المالكي: ليس لدينا عداوات مع علاوي أو الأكراد أو «الائتلاف».. لكننا نرفض التهديد بالعنف

رئيس الوزراء العراقي في حوار مع «الشرق الأوسط» : لست دكتاتورا وأتحدى خصومي أن يثبتوا علي مخالفة

رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي متحدثا لـ«الشرق الأوسط»
TT

بدا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي هادئا جدا وواثقا وهو يتحدث عن تجربة السنوات الأربع التي مرت على عمر حكومته المنتهية ولايتها، معترفا بحق الآخرين في تشكيل الحكومة القادمة معه وفق مبدأ الشراكة الوطنية.

كما أعلن المالكي، الذي يخوض معركة شرسة من أجل التجديد له لولاية ثانية بعد الانتخابات النيابية التي جرت في السابع من مارس (آذار) الماضي، عن استعداده للقاء بخصمه إياد علاوي، رئيس الوزراء الأسبق وزعيم القائمة العراقية، مؤكدا أن الترويج لخلافات أو عداوات بينهما نوع من «الهلوسة» يحاول الآخرون إثارتها لخلق المشكلات. كما أعلن المالكي، زعيم كتلة «دولة القانون» التي تضم حزب الدعوة الذي يرأسه، بالإضافة إلى قوى أخرى، عن استعداده وللمرة الأولى لدعم أي مرشح يمكنه الحصول على قبول كتلته والكتل الباقية ويحقق الأغلبية البرلمانية، وأنه سيعتبره «صاحب الحق الدستوري»، مؤكدا أن «الخطوط الحمراء» مبدأ مرفوض بالنسبة للجميع.

وقال المالكي، الذي يعزو الاستقرار النسبي الذي تتمتع به بغداد إلى حكومته، في حوار خص به «الشرق الأوسط» بمكتبه في بغداد، إنه «لا سجون سرية في العراق وإن جميع السجون والمعتقلات الخاصة بالتحقيقات الأولية تحت إشراف وزارة العدل، وإن من يروج لتلك الأحاديث هو من يعتقد أن كل المعتقلين في العراق أبرياء، وربما مجاهدون»، مؤكدا أنه لم يلتق بأي طرف من «المقاومة العراقية». وفيما يلي نص الحوار:

*رحلة السنوات الأربع من عمر حكومتكم.. ما أوجه الإخفاقات فيها وما أوجه النجاح؟ - وإن كانت هذه المسألة يمكن أن تترك للمراقب والمشاهد، لكن معرفة حجم النجاحات التي تحققت يمكن تشخيصه من خلال المقارنة بين الوضع الحالي وما كانت عليه الأوضاع حين تسلمنا الحكومة. لقد تسلمنا البلاد مجزأة ومشطورة طائفيا وقوميا، والطرقات مقطعة لأسباب طائفية. كان العراقيون مرعوبين إلى أقصى درجات الرعب، وكان هناك تراجع في الخدمات، وكانت علاقات العراق بالمحيط الخارجي مقطوعة.. وغير ذلك من أوضاع متدهورة يصعب حصرها. هكذا كانت الصورة التي عليها العراق آنذاك، أما اليوم فالصورة مغايرة كثيرا، على الرغم من أننا لا نستطيع القول إن كل الأهداف التي نريد قد تمكنا من تحقيقها، وما زلنا في حاجة إلى الوقوف بحزم في وجه الطائفية إن حاولت أن تطل برأسها مرة أخرى، وقد تجاوزنا الكثير على هذا الطريق واستطعنا تأهيل الأنفس، لكن المشوار لم يكتمل بعد. النجاح الأكبر هو أننا قضينا على الطائفية واستطعنا أن نؤكد أن الحكومة حكومة العراقيين؛ ليست حكومة الشيعة أو السنة، وقد وقفنا في وجه المتطرفين الشيعة كما وقفنا في وجه أمثالهم من السنة، وكان هدفنا المواطنة والمواطن في إدارة الدولة، وقد حققنا الشيء الكثير في هذا الجانب. أما بالنسبة للمحافظات، فقد تحرك الاقتصاد والإعمار فيها وبدأنا بتنفيذ عقود الكهرباء والماء وعملنا في الجانب الخدمي. وعلاقاتنا مع دول الجوار قد تحسنت كثيرا وقد سرنا في هذا الأمر، خاصة مع الدول العربية، وقد أعادت بعض الدول سفراءها ونأمل أن يعود الجميع قريبا.

