انقطاع الكهرباء يحول حياة العراقيين إلى جحيم

المسؤولون يتذرعون بالجانب الأمني ونقص التخصيصات ويعدون بتحسنها في 2012

حلاق يزاول عمله تحت ضوء الشمعة في محله ببغداد. وأدى انقطاع الكهرباء المستمر إلى توقف الكثير من الأعمال (أ.ب)
TT

يعيش العراقيون هذه الأيام وضعا قاسيا حيث تبلغ ساعات انقطاع التيار أكثر من 6 ساعات مقابل ساعة تشغيل واحدة في معظم المدن والأحياء باستثناء المنطقة الخضراء التي تعيش وضعا خاصا، رغم أن وزارة الكهرباء تقول إن عمليات قطع التيار تستمر لـ12 ساعة مقابل 12 ساعة فقط.

وقال حازم السراي (41 عاما) موظف حكومي «صيف هذا العام بدأ قاسيا علينا جراء الارتفاع الكبير في درجات الحرارة مع غياب شبه تام للتيار الكهربائي في المنازل»، وأضاف «لقد سئمنا وعود الحكومة ويبدو أنها غير قادرة على إنهاء هذا الملف الذي صرفت عليه عشرات المليارات من الدولارات منذ الإطاحة بالنظام السابق حتى الآن.. بعضها اختلسه وزراء سابقون وفروا خارج البلاد والبعض الآخر اختفى في دهاليز الوزارة ويبقى المواطن هو من يدفع الثمن».

وبحسب تقرير لوكالة الأنباء الألمانية فإن مسؤولين عراقيين يعتقدون أن توفير الطاقة الكهربائية للعراقيين خلال الصيف الحالي لن يكون بالمستوى المطلوب بسبب أعمال التخريب المستمرة التي تطال خطوط وأبراج نقل الطاقة الكهربائية، بالإضافة إلى تدني مستويات إنتاج الطاقة الكهربائية في أرجاء البلاد.

ويقول المسؤولون إن «خطوط وأبراج توزيع الطاقة الكهربائية تتعرض بشكل شبه يومي إلى عمليات تخريب بعضها في مناطق سكنية وأخرى في مناطق غير مأهولة في مناطق جبلية وعرة وصحراوية.. مما ينعكس سلبا على توزيع الطاقة ضمن الإمكانات الحالية المتاحة».

وبحسب إحصائيات وزارة الكهرباء العراقية فإن معدل إنتاج الطاقة الكهربائية يبلغ حاليا أكثر من 8 آلاف ميغاوات منها ما يتراوح بين 3500 4000 ميغاوات لمدينة بغداد، فيما تبلغ الحاجة الفعلية للبلاد بحدود 13 ميغاوات، وبالتالي تبقى عملية الانقطاع المنتظم للتيار خلال الصيف الحالي متواصلة رغم ارتفاع درجات الحرارة لمعدلات تجاوز 50 درجة مئوية خلال الشهرين المقبلين.

ويستعين الملايين من العراقيين بمولدات كهربائية صغيرة لسد الحاجة، فضلا عن شراء الكهرباء من مولدات كهربائية يملكها القطاع الخاص بأسعار باهظة، ويتم نقلها عبر شبكة عنكبوتية غير منتظمة من الأسلاك للمنازل تشوه معالم الأحياء السكنية والأبنية الحكومية والمصارف والمحال التجارية والأسواق فضلا عن أن بعضها تسبب ففي اندلاع حرائق كبيرة جراء التوزيع غير المنتظم لها.

وقال محمد جعفر صالح المدير العام لنقل الطاقة الكهربائية بوزارة الكهرباء إن مستويات إنتاج الطاقة الكهربائية حاليا «لا تلبي حاجة البلاد.. وقد أعددنا جدولا لتوزيع الطاقة الكهربائية حسب النسب السكانية لكل مدينة».

وأضاف «هناك نقص في إنتاج الطاقة الكهربائية.. ونأمل أن يكون الإعداد للصيف الحالي أفضل من الأعوام الماضية».

وذكر المسؤول العراقي أن «أبراج نقل الطاقة الكهربائية تتعرض باستمرار لأعمال تخريب.. خصوصا في مناطق شمال وغرب البلاد مما يتسبب في إيقاف نقل الطاقة إلى مناطق واسعة في البلاد، وخصوصا بغداد». وقال «هناك شركات من جنسيات روسية وتركية.. وما زالت الشركات الأجنبية تتحجج بالظرف الأمني رغم تحسن الظروف».

