المكسيك تريد محاربة الجريمة بتسجيل بيانات أصحاب الهواتف

المواطنون يرفضون الخطة.. ويقدمون بسخرية أسماء كبار المسؤولين في الدولة بدلا من أسمائهم

عسكريان يحرسان مكسيكيا كان تعرض للاختطاف، قبل عرضه أمام الصحافيين للرد على أسئلتهم في مدينة تيجوانا في مايو 2009 (أ.ب)
TT

بدت الفكرة جيدة. فسعيا لمكافحة الجريمة المنظمة، خاصة الظاهرة التي يطلق عليها «الاختطاف الافتراضي»، أصدرت الحكومة المكسيكية أوامرها لجميع مالكي هواتف الجوالة في البلاد بتسجيل أسمائهم وأرقامهم وعناوينهم. إلا أنه في إجراء مثير يرمي لإظهار الاعتراض الشعبي، ورغم التهديد بقطع الخدمة، يرفض ملايين من المكسيكيين تقديم بياناتهم الشخصية وذلك لسبب مألوف للغاية في المكسيك: انعدام ثقتهم بالحكومة.

ويفترض أصحاب الهواتف الجوالة الذين تزداد أعدادهم باستمرار ويتنوعون بين سكان مدن تعج بأجهزة «بلاكبيري» وفلاحين يحملون هواتف من طراز «نوكيا» في طريقهم إلى حقولهم. إن المعلومات التي سيقدمونها سينتهي بها الحال لا محالة في أيدي نفس المجرمين الذين يرمي القانون الجديد إلى إحباط مخططاتهم، الأمر الذي سيخلق قائمة بيانات في أيدي المحتالين وعصابات الاختطاف.

من جهته، علق جوزيه أدان إغناسيو روبي سالازار، المشرع الفيدرالي ورئيس لجنة شؤون الاتصالات بمجلس النواب، مؤكدا أن «هذه المخاوف ليست دون أساس». وطبقا لـ«اللجنة الفيدرالية للاتصالات عن بعد»، وهي كيان منفصل، فإنه جرى تسجيل بيانات أصحاب 68 مليون هاتف جوال، لكن تبقى 17 مليونا أخرى دون تسجيل.

ونظرا لرفض أعداد كبيرة من المكسيكيين الإفصاح عن بياناتهم الشخصية، ونظرا للعجز عن التحقق من صحة البيانات التي قدموها، أعرب روبي عن اعتقاده بأن «عملية تسجيل بيانات أصحاب الهواتف الجوالة لا طائل من ورائها مطلقا، من المنظور الأمني».

وبالفعل، أعلن الكثيرون أن مشروع «السجل الوطني لمستخدمي الهواتف الجوالة» مني بإخفاق تام. وما يزال الغموض يكتنف مستقبله. ومع ذلك، حمل هذا المشروع لواء أهداف نبيلة، فمن خلال إنهاء الغموض الذي يغلف هوية أصحاب الهواتف الجوالة، وعدت السلطات بمكافحة جريمة الاختطاف الافتراضي المتفاقمة والتي تشير إلى الاتصال هاتفيا بضحايا للادعاء كذبا أن أحد الأقارب تعرض للاختطاف، ويطالب المتورطون في الابتزاز، من الضحايا دفع مبلغ مالي فوري عبر تحويل مصرفي أو تمكينهم من الدخول إلى حساباتهم المصرفية.

وغالبا ما تصاحب هذه المكالمات الزائفة أصوات مكتومة تئن من الخوف أو تنشد المساعدة. وعادة ما يجري استغلال السجون المكسيكية كمراكز اتصال لإجراء مثل تلك الاتصالات الهاتفية من قبل عصابات ابتزاز بتواطؤ من جانب حراس يوفرون للمجرمين الهواتف ويحصلون على نسبة من أموال الفدية مقابل ذلك. يذكر أنه خلال غارة شنتها الأسبوع الماضي داخل سجن في جاليسكو، عثرت السلطات على مسدسات ورشاشات و70 هاتفا جوالا مع مسجونين.