والقوات الدولية في العراق تحولت إلى قوات أميركية على الأرض العراقية، وبهدوء وحكمة تم عقد اتفاقية سحب القوات بين البلدين لتنظيم انسحاب القوات الأميركية من البلاد، وكانت هذه الاتفاقية رسالة واضحة لكل العالم بأن الوجود الأميركي على أرض العراق الذي سينتهي بنهاية عام 2011 هو وجود مؤقت يشبه الوجود الأميركي في بلدان أخرى كاليابان وكوريا وألمانيا وغيرها، مع فارق لصالح العراق، وهو أنه وجود مؤقت وبشروط أفضل، من خلال اتفاقية تنسجم مع المصالح الوطنية وتتفوق بمراعاتها للجوانب الوطنية والسيادية، من اتفاقيات أخرى مع دول أخرى. باختصار، فإن المسيرة كانت ناجحة وفي الاتجاه الصحيح، وما زلنا ماضين بالقوة والعزيمة نفسها، وسنعمل على تذليل الصعاب وترحيل الأهداف حتى يتحقق العراق الآمن المستقر وتبنى دولة المؤسسات.

* لكن العلاقات العراقية - العربية شهدت تراجعا مع بعض الدول مثل السعودية وسورية، وصلت في بعض الأحيان إلى توجيه الاتهامات بالتورط في التفجيرات والتدخل في الشأن الداخلي العراقي.. هل من المؤمل أن تتطور تلك العلاقات في المرحلة المقبلة؟ - بالتأكيد، برنامجنا المقبل استكمال لما بدأناه في مختلف المجالات، خاصة في علاقاتنا مع الدول العربية. لقد ورثنا علاقات متدهورة وعدائية مع أكثر دول العالم، ومنها الدول العربية، بسبب سياسات النظام المقبور، لكن عزيمتنا هي الوصول إلى أفضل العلاقات وإلغاء كل تلك المعوقات والحساسيات التي ربما أوجدتها ظروف استثنائية مر بها البلد وتعرض خلالها لهجمات إرهابية فظيعة، وربما استخدم هؤلاء أحيانا دول الجوار كممر لتنفيذ جرائمهم. لكننا لم نتهم الحكومات؛ بل إن هناك منظمات استخدمت أراضي تلك الدول وكان هناك اختراق وتلاعب وطلبنا من الدول التعاون لمنع تلك المنظمات من استخدام أراضيها، وقد أصبح واضحا للجميع وفي طليعتهم الدول العربية الشقيقة أن مصلحتنا ومصلحة الجميع هي في مكافحة العنف والإرهاب والتطرف، لأنه لم يدخر فرصة في أي دولة من الدول إلا واستهدفها، وأعتقد أن العلاقات مع الدول العربية مؤهلة لانطلاقة قوية وستكون أفضل بكثير مع تجاوز كل مظاهر الخلاف والحساسية، وسنكون سعداء بعودة سفراء الدول العربية إلى العراق، لأن بعض تلك الدول لم تسم سفراءها إلى الآن في بغداد.

