والد المشتبه به في محاولة تفجير ميدان التايمز «رجل وطني»

المحققون الباكستانيون يفحصون ملفات الأسرة

TT

في أحد الأيام الجميلة في ربيع عام 1976، كتب أحد مدربي الطيران الباكستانيين، الذي كان محبوبا بين المتدربين في القوات الجوية الملكية، في الوقت الذي كان يحلق فيه ضمن تشكيل من الطائرات فوق الريف الإنجليزي، رقم 50 بالعادم المنبعث من الطائرات. كان ذلك اليوم الذكرى الخمسين لميلاد الملكة إليزابيث، وكان إحدى أكثر اللحظات فخرا في حياة بحر الحق.

واليوم، يختبئ بحر الحق - 70 عاما، نائب مارشال جوي متقاعد في القوات الجوية الباكستانية - في شعور من الإذلال والصدمة، ومنعزل في مكان ما في مدينة بيشاور التي تقع شمال غربي البلاد. يواجه نجله الأصغر فيصل شاه زاد الذي يقول أصدقاؤه إن والده أرسله إلى الولايات المتحدة للدراسة والهروب من المشكلات في باكستان، تهمة محاولة تفجير قنبلة في ميدان «التايمز» في نيويورك بمساعدة مسلحين إسلاميين.

يفحص المحققون الباكستانيون حاليا ملفات الأسرة ويستجوبون الجيران. وتدفقت أطقم القنوات التلفزيونية على هذه القرية التي تقع شمال غرب البلاد، والتي نشأ فيها بحر الحق، وتجمهروا أمام منزله في بيشاور. أظهرت البرامج الإخبارية الدولية الوجه الملتحي لنجله مرات ومرات، إلى جانب لقطات للسيارة الرياضية في مانهاتن، التي كانت تحتوي على القنبلة بدائية الصنع.

وقال الحاج شير زادا، أحد المستوردين المتقاعدين وأحد أصدقاء بحر الحق من قديم الأزل، إن بحر الحق «مكتئب للغاية. إنه رجل وطني، وجدير بالاحترام، وعمل جاهدا على أن يصعد نجمه في القوات الجوية ويربي أولاده تربية شريفة. والآن، يتم تشويه سمعة أسرته»، وقال إنه تحدث إليه عبر الهاتف عدة مرات منذ أن تم القبض على نجله الأسبوع الماضي، «وفي كل مرة ترد زوجته على الهاتف، كانت لا تفعل شيئا سوى البكاء». ولم يُدلِ بحر الحق بأي تعليقات، ولم يره أحد منذ الأسبوع الماضي. وقالت السلطات في المقاطعة أول من أمس إنه في «الحبس الوقائي»، لكن الأقارب قالوا إنه وزوجته في مكان منعزل لتجنب الظهور العلني.

وقال الأصدقاء والمعارف وزملاء بحر الحق في القوات الجوية، الذين تم إجراء مقابلات معهم الأسبوع الحالي في عدد من المناطق شمال غرب البلاد وفي إسلام آباد، إنهم لا يفهمون الأفعال التي يُزعم أن نجله فعلها أو احتمالية تحوله إلى المذهب الإسلامي الراديكالي.

ونشأ شاه زاد (30 عاما) في مجتمع مستقر، كان معظم الأفراد به متعلمين والكثيرون منهم كانوا جزءا من العالم العسكري المترابط في باكستان. ونشأ والده، الذي كان طيارا ناجحا، في قرية متواضعة، وصعد إلى أعلى المناصب في القوات الجوية، وسافر في مهمات إلى بريطانيا والمملكة العربية السعودية. وكان عدد من الأعضاء الآخرين في الأسرة ضباطا في القوات الجوية، بما في ذلك جده لأمه. وعلى مر السنين، اكتسب بحر الحق سمعة جيدة كمدرب طيران رائع، وكان يدرب الطيارين الشباب خصوصا على التحليق وغيره من الأعمال المثيرة من الاستعراضات الجوية. وتم دعوته ليدرس في إحدى الأكاديميات الجوية في إنجلترا لعدة سنوات. وربى بحر الحق، الذي يصفه الأصدقاء بأنه أب صارم، أطفاله ليصبحوا مهنيين في المجالات المدنية (يعمل الابن الآخر الأكبر لشاه زاد مهندسا في كندا، وإحدى شقيقاته طبيبة).

