فرنسا: أعلى هيئة قضائية تشكك في دستورية منع البرقع بشكل كامل

الحكومة ماضية في مشروعها وتعول على الفوائد السياسية المترتبة عليه

TT

استبق مجلس الدولة الفرنسي، وهو أعلى هيئة قضائية في البلاد وبمثابة مجلس للشورى، طرح الحكومة مشروع قانون منع ارتداء البرقع منعا تاما، بما في ذلك الشوارع والأماكن العامة، منبها إياها من أن قانونا كهذا «لا يرتكز على أي أساس قانوني صلب» وبالتالي يمكن الطعن فيه أمام المجلس الدستوري وأمام المجلس الأوروبي لحقوق الإنسان.

وجاء التحذير قبل أسبوع من عرض مشروع القانون الذي أعدته وزيرة العدل ميشال أليو ماري بالتعاون مع مكتب رئيس الوزراء فرنسوا فيون. ومن المقرر أن يطرح المشروع للمناقشة في جلسة مجلس الوزراء يوم 19 مايو (أيار) الجاري على أن يناقشه مجلس النواب بداية يوليو (تموز) ومجلس الشيوخ في سبتمبر (أيلول) بحيث يصبح نافذا مطلع الخريف القادم.

ونقلت صحيفة «لو فيغارو» في عددها ليوم أمس أن مجلس شورى الدولة ملتئما بحضور كل أعضائه وبحضور أمين عام الحكومة، أبدى رأيا سلبيا إزاء مشروع الحكومة «لأن منع ارتداء البرقع منعا مطلقا وتاما لا يمكن أن يقوم على أي أساس قانوني لا يحتمل النقاش» وبالتالي فإنه «لا يمكن الجزم بتوافقه مع الدستور أو مع الأعراف».

وهذه المرة الثانية التي ينبه فيها مجلس الدولة إلى المنزلق القانوني والدستوري الذي تسير عليه الحكومة. وقد سبق لفرنسوا فيون أن طلب «رأيا استشاريا» من المجلس نهاية العام الماضي وكان الجواب مطابقا لما قرره هذا الأسبوع. ورغم ذلك، أعلن فيون أخيرا أن حكومته «لن تتراجع» وأنها «مستعدة للمخاطرة». والحال أن قانونا كهذا، رغم سهولة توفير أكثرية تصوت لصالحه في مجلسي النواب والشيوخ ورغم تأييد الرأي العام له، يمكن أن يكون موضع نقد من المجلس الدستوري المكلف النظر في تواؤم القوانين مع النصوص الدستورية كما أنه يمكن الطعن فيه أمام مجلس حقوق الإنسان الأوروبي.

وبدل المنع التام والشامل، اقترح مجلس شورى الدولة أن يكون المنع «انتقائيا» حيث يمكن تبريره بالضرورات الأمنية مثل منع ارتداء البرقع في المكاتب الرسمية والمطارات والمحطات والمدارس والمصارف والبريد... غير أن الحكومة تعتبر أن الفائدة السياسية التي يمكن جنيها من إثارة موضوع البرقع أكبر من مخاطر الطعن القانوني. ويرى كثيرون أن إصرار الحكومة على إثارة هذا الموضوع يأتي في إطار المساعي لاستعادة ناخبي اليمين المتطرف الذين هجروا الأكثرية البرلمانية الحاكمة في الانتخابات الإقليمية الماضية مما أدى إلى إنزال هزيمة سياسية كبيرة بها ولأجل تعبئة اليمين التقليدي الموالي للحكومة. ويرى آخرون أن إبقاء جذوة البرقع مشتعلة يراد منها أيضا إلهاء الرأي العام بموضوع «تافه» لينسى سياسة التقشف الحكومية والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المنهارة في فرنسا والسياسة «غير الشعبية» التي سيكون عليها تنفيذها لمحاولة الخروج من صعوبات تدهور القدرة الشرائية وارتفاع الديون العامة والبطالة وتقليص الخدمات الاجتماعية..

وتلجأ الحكومة إلى حجتين رئيسيتين: الأولى أن البرقع ينسف «أسس العيش المشترك» التي تفترض الكشف عن الوجه، كما أنه يعد انتهاكا لكرامة المرأة التي يفرض عليها ارتداء البرقع. ويشير مشروع القانون إلى عوامل أخرى مثل الأمن والنظام. كما أنه يفرض غرامة على المرأة المخالفة ويعاقب بشدة أكبر الرجل الذي يفرض ارتداء البرقع على المرأة زوجة كانت أو ابنة أو أختا.

وكان مجلس النواب صوت بشبه إجماع، في 11 من الشهر الجاري، وبأكثرية ساحقة على «قرار» لا نتائج عملية مترتبة عليه يدين ارتداء البرقع. لكن الحزبين الاشتراكي والشيوعي أعلنا أنهما سيصوتان ضد قانون المنع رغم رفضهما الشديد لظاهرة البرقع التي يعتبرانها «هامشية» ويدعوان إلى الالتزام بما قاله مجلس الدولة. ويتماثل هذا الموقف مع موقف المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الذي يندد بارتداء البرقع باعتباره ليس واجبا دينيا لكنه في الوقت عينه يدعو الحكومة إلى الامتناع عن سن قانون لذلك لأنه سيكون من نتائجه التنديد بالإسلام والمسلمين وإظهارهم بأنهم متطرفون أصوليون.