* بالنسبة لتشكيل الحكومة، هناك خلافات بينكم وبين زعيم القائمة العراقية إياد علاوي، وعلى الرغم من تحالفكم مع الائتلاف الوطني العراقي الذي يقوده المجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم، فإن هناك خلافات مع هؤلاء الشركاء، فكيف تواجهون كل ذلك؟

- نحن حديثو عهد بالديمقراطية، وما زالت الأخطار تحيط بنا. إن ما يجري من اتصالات وتحركات شيء طبيعي، ومن لا يعتبره طبيعيا، فإنه يريد القفز على الواقع. أجرينا الانتخابات وسيتم تشكيل الحكومة، وهذا واقع لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه، لأن القفز عليه يعني تعريض الواقع للانهيار. إن الانتخابات جرت في أجواء قانونية، والطعون وجهت عبر القضاء ولم توجه سياسيا، وقرار المحكمة الاتحادية بإعادة العد والفرز قانوني، وتفسيرها حول الكتلة النيابية الأكبر قانوني. وأنا أجد من الطبيعي أن الطعون التي قدمت من 76 كيانا ينبغي أن لا تهمل، لأنها ستبقى جرحا ينزف، وتؤشر إلى أن تلاعبا قد حصل، وحتى لا يقال صرنا نعمل في ظل حكومة مزورة سواء تغيرت النتائج أم لم تتغير، إعادة الفرز هي تطمين الناخبين والشارع العراقي. إن محاولات البعض رفض السير بالطرق القانونية وتعريف ما الكتلة الأكبر والإصرار على الحق الدستوري ورفض تفسير المحكمة الاتحادية، هو تعقيد لما يجري ومحاولة ليّ ذراع القانون والدستور، وهي مضرة، وعلينا أن نسلم بالقضاء وقرارات الهيئات القضائية. أما ما يشاع عن وجود خلافات فإنه كلام غير دقيق، ليس لدي خلافات شخصية مع أي من الشخصيات السياسية، لدينا خلافات في وجهات النظر. وما الضير في هذه الخلافات؟ بالنتيجة لا يمكن لأي عاقل أن يؤسس لحكومة ولبلد مستقل بكتلة واحدة قائمة بذاتها، الجميع لديه الحق في بناء البلد، والساحة العراقية مفتوحة ومعرضة لمختلف أنواع التلاعب التي تصور الخلافات وكأنها عداوات. ليس هناك عداوات مع الدكتور علاوي أو مع «الائتلاف» أو «العراقية» أو التحالف الكردستاني، ولكن الخلل الذي لا نقبله هو التهديد بالعنف وقلب العملية السياسية وغير ذلك. ما المانع من الاختلاف؟ فالجميع يسهمون في تشكيل الحكومة، ولا يمنع هذا الأمر أن نختلف ونتعامل بمودة وأخوة في هذا المجال أو ذاك.. نختلف ولكن لا يهدد بعضنا بعضا بالعنف أو قلب العملية السياسية، وسنشترك في تكوين الحكومة سواء من الكتل الاجتماعية أو الكتل السياسية وفق برنامج فاعل لإبعاد شبح العداوات والتهديدات والحرب الطائفية التي لن يكون لها عودة حتى لو حاول البعض إثارتها.

* ولماذا كلما اقترب اللقاء بينكم وبين زعيم «العراقية» يؤجل؟ - ولماذا لا؟ أنا أعجب لهذا الحديث المتشنج من بعض الأطراف تتناقله بعض المحطات والفضائيات والصحف، وكأن اللقاء مشكلة كونية صعبة وخارجة عن المألوف؟ ليس بيننا وبين الدكتور إياد علاوي أي خلاف، فهو شريك في العملية السياسية، ليس بيننا عداوة، وكنت قد وجهت له دعوة قبل عام تقريبا لم تتحقق بسبب السفر. ليس لدي أي عداء مع أي شخص آخر. إن عدائي مع كل الذين يخربون العراق الديمقراطي وأعتز بأن لدي اتصالات مع الشركاء، ومنهم القائمة العراقية، وإن الاتصالات مع الإخوة في «العراقية» مستمرة ومتواصلة يوميا، نجلس ونتباحث ونقول هذا يكون.. وهذا أصيل.. وهذا فرعي.. وغيرها من الأمور، ونحن نرحب بلقاء بيننا وبين الدكتور علاوي، وأن لا يكون لقاء مجاملة. سنجلس ونتحاور، وربما سيكون هناك لقاء مشترك بين القائمة العراقية والائتلاف الوطني ودولة القانون، والاتصالات جارية لعقد لقاء مع الأخ علاوي للتباحث في الشأن الوطني لاستكمال الحوار مع بقية الشركاء.

