رئيس لجنة التحقيق: قائد الطائرة المنكوبة لم يبلغ عن أي خلل فني فيها قبل تحطمها

«معجزة طرابلس» يرغب في العودة لمنزله بهولندا.. ونجل القذافي يزوره في المستشفى

علي زيدان وزير النقل الليبي يسلم الصندوق الأسود للطائرة لرئيس لجنة التحقيق ناجي الضو خلال مؤتمر صحافي (أ.ف.ب)
TT

وسط انتقادات حادة لعدم إعلان الحكومة الليبية الحداد الرسمي جراء حادث تحطم الطائرة الليبية المنكوبة، التي قتل فيها 103 أشخاص، بدأت لجنة تحقيق دولية عملها في تقصي ملابسات الحادث. فيما علمت «الشرق الأوسط» أن التقرير المبدئي حول الحادث سيصدر اليوم، وسيتضمن أهم مؤشراته.

وذكر مسؤول رفيع المستوى في شركة «الخطوط الجوية الأفريقية» لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف أمس أن هناك تعاونا كاملا بين السلطات الليبية ولجنة التحقيق المشتركة التي تضم خبراء من عدة دول، والشركتين المالكة والصانعة للطائرة المنكوبة.

وقال محمد المشيخي مسؤول العلاقات الدولية بـ«الخطوط الجوية الأفريقية» إن الشركة ملتزمة بنشر نتائج التحقيقات بشفافية، لافتا إلى أنه ليس هناك ما تخشى منه، على حد تعبيره.

وأضاف المشيخي: «سينشر التقرير المبدئي للحادث خلال الأيام القليلة المقبلة، وسيحكي عن مجموعة من المؤشرات فيما يتعلق بتحديد أسباب الحادث وملابسات تحطم الطائرة».

وزاد قائلا: «وصل المحققون من عدة جهات لمباشرة التحقيقات، نعتقد أن النتائج الأولية ستظهر غدا ( اليوم)، علينا انتظار ما ستنتهي إليه هذه اللجنة التي تمارس عملها في ظروف جيدة».

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر ليبية أخرى أن التقرير الذي يؤكد استبعاد فرضية تعرض الطائرة لعمل إرهابي أو تخريبي، سيشير إلى اللحظات الحاسمة قبل سقوط الطائرة التي كان يقودها الكابتن بشير الساعدي، الذي يعتبر واحدا من أبرز الطيارين الليبيين.

إلى ذلك، قال ناجي ضو، رئيس لجنة التحقيق في حادث تحطم الطائرة المنكوبة لوكالة الصحافة الفرنسية أمس، إن قائد الطائرة لم يبلغ عن أي خلل فني في الطائرة قبل تحطمها.

وذكر ضو أن «الطيار لم يبلغ بأي خلل. لآخر لحظة كانت المكالمة بين البرج والطيار عادية ولم يبلغ بأي خلل».

وأضاف «كل ما أستطيع تأكيده الآن هو أن الطائرة اصطدمت بالأرض» قبل أن تصل المدرج، موضحا أن المحققين «منفتحون على كل الخيارات».

وتضم لجنة التحقيق خبيرين فرنسيين من مكتب التحقيق والتحليل وخمسة موظفين في شركة الصناعات الجوية إيرباص إلى جانب محققين ليبيين ومن جنوب أفريقيا ومراقبين هولنديين اثنين.

وقال ضو إن «لجان تحقيق أجنبية أو عالمية تشارك» في التحقيق، موضحا أن «خبراء من الولايات المتحدة سيصلون اليوم لأن المحرك والجهاز المنظم داخل الطائرة من صنع أميركي».

وجرت أول من أمس مراسم تشييع جنازة قائد الطائرة المنكوبة بمقبرة «شط الهنشير» بمدينة طرابلس بحضور عدد كبير من زملائه وأقاربه ولفيف من العاملين بقطاع النقل الجوي من زملائه في الشركات الأخرى، فيما دفن أحد مساعديه أمس على بعد نحو 170 كيلومترا من طرابلس.

