الجيش الأميركي: «الطريقة النقشبندية» تهدد الأمن شمال العراق أكثر من «القاعدة»

مسؤول عسكري أميركي: التنظيم أكثر تنسيقا.. وأغلب عناصره ضباط سابقون

TT

من الناحية الفنية، أنهى الجنود الأميركيون قتالهم داخل العراق، ولكن يمكنهم الرد حال تعرضهم لهجوم، وهو ما يحدث بصورة متكررة داخل هذه القرية التي يوجد فيها مزارعو قمح وشعير، بالإضافة إلى عدد مزعج من المتمردين البعثيين.

وفي الوقت الذي تستعد فيه القوات الأميركية داخل كافة المناطق العراقية تقريبا للانسحاب، يقاتل الجنود هنا فيما تبدو وكأنها المعركة الأميركية الأخيرة في حرب استغرقت سبعة أعوام. ويقول الكابتن روسول توماس، قائد سرية ألفا بالكتيبة الأولى التابعة للواء الثاني بالفرقة الثالثة مشاة: «إنهم يهاجمون الأميركيين فقط».

وربما يهاجمون الأميركيين فقط في الوقت الحالي، ولكن مع انسحاب كافة القوات المقاتلة من العراق المخطط أن يتم بحلول نهاية أغسطس (آب)، يشعر قادة عسكريون بالقلق من أن هذه المنطقة بشمال العراق تظهر احتمالية ظهور تمرد سني بعد رحيل الأميركيين، يتزعمه موالون سابقون لصدام حسين يريدون الإطاحة بالحكومة المركزية التي تسيطر عليها الشيعة.

ويرى البعض داخل الجيش الأميركي أن المتمردين في هذه المنطقة، ويطلق عليهم «رجال جيش الطريقة النقشبندية»، يطرحون تهديدا على المدى الطويل للاستقرار داخل العراق يفوق تهديد تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين»، الذي قُتل زعيمه أخيرًا على يد القوات الأميركية والعراقية بمكان ليس بعيدًا عن هذه القرية.

ويقول ليفتينانت كولونيل مايكل مارتي، وهو ضابط استخبارات في الفرقة الثالثة مشاة، إن التنظيم لديه هيكل شبه عسكري أكثر تناسقا من تنظيم القاعدة، حيث إن الكثير منهم ضباط سابقون.

ويخشى ضباط الجيش الأميركي أنه بمجرد رحيل الأميركيين سيتحول هؤلاء المتمردون إلى الهجوم على العراقيين. ويقول الكثير من الخبراء إن هذه الاحتمالية تزداد إذا لم تعط الأغلبية الشيعية في العراق السنة دورا مهما في الحكومة الجديدة التي يجري تشكيلها داخل بغداد، علما بأن السنة كان يسيطرون على مقاليد الأمور إبان صدام حسين على الرغم من أنهم أقلية داخل العراق. ويقول الكولونيل مارتي: «هناك رغبة في العودة إلى ذلك الوضع».

وداخل معظم العراق، تمثل الشرطة والجيش العراقي الوجه المنظور للأمن بعد أن خرج الأميركيون من الصورة. ولكن ليس هذا هو الحال هنا، فعندما غادرت الوحدات الأميركية مراكز المدن في يونيو (حزيران) الماضي، اضطلعت بدور استشاري وأخذت تقدم تدريبات إلى القوات الأمنية العراقية، ونادرا ما ترد على هجمات ويتم ذلك بناء على طلب من العراقيين وحدهم.

وداخل هذه القرية، يوجد عدد أقل من القوات الأمنية العراقية بالمقارنة مع أي مكان آخر داخل العراق، ويلعب الأميركيون دورا في شوارع وأزقة هذه القرية أكبر من دورهم في الكثير من المناطق داخل العراق.

ويقول ليفتينانت كولونيل ريتشارد كوفمان، قائد الكتيبة الأولى بفوج المدرعات 64 التابع للواء الثاني بالفرقة الثالثة مشاة: «لا توجد كتيبة أخرى داخل العراق حاليا تواجه هذا القتال الشديد».

