العراق: عسكريون أميركيون يتجهون لطلب تأجيل الانسحاب وسط مخاوف من انهيار العملية السياسية

عبروا عن مخاوفهم من هيمنة الصدريين على وزارة أمنية

ضابط أميركي يدخن أثناء مراقبته متعاقدين عراقيين، وهم ينقلون حاوية إلى عربة في قاعدة عسكرية شمال بغداد أمس (أ.ب)
TT

يواصل الجيش الأميركي استعداداته لخفض قواته المنتشرة في العراق إلى 50 ألف جندي بحلول نهاية الصيف الحالي، بيد أن إمكانية تزامن الانسحاب الأميركي مع الفراغ السياسي الشبيه بذلك الذي جر البلاد إلى حرب أهلية عام 2006، تثير فزع الكثيرين في العراق.

ومع اقتراب ما سمته نهاية المهمة القتالية في العراق، تقول الولايات المتحدة إنها ستحتفظ بقوة أساسية هنا للمستقبل القريب. لكن عليها أن تتأقلم مع تراجع الموارد والنفوذ والتحرك داخل العراق والمال، وهو ما لم يحدث من قبل. كما ستخفض قواتها في خضم مواجهة سياسية اندلعت في أعقاب الانتخابات البرلمانية التي جرت في 7 مارس (آذار)، ولا تبدو نهايتها في الأفق.

يتابع القادة الأميركيون عملية تشكيل الحكومة المتعثرة بترقب وحذر. حيث عبر القادة الأميركيون والعراقيون عن مخاوفهم من وقوع تمرد شيعي محتمل وانقسام القوات الأمنية بصورة طائفية.

لكن إدارة أوباما لا تزال ملتزمة بجدولها الزمني بخفض عدد قواتها إلى 50 ألف جندي - ما يقرب من نصف العدد الموجود حاليا - بحلول الأول من سبتمبر (أيلول). الأمر أدى إلى خيبة أمل في صفوف الكثير من العراقيين الذين أرادوا من واشنطن لعب دور أكثر فعالية في التوصل إلى حل للمأزق السياسي الذي يعيشه العراق في الوقت الراهن.

وقال ميغان أو سوليفان، نائب مستشار الأمن القومي للعراق خلال إدارة الرئيس السابق جورج بوش «ما تفعله الولايات المتحدة تود القول من خلاله، نحن سنركز على الأمن، وأنتم تركزون على العملية السياسية. وهو ما يزيد من إمكانية تحول الركود السياسي إلى شيء ذي عواقب وخيمة بعيدة المدى».

لن تتأثر العمليات الخاصة للقوات الأميركية إلى حد بعيد بعد 1 سبتمبر (أيلول)، حيث يشير المسؤولون إلى استمرار ما يقرب من 4500 جندي من قوات النخبة يمارسون عملهم في استهداف الشبكات الإرهابية في شراكة مع القوات العراقية الخاصة. ستكون الأولوية بالنسبة لهذه القوات قتال المجموعات السنية المتمردة التي تلقت ضربات عنيفة مثل «القاعدة» في العراق، والميليشيات الشيعية التي تواصل شن هجماتها ضد القوات الأميركية.

الألوية المقاتلة السبعة التي ستواصل عملها في العراق بعد الصيف، التي أعيد صياغة مسماها إلى «ألوية المساعدة والمشورة»، تم تعزيزها بضباط كبار لديهم خبرة في مجال التدريب. وسيبقي الجيش الأميركي على لواء في بغداد وآخر في محافظة الأنبار الواقعة غرب بغداد، فيما ستقسم الألوية الخمسة الأخرى التي تضم كل منها ما بين 3 آلاف إلى 5 آلاف جندي ما بين المناطق الشمالية والجنوبية. كما سيتواصل وجود مقار وأفراد المساندة الخاصة، وستحتفظ القوات الأميركية بوجود بسيط في أغلب المناطق الحضرية، وستنشر بصورة بسيطة في المحافظات الجنوبية حيث تطورت القوات الأمنية بها بصورة كبيرة خلال الشهور الأخيرة.

خلال الزيادة الكبيرة في القوات في عام 2007 كان الجيش الأميركي ينشر 20 لواء مقاتلا في العراق - نحو 170 ألف جندي - كان التركيز الأكبر لها في بغداد والأنبار، وقد تم خفض أعداد هذه القوات تدريجيا إلى 94 ألف جندي، وسيتوالى رحيل عشرات الآلاف من الجنود خلال الفترة القادمة - حيث يغادر القسم الأكبر بنهاية شهر أغسطس (آب) - وهو ما يعتبر أكبر انسحاب عسكري من ساحة قتال بدأ مع غزو عام 2003.

ويقول القادة العسكريون الأميركيون إنهم يفكرون في طلب تأخير الموعد النهائي 1 سبتمبر (أيلول) من البيت الأبيض إذا واصلت العملية السياسية الانهيار التام، وهو السيناريو الذي يرونه محتملا، لكنهم عبروا عن شعورهم بالقلق من أن التأخير في الجهود الرامية إلى إنشاء ائتلاف حكومي قد يؤدي إلى توقف المؤسسات العراقية الأساسية التي قد قضوا سنوات في محاولة إعادة تفعليها، بما في ذلك قوة الشرطة العسكرية، ونظام العدالة.

