ظاهرة التسول تتزايد في قطاع غزة

مع استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية

TT

كانت مظاهر التذمر تبدو على وجه حسان (28 عاما) الموظف في إحدى الدوائر الحكومية، وهو يغادر فرع الرمال في البنك العربي في مدينة غزة. استوقفته إحدى النساء المتسولات تتوسل إليه أن يدفع لها أي مبلغ من المال، داعية له أن يحفظ الله أولاده إلى غير ذلك من الدعاء. ولم يكن بد أمام حسان الذي خاب أمله للتو عندما اكتشف أنه لم يتم تحويل راتبه الشهري سوى أن أعطاها قطعة نقدية من فئة الشيكلين، قبل أن ينصرف صوب شارع عمر المختار الذي يقسم المدينة إلى قسمين.

كان حسان واحدا ضمن قائمة كبيرة من المراجعين الذين حاولت هذه السيدة التأثير عليهم لتقديم الصدقات إليها. كما لم تكن هذه السيدة هي المتسولة الوحيدة في المدينة أو بالأحرى في شارع عمر المختار، إذ على طول مقطع الشارع المؤدي لفرع البنك ينتشر عدد من المتسولين الذين يتبعون تكتيكات شتى في استعطاف الناس. فأحدهم يعرض على المارة أوراقا يزعم أنها تثبت أنه يعاني من فشل كلوي أو سرطان، وبعضهم يجلس والجبس يغطي رجليه أو يديه، وآخر يعرض طفلا يعاني من إعاقة ما.

وظاهرة التسول ليست جديدة على قطاع غزة، فقد كانت دوما موجودة جراء الأوضاع الاقتصادية التي كانت دوما سيئة، إلا أن حجم هذه الظاهرة يتفاوت من فترة إلى أخرى. لكن مما لا شك فيه أنها لم تصل في يوم من الأيام إلى الحجم التي هي عليه الآن.

وهناك أماكن محددة يوجد فيها المتسولون، فعلى سبيل المثال تعتبر البنوك «مواقع استراتيجية» يتنافس المتسولون والمتسولات على السيطرة على أماكن محددة فيها تكون قريبة من المدخل المؤدي إلى مقر البنك. وتشكل المساجد وتحديدا الكبيرة منها، وتلك الموجودة في مناطق يسود انطباع بأن سكانها من ميسوري الحال، مثل مسجد الكنز الذي يقع في حي الرمال.

ولا يكتفي بعض المتسولين بالوقوف خارج المسجد في انتظار خروج المصلين، بل إنهم لا يترددون إزاء استغلال انتهاء صلاة الجماعة ليقفوا أمام الناس ويتحدثوا بأعلى أصواتهم عن معاناتهم، ويطالبوا بتقديم يد العون لهم.

فبعد صلاة ظهر يوم الخميس الماضي وفي مصلى يحرص أصحاب المحلات التجارية وسط حي الرمال على أداء الصلاة فيه، لم يتحمل أحد المصلين قيام أحد المتسولين بالحديث مباشرة للمصلين، بينما كان بعضهم يؤدي صلاة ركعتي السنة، فنهره وطلب منه الانصراف لتشويشه على الناس، لكن المتسول لم يستجب بل أكمل نداءه قبل أن ينصرف إلى الخارج لكي يجمع ما يمكن جمعه من الصدقات.

وفي بعض مناطق القطاع تعمل نساء متسولات كمجموعة تحت إمرة إحداهن. ففي محيط ميدان فلسطين وسط مدينة غزة ينتشر عدد من النسوة في الشوارع الرئيسية والفرعية المؤدية للميدان، يتحركن من مكان إلى آخر، وفق تعليمات تصدرها إليهن سيدة أخرى تجلس في موقع متميز وكاشف. وفي نهاية اليوم تقوم هذه السيدة بتوزيع ما يصفنه بالغلة بالتساوي.

وفي أحيان أخرى يأخذ التسول مظهر الاحتيال. فقد تفاجأ بشاب في مقتبل العمر حسن الهندام، يوقفك ويروي قصته وهي كيف فقد ما لديه من مال ويريد العودة إلى منزله في أقصى جنوب القطاع، وفي نهاية الرواية يستعطفك أن تعطيه مالا ليتمكن من العودة.

ويقول محمد إبراهيم العقاد، وهو خبير اجتماعي، إن ظاهرة التسول تفاقمت وانتشرت مع ازدياد معاناة الشعب الفلسطيني من خلال الحصار الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي على الضفة الغربية وقطاع غزة بعد الانتخابات التشريعية.

أما الدكتور رأفت العوضي، مدير المركز الفلسطيني للتدريب والدراسات (ابدأ)، فيتوقع أن تزداد ظاهرة التسول إذا لم توضع الحلول الجذرية لإنهائها، مشيرا إلى أنها كانت محدودة في الأعوام الماضية، بينما انتشرت وأصبحت ظاهرة تعودت أعين الفلسطينيين على رؤيتها صباح مساء، مؤكدا ضرورة سن قوانين تمنع تلك الظاهرة ومعاقبة مرتكبيها، بعد توفير مصدر رزق يستطيع رب الأسرة أن ينتج من خلاله وأن يكون فعالا في المجتمع.

ودعا العوضي إلى فتح مصانع في الأراضي المحررة تستوعب عشرات الآلاف من العاطلين عن العمل، والإسراع في إعادة تشغيل مطار وميناء غزة، لا سيما أن هذين المشروعين قادران على استيعاب أكثر من عشرين ألف عامل. واللافت أن الشرطة الفلسطينية في غزة قد اتخذت في الماضي إجراءات ضد ظاهرة التسول، لكن الظاهرة عادت لتطفو على السطح مجددا، علاوة على أن تعطيل المجلس التشريعي قلص إلى حد ما من قدرته على سن القوانين التي تحد من هذه الظاهرة.