* لقائمتكم «دولة القانون» مرشح واحد هو المالكي.. هل يمكن لكم التنازل مع وجود اعتراضات على ترشيحكم من أطراف مختلفة؟ - ما يتردد لديكم من خطوط حمراء نحن نرفضه مبدئيا بالنسبة للجميع. إن ما يقال هلوسة من بعض الأطراف التي تريد خلق مشكلة، أو إن المشكلة موجودة. إن القضية ليست تنازل المالكي، إن القضية قضية وطن ومسؤولية وبرنامج. المالكي لديه كتلة من 90 مقعدا وهذا يعني قاعدة شعبية واتجاها متجذرا في الرأي العام لا يمكن إهماله أو إرغامه على شيء لا يقبله، خاصة مع عدم وجود مرشح آخر لديه. القضية تدور الآن حول الحوارات التي ستفرزها هذه المرحلة وما ستفرزه هذه الحوارات والعلاقات، ونحن لا نفرض المالكي أو غيره على الآخرين، والمرشح الذي سيكون، بغض النظر عن اسمه، هو الذي ستفرزه الحوارات. وإذا طرحت الأطراف الأخرى مرشحا مقبولا سنرحب به، لكن إلى الآن لم تطرح المكونات الأخرى أي مرشح، وإذا ما اتفقوا على مرشحين آخرين سنقول كلمتنا ونرحب بهم كمرشحين منافسين، شريطة أن يحصل المرشح المقبول على العدد المطلوب من الأصوات وأن يشكل الكتلة البرلمانية الأكبر. نحن نرحب به إذا استطاع أن يشكل هذه الكتلة البرلمانية وحصل على أعلى الأصوات التي يمكنه من خلالها أن يشكل الحكومة وسنرحب به ونعتبره صاحب الحق الدستوري وندعمه.

* يقال إنكم تنفردون بالقرارات؟ وأنت تقول إنكم دولة ديمقراطية. فهل الكلام عن الديكتاتورية استهداف لشخصكم وهل الحديث عن التردي الأمني جزء من هذا الاستهداف؟ - قال لي مرة أحد السفراء إنه عندما تولى المالكي رئاسة الوزراء قالوا إنه ضعيف، حتى صار قويا بفرض النظام والأمن والقانون، قالوا عنه ديكتاتور. فهل المالكي دكتاتور أم ضعيف؟ أنا لا أحب الخوض في هذا الموضوع، لكن من الطبيعي أن خصوم المالكي يتهمونه بمختلف التهم؛ منها أنه متفرد ودكتاتور وليس لديه شراكة أو لا يسمح بالشراكة. إن هذه المسألة يحددها السادة الوزراء، نحن نتخذ القرارات وفق مبدأ الشراكة في الحكم، وأنا أكثرهم التزاما، وقلت لهم أنا أتحداكم أن تثبتوا علي مخالفة للدستور، أنا أكثركم، لن أخالف الدستور. إنها مسألة طبيعية أن لا يتحدث الخصوم بكلمات تنصف المالكي، وأنا أتحداهم أن يجدوا أي ثغرة فيها مخالفة لمبدأ الديمقراطية والشراكة. المالكي بيده الجيش والشرطة ولديه قائمة انتخابية ولأول مرة في تاريخ الانتخابات في العالم تشتكي القائمة الحكومية من التلاعب ضدها وتقدم الطعون، وكان في إمكان المالكي أن يملأ كل الصناديق وفق مبدأ السيطرة من قبل الجيش والشرطة بما يريد ويفوز فوزا ساحقا. هل هناك ديمقراطية أكثر من أن تقدم الحكومة شكواها ضد المعارضة؟ يوميا يوجه لنا الانتقاد والكلام عبر الفضائيات؛ بعضه كلام بناء وكثير منه فيه تجاوز، وفي إمكان الحكومة أن تقاضيهم، لكننا لم نتصرف بهذا الشكل وقلنا إنهم حديثو عهد بالديمقراطية وسيتعلمون يوما مبادئ الحرية الصحيحة.