في هذا الإطار، أوضح لورينزو مير، المؤرخ لدى «كوليدج أوف مكسيكو» وأحد أبرز المحللين السياسيين والاجتماعيين على مستوى البلاد، أن «هذا الأمر ربما يؤتي نتائج مرعبة وذلك بالنظر إلى مناخ العنف الذي نحيا فيه. ودائما ما يساورنا القلق بشأن أبنائنا، ونحتاج إلى الاتصال بهم يوميا، ولو لدقيقة واحدة».

ويرى مير أن إخفاق مشروع إنشاء سجل لمستخدمي الهواتف الجوالة نابع من رحم الفساد، مؤكدا أن المكسيك تملك الأفكار والقدرات اللازمة لمحاربة الجريمة، لكن الابتزاز المنظم أثار الخوف في نفوس المواطنين إزاء التعاون مع السلطات.

بناء على شكاوى تلقاها خط ساخن، نفذ المجرمون أكثر من 120 ألف محاولة ابتزاز عبر الهاتف العام الماضي، طبقا لما ذكرته مجموعة ضغط تدعى «مجلس المواطنين للأمن العام». وفي المتوسط، يبلغ المال المطلوب 250 دولارا. إلا أن فيرناندو رويز كانالز، من «مجلس القانون وحقوق الإنسان»، وهي منظمة مستقلة معنية بالفساد والجريمة، نوه بأرقام أعلى، حيث أشار إلى أن مثل هذه الاتصالات الهاتفية تتجاوز 6.000 اتصال يوميا. ونوهت المنظمة بأن معظم هذه الاتصالات الإجرامية تجري من أرقام هواتف تخص مكسيكو سيتي.

ويقدر رويز أن ما يزيد على مليون اسم من الأسماء الواردة في سجل الهواتف الجوالة مزورة. وعلق على هذا بقوله: «إن هذه بلاد يمكنك بسهولة بالغة فيها إثبات أنك جوان بيريس رغم أنك في الواقع لست جوان بيريس». واستطرد بأن هناك تلالا من الشهادات الجامعية وشهادات الميلاد ورخص القيادة المزورة. وقال إن فكرة إنشاء سجل كانت جيدة، لكن أسيء تنفيذها.

وتعبيرا عن الرفض، عمد الآلاف إلى الاستهزاء بالحكومة وتسجيل هواتفهم الجوالة بأسماء سياسيين بارزين ومسؤولين مشاهير بمجال فرض القانون. في أبريل (نيسان) الماضي، كان هناك 5.200 هاتف جوال مسجل باسم الرئيس فيليب كالديرون.

وفي هذا السياق، تباهت نورا روفالكابا غاميز، عضو البرلمان من ولاية أغواسكالينتس، أنها سجلت العديد من الهواتف الجوالة بأسماء مزورة، بما فيها أسماء لتجار مخدرات معروفين والنائب العام. ووصفت روفالكابا المكسيك بأنها «جنة» لمنتحلي الهويات الذين نادرا ما تجري محاكمتهم، وإنما بدلا من ذلك ينغمسون في ارتكاب جرائم عبر شبكة الإنترنت بالاعتماد على معلومات شخصية تتدفق عليهم من جانب مؤسسات مكسيكية رسمية فاسدة.

ومع ضغط الحكومة على المواطنين كي يسجلوا هواتفهم الجوالة، بعثت صحيفة «إل يونيفرسال» مراسلا لها إلى سوق سوداء شهيرة في مكسيكو سيتي تعرف باسم «تيبيتو» حيث فوجئ أنه مقابل 12 ألف دولار بمقدور أي شخص شراء كامل البيانات الخاصة بكل ناخب مسجل رسميا داخل المكسيك، وهي بيانات تضم الاسم والعنوان وتاريخ الميلاد ورخصة القيادة وأرقام التأمين الاجتماعي. وقال البائعون إن أفضل عملائهم يضمون عملاء لعصابات الجريمة المنظمة ومن الشرطة.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»