وقال بادال خان، أحد أبناء العم ومسؤول مالي في إحدى شركات الهواتف: «كان والد فيصل ليبراليا، ولم يكن متدينا. إننا جميعا مسلمون هنا، لكن لا يوجد متطرفون في مجتمعنا». وقال خان إن بحر الحق لديه «اتصالات مدنية وعسكرية، وكان بإمكانه أن يحصل على وظائف جيدة لأبنائه هنا، لكنه كان قلقا بشأن البيئة في باكستان، وأرسلهم إلى الخارج ليبعدهم عن المشكلات في البلاد. لا نستطيع فهم ما الذي حدث لفيصل هناك». وقال شير زادا باشا، أحد أعمام شاه زاد، إنه إذا كان بحر الحق يشك في أن نجله مضطلع في الأنشطة المتطرفة لكان «قتله في المنزل». وقال أصدقاء آخرون للأسرة إنهم لم يروا شاه زاد كثيرا منذ أن انتقل إلى الولايات المتحدة عندما كان عمره 18 عاما. وعلى مدار العقد التالي، حصل على شهادة إدارة الأعمال، وتزوج، وحصل على وظيفة محلل مالي، واشترى منزلا في ولاية كونيتيكت وأصبح مواطنا أميركيا. وقبل نحو عام، عندما عاد إلى البلاد في زيارة، لاحظ الأصدقاء والأقرباء أنه أطلق لحيته للمرة الأولى. لكن لم يخطر ببال أحد أن ذلك قد يشير إلى أي شيء سيئ.

وقال افتخار أحمد - ضابط متقاعد بالقوات الجوية وابن عم بحر الحق ويعيش في إسلام آباد -: «عندما رأيته وقد أطلق لحيته، لم أرَ شيئا سيئا في ذلك. كنت سعيدا بأنه على الرغم من معيشته في أميركا، فإن علاقته جيدة بالله سبحانه وتعالى ولا يزال يحافظ على تقاليدنا».

وقال أحمد (54 عاما) إنه كان يراقب تنشئة شاه زاد من كثب، ووصف الوالد بأنه رجل «متنور ومستقيم» وربّى أبناءه ليكونوا «متوازنين» في وجهة نظره. وقال أحمد وهو يشعر بالمرارة: «لقد أرسلنا شابا مهذبا وبريئا إلى أميركا. إذا كان حاله قد ساء في أميركا، فلماذا إذن لا توجهون اللوم إلى أميركا بدلا من أن تلوموا أسرته ودولته؟».

وسخر شير زادا وغيره من المقربين إلى الأسرة من الإدعاءات التي وجهها المدعون الأميركيون بأن شاه زاد كان على علاقة بمسلحين باكستانيين ينتمون إلى حركة طالبان وأنه شق طريقه إلى المنطقة القبلية الوعرة وزيرستان الشمالية ليتلقى التدريب على أيدي الإرهابيين. وقال أحد الأقرباء إن الشاب لم يكن يعرف الطريق بعد سنوات طويلة من البقاء خارج البلاد وكان يسافر دوما مع والده لحضور حفلات الزفاف أو مراسم العزاء في الأسرة.

وقال شير زاد: «إذا كان فيصل ذهب إلى وزيرستان ولو لمرة واحدة، وعرفوا هناك أنه نجل مارشال في القوات الجوية، لكانوا اختطفوه وطلبوا فدية بالملايين لإطلاق سراحه».

وأشار أحمد وغيره من العسكريين الذين يعرفون بحر الحق إلى أن القوات المسلحة الباكستانية، وبخاصة القوات الجوية الصغيرة، نظام متماسك وعلى درجة عالية من المهنية. وأعربوا عن تضامنهم مع بحر الحق ووصفوا إلقاء القبض على نجله بأنه مأساة شخصية لا حادثة من شأنها أن تلحق الضرر بالمؤسسات العسكرية في البلاد ككل.

وفي منطقة عثمانزي، مسقط رأس والدة شاه زاد، دعا الأقارب الأسبوع الحالي أن يفك الله كربه. وتُعرف هذه القرية على أنها مركزا للتصوف، وهو المذهب الإسلامي المعتدل. وقال العم باشا إن شاه زاد «لم يكن يميل قط إلى التعصب. أتذكّر أنه كان يرقص مع أبناء عمه من الفتيان والفتيات في حفل زفافه» قبل خمسة أعوام. وقال باشا: «كان شاه زاد يرقص في الكثير من حفلات الزفاف على موسيقى البشتون وعلى الموسيقى ذات الإيقاع السريع، ولم يكن خجولا في يوم من الأيام. والآن عندما أفكر أنه رهن الاعتقال للزعم بأنه يعتنق أفكارا راديكالية، فإنني غير مستعد لتصديق ذلك».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»