* لو توليتم الحكومة لأربع سنوات قادمة؛ ما برنامجكم الحكومي؟ أم إنه استكمال لبرنامج سابق؟

- حتما سيكون استكمالا لما بدأناه، لقد قطعنا أشواطا في برامج سابقة؛ منها المصالحة الوطنية التي نريد استكمالها، ومنها النعرة الطائفية التي نريد القضاء عليها وعلى الميليشيات والعصابات، وبسط القانون، وبناء مؤسسات الدولة، والسياسة الخارجية، وإصلاح العلاقات مع دول العالم والدول العربية، وحل كل المشكلات العالقة مع دول الجوار. ليس لدينا برنامج جديد؛ بل نريد مواصلة العملية التي بدأناها وحققنا في بعض المحاور منها تقدما كبيرا، وفي محاور أخرى أقل، وسنعمل على توظيف ما اكتسبناه من خبرة في تعزيز عملنا في المرحلة القادمة.

* هل تؤشر أخطاء المرحلة التي توليتم فيها الحكم إلى أوراق خاصة قد لا يعلمها حتى مستشاروكم؟ - ليس لدي أسرار أدونها ولا يعلم بها أحد من الوزراء والمستشارين، لكني كنت أظن أن موضوع المشاعر الطائفية قد ولى من دون رجعة وحلت محله دولة المواطنة وليست دولة الطوائف، «لكن» ظهر لي أن البعض ما زال يفكر فيها ويتحرك على ضوئها، وعلينا إعادة النظر في الآليات المعتمدة أو تصحيح ما هو خطأ منها. يبدو أن الأمر لا ينتهي بسنة أو سنتين أو دورة حكومية واحدة؛ العملية تحتاج لأكثر من دورة للخروج من المحاصصة الطائفية، والعملية تستحق التفكير للتوصل إلى آلية تخرجنا بسرعة من هذه المرحلة.

* لاحظنا وفق التصريحات المعلنة أن قضية المحاصصة وتوزيع المهام في الحكومة القادمة ما زالت مستمرة.. يقال رئاسة الجمهورية للأكراد ورئاسة الوزراء للشيعة، والنواب للسنة. كم تحتاجون من وقت للخروج من هذا التقسيم الطائفي؟

- قلنا إننا كنا نعتقد أننا خرجنا أو أننا مؤهلون للخروج من دولة المحاصصة إلى دولة المواطنة، وبصراحة لم يتحقق هذا الأمر، لكننا لم نعد إلى نقطة الصفر. نحن نتحدث الآن عن دولة الشراكة، وهناك فرق بين المحاصصة والشراكة. إن العراق ما زال يحتاج إلى الشراكة لطمأنة الناس من خلال إشراكهم في الحكومة وعدم إقصائهم أو تهميشهم. فحكومة الشراكة تختلف عن المحاصصة. إن المهم في حكومة الشراكة أن لا يشعر مكون معين بأنه مبعد عن الحكومة، ولكن ليس على طريقة حساب الأرقام والأشخاص وإملاء المرشحين لشغل المناصب الوزارية، فالكل موجود مع وجود فسحة لرئيس الحكومة لاختيار وزرائه وأن لا تملي عليه الكتل مرشحيها بغض النظر عن إمكاناتهم وبرامجهم التي قد تتناقض أحيانا مع برامج رئيس الحكومة. فمثلا نريد أن ننتقل من اقتصاد مركزي إلى اقتصاد حر وسوق مفتوح. وعلى هذا، يجب أن يكون الفريق الذي يقود الاقتصاد في البلاد مؤمنا بهذا النهج وساعيا لتطبيقه.