وقال الرماح الوتير، المدير التنفيذي لشركة «الخطوط الجوية الأفريقية» لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف، بينما كان عائدا من الجنازة، إن الشركة تمكنت من الخروج من الصدمة الأولى لحادث تحطم الطائرة، وأمورها الآن طبيعية.

وأضاف «بدأنا في دفن أعضاء الطاقم الجوي للطائرة، ونستقبل حاليا أسر الضحايا الذين وصل بعضهم من خارج ليبيا إلى هنا»، لافتا إلى أن الشركة استأنفت نشاطها المعتاد، وقامت بتسيير رحلاتها الجوية وفقا لما هو مخطط لها.

وكانت لجنة التحقيق التي تضم خبراء من شركة «الخطوط الجوية الأفريقية»، والسلطات الليبية، ومحققين من شركة إيرباص المصنعة للطائرة قد بدأت عملها أول من أمس، فيما انضم إليها أمس محققون من هولندا وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة وهيئة الطيران المدني الفرنسي، وفقا لتأكيدات المشيخي لـ«الشرق الأوسط».

وحث محمد زيدان وزير المواصلات والنقل الليبي أعضاء اللجنة على متابعة كل ما له علاقة بالتحقيق من دون استثناءات، ووضع أرقام هواتفه الشخصية، وعنوان بريده الإلكتروني أمام اللجنة للاتصال به في أي وقت.

وأعلن زيدان أنه سيتم منح تصاريح خاصة لأعضاء اللجنة لتفقد موقع الحادث الذي بات يخضع حاليا لحراسة أمنية خوفا من التلاعب فيه.

من جهته، وصف المهندس سيف الإسلام النجل الثاني للزعيم الليبي العقيد معمر القذافي نجاة الطفل الهولندي الذي يخضع حاليا للعناية المركزة بمستشفى الخضراء في طرابلس بأنها آية من آيات الله، ومعجزة من معجزاته.

وزار نجل القذافي الطفل الهولندي، روبن فان أشوت، رفقة مسؤولين من الشركة المالكة للطائرة المنكوبة حيث اطمأن على وضعه الصحي، واستمع إلى شرح من استشاري الجراحة الدكتور محمد راشد، وزير الصحة الليبي الأسبق، ورئيس قسم العظام بالمستشفى، حول العملية الجراحية الناجحة التي أجريت له والرعاية الكاملة التي يتلقاها من الأطباء الليبيين.

وقال مسؤول ليبي لـ«الشرق الأوسط» إن وضع الطفل الهولندي بات جيدا، وإنه يتماثل للشفاء بعد العمليات الجراحية التي خضع لها لتجبير كسور أصيب بها في أطرافه السفلية لدى تحطم الطائرة. وأوضح التقرير الطبي أن وضع الطفل الهولندي الآن بات مطمئنا، مشيرا إلى أن كل المؤشرات الحيوية جيدة، وأن التنفس لديه ليس اصطناعيا (الأكسجين)، ولا يعاني من أي كسور في الجمجمة والعنق ولا من أي نزيف داخلي.

وفي سياق ذلك، قال الطفل الهولندي الناجي إنه لا يستطيع تذكر أي شيء عن الحادث.

وأجرت صحيفة «دي تليغراف» الهولندية مقابلة هاتفية قصيرة مع الطفل روبن الذي يرقد في أحد مستشفيات طرابلس قال فيها: «لا أستطيع تذكر أي شيء.. لا أعرف كيف أتيت إلى هنا؟».

وأضاف روبن، وهو الناجي الوحيد من الحادث، الذي تطلق عليه الصحف الهولندية لقب «معجزة طرابلس» أنه يرغب في العودة لمنزله.