وأضاف صالح «ممكن في عام 2012 أن يلمس المواطن تحسنا كبيرا في إنتاج وتوزيع الطاقة الكهربائية.. ويكون الانقطاع بحدود ساعة واحدة أو ساعتين خلال اليوم الواحد.. أما الآن فالحال هو 12 ساعة انقطاع مقابل 12 ساعة تجهيز». وأردف «مشكلة النقص الكبير في إنتاج الطاقة الكهربائية هي أكبر من حجم الوزارة.. وقد وضعنا خطة منذ عام 2006 لتطوير الطاقة الكهربائية خلال خمس سنوات.. وتم التعاقد مع شركات أجنبية لإنشاء وحدات.. والتخصيصات السنوية للعام الحالي بلغت مليار و100 مليون دولار في حين أن وزارة الكهرباء تحتاج إلى أضعاف هذه المبالغ..».

وأضاف «لقد قدمنا ميزانية إلى وزارة التخطيط قيمتها 10 مليارات دولار للموازنة العامة للعام الحالي.. حصلنا فقط على مليار دولار ضمن الموازنة.. وهي لا تكفي لتنفيذ مشاريع الوزارة في قطاع الإنتاج والنقل والتوزيع.. أعتقد أن المواطن سيلمس تحسنا بالطاقة الكهربائية عام 2012».

ويوجه المواطنون العراقيون الكثير من الانتقادات للحكومة لعجزها عن حل أزمة الكهرباء طوال السنوات التي أعقبت الغزو الأميركي للعراق عام 2003 حيث انخفضت مستويات إنتاج الطاقة الكهربائية إلى أدنى مستوياتها جراء قصف الجيش الأميركي لمحطات الإنتاج وشبكات التوزيع، كما اتسعت أعمال استهداف شبكات وأبراج التوزيع نتيجة اتساع أعمال العنف في البلاد طوال السنوات الماضية وحتى الآن.

وتعد أزمة الكهرباء إحدى كبرى المشكلات التي تواجه العراقيين طوال أيام السنة، وعجزت الحكومات المتعاقبة على حل هذه الأزمة سواء بالقدرات المحلية أو من خلال الاستعانة بالاستثمارات الخارجية مما انعكس سلبا على المستويات المعيشية حيث ترهق عملية شراء الطاقة الكهربائية من القطاع الخاص ميزانية الأسر العراقية، علاوة على توقف المئات من المصانع والشركات العراقية الخاصة.

ويحصل العراق منذ سنوات على كميات من الطاقة الكهربائية من كل من إيران وتركيا وفق عقود أبرمت بينها لحل جانب من هذه الأزمة.

وقال العميد محمد صباح علي مدير عام شرطة الكهرباء «ليس من السهل تأمين الحماية لمنشآت نقل وتوزيع الطاقة الكهربائية لأنها تمتد على مسافة 17 ألف كيلومتر من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب» وأوضح أن «شرطة الكهرباء تضم حاليا 17 ألفا و800 منتسب.. وهم مسؤولون عن حماية 690 هدفا.. منها 66 محطة توليد و131 خط نقل.. (إلى جانب) حماية خطوط التوزيع». وألغت وزارة الكهرباء عقودا كانت أبرمتها خلال السنوات الماضية مع زعماء العشائر التي تمر من خلال مناطقهم منظومات وأبراج نقل الطاقة الكهربائية بغرض حراستها، بعد ورود معلومات أن هؤلاء الشيوخ هم جزء من المشكلة وبالتالي انتفت الحاجة إليهم وتم إنهاء العقود.

وأوضح اللواء الركن كمال سعدي مدير عمليات البنى التحتية بوزارة الدفاع العراقية: «هناك أبراج لنقل الطاقة تتعرض لأعمال تخريب.. وعادة ما تكون بعيدة عن قطاعات الجيش العراقي وقسم منها في أماكن وعرة وجبلية لا تتمكن القطاعات العسكرية من الوصول إليها».

وأضاف «نقوم حاليا ببعض الطلعات الجوية المسلحة ليلا ونهارا لمراقبة الأبراج لأن البعض منها يتعرض للتخريب بعد منتصف الليل.. ونعمل على إخراج كمائن ليلية لتعقب المخربين في المناطق الحرجة والساكنة.. كما نوفر الحماية لفرق الصيانة».

وأشار سعدي إلى ضرورة أن يكون للمواطن «دور في الحد من أعمال التخريب لأن بعض الأبراج يتم تفجيرها بالقرب من منازل المواطنين».