* ولماذا أخذ على الحكومات العراقية أنها تهدم ما بناه الآخرون.. لماذا لا يكون لدى العراق دولة مؤسسات يبني فيها الجديد على ما خلفه السابق؟ - ائتلاف دولة القانون اعتمد بناء دولة المؤسسات، وهو مصر على مواصلة النهج نفسه، ومن هنا يأتي إصراره على مرشحه من أجل استكمال البرنامج الذي بدأه، أي بناء دولة المؤسسات ومنحها فرصة أخرى لتحقيق الجزء الآخر من البرنامج. وعلى الذي يأتي أن يبدأ من حيث انتهى الآخرون، ونحن اليوم نبحث مع أحد الخبراء لتكليف شركة دولية لإعادة النظر في هيكلية الدولة ومؤسساتها التي نراها متقاطعة ومترهلة وروتينية، والمواطن هو من يدفع الثمن. بداية أوجدنا هيئة المستشارين. وكان المستشارون منفردين، وما يقال عن أن المالكي لديه عدد كبير من المستشارين هو حديث باطل. لدينا هيئة مستشارين يترأسها السيد ثامر الغضبان، وهو وزير نفط في حكومة الدكتور علاوي، وكذلك مركز الشفافية ورابطة المفتشين في دوائر الدولة، وهي مؤسسات تعنى بمحاربة الروتين. ومن الضروري أن لا يقوم من يأتي بعدنا بهدم ما بنيناه.

* في قضية السجون السرية والاتهامات الموجهة لحكومتكم حولها، نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي أشار إليها قبل أن تنشر في وسائل الإعلام. هل فعلا هناك سجون سرية؟ وهل هناك معتقلون تحت سياط الحكومة بعيدا عن وزارة العدل؟ - من الطبيعي جدا أن يشير الأستاذ طارق الهاشمي إلى وجود سجون سرية ومعتقلين ومعذبين وأبرياء، لأنه ينطلق من المعارضة لا من الشراكة في الحكومة التي هو جزء منها. نقول بكل وضوح إنه ليست هناك سجون سرية، وإن السجون خاضعة للتفتيش من قبل الصليب الأحمر وتحت إشراف وزارة العدل، والذين يعتقلون، يعتقلون بأوامر قضائية. لكن المهم أن نعرف أن الاتهام سهل، وحتى السجن الواحد، وهو ما بناه الأميركان في مطار المثنى، بني على أنه «موقف» توضع فيه بعض العناصر الخطيرة من كل المحافظات حيث تستكمل معهم إجراءات التحقيق لتحويلهم إلى القضاء. وكيف يكون سريا وفيه خمسة محققين واثنان من القضاة وهو تابع لوزارة الدفاع قبل نقله إلى وزارة العدل وفق قانون العقوبات العسكرية؟ وعندما تمت زيارة هذا «الموقف» لم يجد أحد فيه سوى المعاملات بعد أن تم ترحيل أصحابه إلى سجن التسفيرات لاستكمال معاملاتهم والنظر في قضاياهم تباعا هناك. إن كل السجون والمعتقلات التي تجري فيها التحقيقات تحت إشراف وزارة العدل وحتى «معسكر الشرف» (داخل المنطقة الخضراء) زاره السفراء ووجدوه ضمن المواصفات وأصدروا تقريرا حول الأمر، وكذلك ذهبوا إلى سجن المثنى ولم يجدوا فيه أحدا، ونتمنى على من يقول هذا الكلام أن يأتي بدليل واحد على وجود سجن سري واحد، ونحن استكملنا كل الإجراءات لنقل حتى مراكز التحقيقات والسجون إلى وزارة العدل.

* إذن من وراء هذا الكلام؟ - الذين يعارضون الديمقراطية.