ولم يتم إخبار الطفل حتى الآن بأن والديه وشقيقه الأكبر (11 عاما) الذين كانوا معه على متن الطائرة المنكوبة لقوا حتفهم جميعا. وقال الطفل في المقابلة التي نشرتها الصحيفة أمس إنه يعاني من ألم في قدميه. ووفقا للأطباء في ليبيا فإن روبن يعاني من كسور معقدة في الساق بالإضافة إلى ارتجاج في المخ وإصابات في الظهر. وقالت مصادر وزارة الخارجية الهولندية إن موعد نقل روبن إلى هولندا يتوقف على تقديرات الأطباء الليبيين والهولنديين، مشيرا إلى أن ليبيا وافقت بالفعل على تخصيص طائرة مجهزة طبيا لنقل الطفل.

في الوقت نفسه يستعد زملاء روبن في المدرسة وجيرانه ومعارفه في مدينة تيلبورغ التي يعيش فيها لاستقبال الطفل الذي فقد أسرته الصغيرة في حادث أليم.

وكانت شركة «الخطوط الجوية الأفريقية» قد نعت الضحايا مجددا، ووجهت الشكر لكل من ساهم في البحث والتحري والإنقاذ والخدمات المساندة الأخرى من مختلف الهيئات الليبية، مشيرة إلى أن النخوة والغيرة وإنكار الذات بدت واضحة وجلية في الهبة التي تلت الحادث.

وأعلنت الشركة عن إجمالي عدد الضحايا من الركاب الذين كانوا على متن رحلتها رقم 771 القادمة من جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا إلى طرابلس يوم الأربعاء الماضي، وضمت 67 هولنديا، و13 من جنوب أفريقيا، و4 من بلجيكا، وراكبين من ليبيا والنمسا، وراكب واحد من بريطانيا وألمانيا وزيمبابوي وفرنسا، بالإضافة إلى طاقم الطائرة المكون من 11 شخصا كلهم من ليبيا.

وقالت الشركة في بيان حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه إنه لم يتم بعد التعرف على جثة راكب واحد غير معروف.

ووجهت صحيفة «أويا» التابعة لشركة «الغد للخدمات الإعلامية» المحسوبة بدورها على المهندس سيف الإسلام القذافي انتقادات حادة إلى الحكومة الليبية، وقالت في نسختها الإلكترونية إن التعازي التي انهمرت على ليبيا من جهات عربية ودولية تأتي في وقت لم تنشر فيه اللجنة الشعبية العامة (الحكومة الليبية)، التي يقودها الدكتور البغدادي المحمودي، على موقعها الإلكتروني الرسمي أي تعاز لأسر الضحايا، كما لم تنشر أسماءهم بشكل رسمي حتى الآن.

وقال مصدر إعلامي ليبي بارز لـ«الشرق الأوسط» إن أداء الإعلام الرسمي لم يكن على مستوى الحدث، مشيرا إلى أن الشارع الليبي مستاء من تصرفات الإعلام والحكومة الرسمية.

وأضاف المصدر الذي طلب عدم تعريفه لحساسية منصبه «الإعلام الرسمي لم يشعر المواطنين الليبيين بأن هناك حادثة، فيما ظلت القنوات المسموعة والمرئية تبث غناء ورقصا ورسائل غرام حتى بعد وقوع الحادث».

وتابع «لم يقطع التلفزيون الرسمي إرساله ويذيع الخبر إلا بعد أربع ساعات كاملة، وواصل بث برامج الموسيقى والأغاني».

كما انتقد المصدر نفسه أداء الحكومة الليبية، وتساءل «ماذا تنتظر كي تعتبر من سقطوا ضحايا في الحادث من ليبيا شهداء واجب وتعلن الحداد العام؟».

وفيما تعذر أمس الحصول على تعقيب فوري من علي الكيلاني، رئيس التلفزيون الليبي، قال مصدر حكومي لـ«الشرق الأوسط» إن رئيس الحكومة الليبية كان أول من وصل برفقة محمد حجازي وزير الصحة إلى موقع الحادث.