وخلال الأسابيع الأخيرة أعلن الجيش الأميركي أن الكثير من الشخصيات البارزة في تنظيم القاعدة قتلوا في شمال العراق، وكان ذلك ثمرة عمليات مشتركة بين العراقيين والأميركيين. وأعلن الجيش أن أحد هذه الشخصيات البارزة، أبو صهيب، قد قتلته القوات الأمنية العراقية. وفي الواقع، فإنه طبقا لليفتينانت كولونيل مايكل جاسون، ضابط عمليات اللواء باللواء الثاني بالفرقة الثالثة مشاة بالقرب من الموصل، فإن وحدة أميركية أطلقت النيران من مركبة قتال «برادلي» لتقتل أبو صهيب. وخلال رسالة عبر البريد الإليكتروني، كتب ممثل للجيش الأميركي: «على الرغم من أن مركبات قتال (برادلي) كانت حاضرة وقدمت تغطية من خلال إطلاق النيران، يبدو أن نيرانا مباشرة من القوات الأمنية العراقية هي التي قتلت أبو صهيب». وتوضح العمليات أن الأميركيين لهم دور في عمليات قتالية هنا أكبر من أي مكان آخر داخل العراق. ووفقا للاتفاقية الأمنية، يمكن أن يتحرك الأميركيون من جانب واحد لحماية أنفسهم. وفي غير ذلك يطلب منهم العمل مع القوات الأمنية العراقية أو بناء على طلبهم.

وعلى ضوء المخاطر الموجودة هنا، فإن هذا الجزء من الاتفاقية يكتنفه غموض من ناحية التطبيق. ويقول الكابتن توماس (28 عاما) من إيغل ليك بولاية تكساس: «كنت أحسب أنه لن نكون قادرين على الذهاب إلى أي مكان آخر من دون وجود مركبة عراقية معنا».

وفي الأغلب، يمكن أن يقف مجموعة من الجنود الأميركيين يقومون بدورية لالتقاط جندي عراقي من قرية قريبة لاصطحابهم، أو يتواصلون مع ضابط شرطة داخل القرية. وبعد سبعة أعوام من الحرب، فهذه هي الصورة التي تبدو عليها الأيام الأخيرة من المهمة القتالية بالنسبة لهؤلاء الجنود الأميركيين: مزيج معقد من القتال وإعادة البناء والاستعداد للانسحاب مع وجود تهديد نشط مستمر.

وفي الظلام، يقبع رماة بالقرب من ساتر ترابي على طول خط سكة حديدية يراقبون مواقع يضع فيها مسلحون قنابل. وفي النهار، يقوم الجنود بزيارة نقاط تفتيش الشرطة العراقية ويستجوبون السائقين ويفتشون الشاحنات أملا في أن يقلق وجودهم المسلحين الذين يطلقون قذائف هاون على موقعهم. ويقول الكولونيل كوفمان: «نحن الكتيبة التي لا تنام أبدا». وخلال دورية قاموا بها أخيرا، قاموا بتوزيع منح صغيرة على أنشطة تجارية محلية، مثل 1000 دولار إلى مخبز أو متجر. وخلال دورية أخرى ساروا عبر القرية، ووقفوا عند منزل شخص يشتبه في أنه من المتمردين. وخلال نفس الدورية قاموا بزيارة عمال يقومون ببناء مدرجات لملعب كرة قدم.

ومع ذلك، فإن وجودهم داخل القرية يخدم هدفا أكثر إلحاحا. ويقول الكابتن توماس: «تطلق علينا قذائف هاون في الليل، وأعتقد أن ذلك سوف يتحول إلى وقت النهار. ويجعلهم ذلك يعرفون أن وقت النهار غير مناسب للقيام بذلك». ومنذ أن وصلت السرية في نوفمبر (تشرين الثاني)، وهي تواجه هجمات، مثل قذائف هاون وقنابل مزروعة على جوانب الطرق وهجمات باستخدام أسلحة رشاشة، بمعدل هجوم كل يومين أو ثلاثة. ولم يقتل أي جندي، ولكن يعالج أحد الجنود في مركز ولتر ريد الطبي داخل واشنطن بسبب جراح أصابته، وقتل جنديان من نفس الكتيبة ولكن من سرية مختلفة في قاعدة شرق المكان الشهر الماضي عندما انفجرت قنبلة مزروعة على جانب الطريق في مركبتهم.

ويقول الجنود إنهم يرون نشاطا أكثر مما توقعوا، بالمقارنة مع أي مكان آخر داخل العراق، فهناك يشعر الجنود الشباب بالإحباط لأنهم لم يختبروا القتال. وحصل البعض على نجوم برونزية لعملية في الليل قتلوا خلالها متمردين بينما كانوا يزرعون قنابل على جانب الطريق. وبالنسبة لنحو 40 في المائة من السرية، فهذه هي المرة الأولى التي يخدمون فيها داخل العراق. ولكن بالنسبة لأحدهم، هذه هي المرة الخامسة. ويعلق سيرجينت مارك نورفليت (30 عاما) من نيوتاون بألاباما، على الإخطار الذي جاءه حول المهمة الحالية: «قيل لنا إنه ستكون مثل بعثة حفظ سلام، ولكن لا يوجد سلام داخل العراق».

*خدمة «نيويروك تايمز»