جدير بالذكر أن نتائج انتخابات 7 مارس (آذار) لم تسفر عن فائز واضح، مما تمخض عن مناورات سياسية واسعة النطاق بين مختلف الأطراف لتشكيل حكومة وحدة. من بين الأطراف التي تتنافس على مكان في الائتلاف الجديد، حركة رجل الدين المناهض للولايات المتحدة مقتدى الصدر، وهو فصيل شيعي سياسي تربطه علاقات وثيقة مع إيران وميليشيا كبيرة، ويخشى مسؤولون أميركيون أنه قد تنتهي السيطرة على واحدة من الوزارات التي تشرف على الجيش أو الشرطة.

وقد توصل الصدريون في الآونة الأخيرة إلى اتفاق مؤقت للتوحد مع فصيل منتمٍ لرئيس الوزراء نوري المالكي لتشكيل الحكومة القادمة، على الرغم من استمرار النقاط العالقة بين الطرفين.

وعلى الرغم من تواري الميليشيات الشيعية عن الأنظار في الأشهر الأخيرة؛ فإن مسؤولين عراقيين وأميركيين يقولون: إن ذلك قد يتغير إذا تصاعدت وتيرة المعارك السياسية، خاصة إذا شعرت بعض الفصائل باستثنائها من الحكومة الجديدة. كما تراجع التهديد الذي يشكله المتمردون السنة بعض الشيء خلال الأشهر الأخيرة في أعقاب الاعتقالات والقتل لعشرات من القادة البارزين فيها، بما في ذلك مقتل اثنين من كبار قادة تنظيم القاعدة في العراق. لكن هذه الجماعات لا تزال تمتلك القدرة على تنفيذ هجمات كبيرة، كما فعلوا خلال التفجيرات التي أدت إلى مقتل العشرات في أنحاء البلاد. وقال مسؤولون أميركيون إنهم يأملون في الاحتفاظ بنحو 50 ألف جندي في العراق حتى الربيع المقبل، وربما لما بعده، منوهين إلى أن ذلك من شأنه أن يؤجل الانسحاب النهائي إلى الأربعة أو الخمسة أشهر الأخيرة من عام 2011. عند انخفاض مستويات القوات إلى 50 ألف. ويُتَوقع أيضا زيادة أعداد المتعاقدين الأمنيين لـ75 ألف ينشرون في العراق بحلول نهاية الصيف لتولي المهام التي تقوم بها القوات في الوقت الراهن؛ بدءا من أمن القواعد إلى التدريب على الأسلحة المتقدمة.

وأشار مسؤولون عسكريون أميركيون إلى أنهم يتوقعون الإبقاء على وجود بسيط، لكنه سيكون مؤثرا في الوقت ذاته على طول الحدود الإيرانية والسورية التي كانت معبرا لتهريب الأسلحة والمقاتلين إلى داخل العراق. وقد مكنت النقاط الحدودية الصغيرة، على طول الحدود الإيرانية، الجيش من جمع معلومات استخباراتية قيمة، في السنوات الأخيرة، عما تسميه نفوذا إيرانيا خبيثا.

ويقول مسؤولون أميركيون إنهم يخططون أيضا للحفاظ على قوة كبيرة على طول المناطق المتنازع عليها في شمال العراق، حيث أوشكت القوات الموالية للحكومة الكردية الإقليمية ووحدات الجيش العراقي من الدخول في نزاع مسلح في السنوات الأخيرة.

ووصف اللواء تورهان يوسف عبد الرحمن، قائد الشرطة في كركوك، انسحاب الولايات المتحدة بالخطير، مشيرا إلى أن العراق في حاجة إليها الآن وفي المستقبل المنظور» وأضاف «إن رحيلهم سيكون كارثة وتهديدا خطيرا للتجربة الديمقراطية».

يقول مسؤولون عسكريون أميركيون إن القوات العراقية قد تجاوزت التوقعات بشكل عام منذ انسحاب معظم القوات الأميركية من المدن في الصيف الماضي، وقال البريجادير رالف بيكر قائد القوات الأميركية في بغداد «تابعنا قوات الأمن العراقية في إدارة هذه الأمور، وقد قامت بذلك بشكل جيد».

على الرغم من ذلك أعرب بعض القادة العراقيين عن تشاؤمهم من مد الحكومة الفترة الانتقالية، محذرين من أن ذلك يشكل اختبارا لتماسك وولاء الأجهزة الأمنية العراقية.

وقال أحد القادة العراقيين البارزين في بغداد، الذي اشترط عدم الكشف عن هويته حتى يتمكن من الحديث بحرية، عن الشيعة الذين يُتَوقع أن يهيمنوا على الحكومة القادمة: «جميعهم موالون لإيران، فنحن لم نصبح جيشا بعد؛ فنحن لا نمتلك سوى بنادق إيه كيه 47 وسيارات الهامفي».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»