

هذا ما عبر عنه أحد الصحافيين الأفارقة العاملين في لندن، الذي قال إن الانتخابات في بلده أوغندا يقررها السياسيون، أما في بريطانيا فالصحافة تحدد نتيجتها.

وقال المراسل الأوغندي في برنامج بثته القناة الرابعة (راديو 4) قبل أسبوع من انتهاء الحملة، إن الطريقة التي تعمل بها الصحافة البريطانية كانت بالنسبة له شيئا لم يعتد عليه في السابق في عمله المهني، مبديا استغرابا من هذا الشكل الفاضح في التفضيل بالدعم، وأيضا بالنفوذ الذي تتمتع به الصحافة في الشارع البريطاني.

الاصطفاف الإعلامي، السياسي والآيديولوجي، في الانتخابات البرلمانية التي تحددت نتيجتها الأسبوع الماضي أخذ شكلا جديدا، لم يسبق له مثيل في تاريخ الانتخابات البريطانية، خصوصا مع بروز نجم حزب الديمقراطيين الأحرار.

في الأسابيع الثلاثة التي سبقت يوم الاقتراع في 6 مايو (أيار) كشرت معظم الصحف عن أنيابها معلنة وبدون خوف أو حياء عن قرارها بدعم هذا الحزب أو ذاك. وبالفعل هذا ما حدث.

وكانت وسائل الإعلام، باستثناء هيئة البث البريطاني (بي.بي.سي)، تسخر كل ما هو متاح أمامها من أجل إظهار حزبها المفضل أو الزعيم المفضل بصورة جيدة. ومن خلال آراء الاستطلاع الذي زودتها مؤسسات الاستطلاع المتخصصة كانت وسائل الإعلام تقدم النتائج لتظهر تحسن الفرص لصالح حزبها المفضل. كما أنها كانت أيضا تركز على الجوانب السلبية، وتستخدم عنصر التخويف عند الكلام عن البرامج الانتخابية للأحزاب المتنافسة.

جريدة «الصن» التي يملكها إمبراطور الإعلام الاسترالي روبرت ميردوخ دعمت حزب المحافظين بقوة طيلة الحملة الانتخابية وشنت حملة شعواء على حزب الديمقراطيين الأحرار مع ازدياد شعبية الحزب بعد المناظرة التلفزيونية لقادة الأحزاب الثلاثة، زعيم العمال غوردن براون، وديفيد كاميرون عن حزب المحافظين، ونيك كليغ زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار. واستخدمت الصحيفة موقف الحزب من برنامج الغواصات النووية قائلة إن كليغ سيهدد الأمن القومي البريطاني، مرددة بذلك ما قاله كاميرون، مضيفة أن العفو أيضا الذي طالب به الحزب عن المهاجرين غير الشرعيين، سيفتح الباب على مصراعيه للهجرة وتفضيل القادمين على أهل البلد في الوظائف.

حتى الصحف المصنفة يساريا، والتي دعمت في السابق حزب العمال، كشفت قبل أيام من انتهاء الحملة الانتخابية أنها ستدعم حزب الديمقراطيين الأحرار، وجاءت صحيفة «الغارديان» لتعكس هذا الجانب من الانحياز. الانحياز الذي أبدته «الغارديان» قد يعكس جانبا من خصوصيات الشخصية البريطانية، التي تمثلت في قيم اجتماعية قائمة على الانحياز في كثير من الأحيان لصالح الجهات المتنافسة الأقل حظا.

لقد أثبت حزب ديمقراطيين الأحرار بعد المناظرة التلفزيونية أنه من الأحزاب المظلومة في هذه الانتخابات غير المتكافئة بسبب النظام الانتخابي، ولهذا فقد قررت بعض الصحف مثل «الغارديان» دعمه.

لكن هناك عوامل أخرى تتحكم في القرار، وتنطلق بعض الصحف مثل «التايمز» و«الفاينانشيال تايمز» من فهمها للمصلحة الوطنية. وعلى هذا الأساس قررت أنه حان الوقت لأن يحدث تغيير في السياسة البريطانية خصوصا على الصعيد المالي والسوق، وارتأت أن انتخاب حزب المحافظين في هذه الفترة الحرجة ضرورة ملحة لإعطاء السوق المالية الثقة الكافية. واشتدت حملتها لصالح الحزب بعد أن أظهرت استطلاعات الرأي أنه لن تكون هناك أكثرية لأي حزب والأرجح أن يفرض ذلك ائتلافا حكوميا على الأحزاب المتصارعة وهذا لا تحبذه «التايمز» أو «الفاينانشيال تايمز».

هذا الموقف لصحيفة مثل «التايمز» لا يعكس بالضرورة موقفا آيديولوجيا واضحا أو متكاملا. لقد انحازت الصحيفة في السابق لصالح حزب العمال عندما كان يقوده توني بلير. لكن حزب العمال، أو العمال الجديد، تحت قيادة توني بلير أظهر أنه أمين على المؤسسة الحاكمة مثله مثل المحافظين، خصوصا مع ترويض النقابات وانحيازه لصالح سياسة السوق وتخفيف تدخل الدولة في الحياة العامة.

وهناك عامل آخر يعكس هذا الانحياز ويظهر أحيانا خلال التغطية لوسائل الإعلام المختلفة من خلال المعلقين والصحافيين الأفراد. إذ اشتدت حملة الانحياز بعد أن أصبح جليا أنه لا بد من إيجاد صيغة ائتلافية بين بعض الأحزاب، وانعكس هذا خلال المقابلة التي أجراها مذيع «سكاي» آدم بولتون، الذي ظهر غضبه بعد أن اتهمه أليستر كامبل، المساعد الإعلامي الخاص لتوني بلير سابقا في الحكومة العمالية، بأن انحيازه أصبح واضحا وأنه يفضل حزب المحافظين والائتلاف مع الديمقراطيين الأحرار، وهذا ما أنكره بولتون ورد غاضبا ومكررا لكامبل «لا تقل لي بماذا أنا أفكر».