* من يعارض الديمقراطية؟

- كثيرون الذين ما زالت في أذهانهم الديكتاتورية، والذين يبررون قتل الناس.. الذين يقولون إن كل معتقل في العراق بريء، والذين يعتقدون أن قتل الأبرياء جهاد. ولا أدري من يقتل ويذبح طائفيا إذا كان كل المعتقلين أبرياء؟

* هل التقيتم بالمقاومة العراقية؟ - كمنظمات مسلحة ومقاومة ليس لي معهم لقاء. لكن هناك عناصر من «القاعدة»، منهم أحد الشيوخ ومفتي في هذا التنظيم التقيتهم، كما التقيت بعناصر منهم صاروا في تنظيمات الصحوات. أما كمقاومة فلا.

* ما تصورك عن تنظيم القاعدة؟ - «القاعدة» ليس لها مستقبل في العراق، وهي تعاني معاناة شديدة هنا، خاصة أن الناس اكتشفوا أن عناصر «القاعدة» يعتدون على الناس، وهم قتلة ومجرمون، وليس أدل على ذلك من انتفاضة أهل الأنبار ومناطق أخرى عندما اكتشفوا أمرهم وأنهم ليسوا بمجاهدين فانقلبوا عليهم. «القاعدة» لن يكون لها مستقبل. تلقت مؤخرا ضربات موجعة.

* والهجمات الأخيرة؟ - هي محاولات إثبات وجود في البصرة وفي بابل، وهي محاولة إثبات وجود. تريد «القاعدة» أن تقول إن لها في العراق شيئا وجزءا من هذه الهجمات، هم تنظيمات البعثيين الذين ما زالوا يفكرون في عودة الوضع السابق.

* هل كنتم تحلمون في يوم ما أن تصبحوا في موقع رئيس الوزراء؟ - كلمة حلم كبيرة جدا، لكن في مقتبل العمر عندما كنا نرى الظواهر في أول وعينا الشبابي عند نكسة حزيران (يونيو) المشؤومة وما أصاب الأمة العربية من انتكاسة استفزت جميع فئات الشباب، راودتني فكرة الدفاع ومواجهة التجاوزات التي استفزت فينا مشاعر الشباب، كنت حينها في السابعة عشرة من العمر.. كنت أبحث عن محاولات لمواجهة هذه التجاوزات والاعتداءات على الشرفاء، ومنها أيضا محاولة لإيقاف تجاوز البعثيين على الشرفاء. أما أن أكون رئيس الوزراء فلا.

* أول يوم جلست فيه على الكرسي الحكومي، هل شعرت بأن المكان مكانك؟

- لقد تعرضت لضغوط من كثير من الشركاء والأصدقاء وكنت أرفض «المنصب» لأسباب كثيرة. كان لدي عمل وبرنامج في البرلمان العراقي ومؤسسات اجتماعية وحزب الدعوة، وكنت منصرفا لتلك الاتجاهات، ولكني استجبت وتسلمت الموقع، وكان يوما ثقيلا جدا، لأن المنصب يحتاج إلى استعدادات، وأن التصدي للوضع في العراق فيه تحد كبير وثقل أكبر، وكان الوضع في العراق منهارا، فمن يقبل على مثل هذا وضع في بلد مثل العراق؟ لقد وطنت النفس على تحمل المسؤولية ووجدت كثيرا من السياسيين يريد أن يقف لمواجهة هذا التحدي، مما خفف وطأة هذا الوضع.

* ذكرتم أنكم بدأتم في كتابة مذكراتكم..

- لا ليست مذكرات شاملة. إنها مواقف تستحق التوقف عندها كما أعتقد، وهي كثيرة. أحاول أن أدونها ليذكرها الجميع من بعدنا، وكذلك أكتب بعض المواقف والأحداث المهمة التي تشكل منعطفات حادة في تجربتنا الحافلة بالصعوبات والتحديات الخطيرة.

* هل تعرضتم لمحاولات اغتيال؟ - عمليا لم يحدث شيء، لكن أبلغنا عن محاولات اغتيال عن طريق الأجهزة الأمنية.

* هل تلتزمون بالتعليمات الأمنية في تلك المحاولات؟ - لا، لا نلتزم.