جدل وتجاذب سياسي في بيروت حول ما سيقوله الحريري في واشنطن

رئيس الحكومة يزور السعودية وسورية أولا ردا على الحملات.. والنائب قباني: سيكون واضحا فيما يتعلق بـ«الثوابت»

الرئيس اللبناني ميشال سليمان خلال اجتماعه مع وزير الدفاع الفرنسي هيرفيه موران في بعبدا أمس (رويترز)
TT

اختار رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أن يبدأ زيارته إلى واشنطن من البوابة العربية بزيارتين سريعتين إلى السعودية وسورية، في رد غير مباشر على الحملات التي تشن في بيروت ضد رحلته الأميركية، التي استمرت على هيئة «شروط» تراها الأطراف المعنية، وتحديدا حزب الله في ما سيقوله رئيس الحكومة الذي نصحه أحد نواب الحزب أمس بعدم السفر آلاف الأميال وراء «صداقات ليست بصداقات»، معتبرا أن «الأولى بنا أن نقطع كيلومترات قليلة لنعمق علاقات الأخوة والتعاون والتنسيق مع سورية». وأتى الإعلان غير الرسمي لزيارة الحريري كرد غير مباشر على حملة تسريبات إعلامية حول «توتر» في علاقته مع دمشق التي قال عضو كتلة الحريري النائب محمد قباني أمس إن «الحكمة تقضي بأن يتم التشاور مع دمشق دائما، خصوصا في ضوء زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى واشنطن».

وقال قباني إن «رئيس الحكومة يريد أن يبلغ الدول العربية بالموقف اللبناني خصوصا في ما يتعلق بالتهديدات الإسرائيلية كما يريد أن يسمع الرأي العربي في موضوع الصراع العربي الإسرائيلي». وأكد قباني أن «الرئيس الحريري سيكون واضحا في زيارة واشنطن بالنسبة للثوابت، فهو منذ تسلمه رئاسة الحكومة أوضح وأضاء على الثوابت اللبنانية ومنها موضوع الصراع العربي - الإسرائيلي وعلاقته بالمقاومة». وفي المقابل لفت عضو كتلة حزب الله النائب علي المقداد إلى أن رئيس الحكومة سعد الحريري هو رئيس وزراء كل لبنان والحكومة التي تبنت البيان الوزاري الذي ينص البند السادس منه على حق لبنان في الدفاع عن أرضه شعبا ومقاومة وجيشا.

وفي معرض رده على سؤال حول زيارة الحريري إلى واشنطن وما قاله عضو كتلة الحريري عقاب صقر من أن رئيس الحكومة سيقول في واشنطن ما يقوله في لبنان، قال المقداد: «لا شك لدينا بأن الحريري سيقول في أميركا ما يقوله ويفعله اليوم في لبنان». ولفت إلى «إننا لا نطالبه بشيء بل هناك البيان الوزاري الذي التزمت به الحكومة، ونحن لا نذكره لأن الحريري دائما في باله حماية لبنان واستقراره ومقاومته». وعما إذا كان يتوقع نتائج لزيارة واشنطن، شدد المقداد أنه من واجب رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أن يتعاطى مع الجميع وأن ينقل صوت لبنان إلى المحافل الدولية والعربية وخصوصا الولايات المتحدة. وأشار إلى أن ذلك أمر طبيعي في السياسة، وشدد على أن أي شيء يستثمر لحماية لبنان ومصالحه واستقلاله نحن معه.

وشدد عضو كتلة حزب الله النائب نواف الموسوي على أن هدف السياسة الأميركية في لبنان هو تقويض المقاومة، لأن ليس لدى الولايات المتحدة من هدف في هذه المنطقة سوى حماية أمن إسرائيل بعد حماية مصالحها النفطية. وإذ أكد أن الإدارة الأميركية «لا يمكن أن تكون صديقة للبنان»، لفت إلى أن ما يتحدث عنه البعض من مساعدة الإدارة الأميركية للقوى الأمنية اللبنانية ليس إلا مسعى أميركيا لتغيير العقيدة الأمنية والعسكرية للقوات المسلحة اللبنانية. وقال الموسوي إن الموقف الذي يتلاءم مع المصلحة اللبنانية في وجه السياسة الأميركية هو التمسك بثوابت مقاومة الاحتلال والعدوان الإسرائيليين، ولفت إلى أنه لا يمكن الدفاع عن لبنان بالانصياع للرغبات الأميركية لأن ذلك يجر على اللبنانيين الانقسام ولا يدرأ عنهم العدوان الإسرائيلي. وأشار إلى أنه «لذلك إذا أردنا أن نفتش عن حماية لبنان فهي في التضامن الشعبي المقاوم مع الجيش اللبناني في مواجهة العدوان، أما إذا ذهبنا نفتش عن صداقات فإن هذه الصداقات لا تبرم مع الإدارة الأميركية، حليفة العدو، وإنما يجب أن تكون مع من وقف إلى جانب لبنان في معركة التحرير كسورية وإيران، لذا، وبدل أن نقطع آلاف الأميال وراء صداقات ليست بصداقات، فإن الأولى بنا أن نقطع كيلومترات قليلة لنعمق علاقات الأخوة والتعاون والتنسيق مع سورية، لما في ذلك من مصلحة اقتصادية وعسكرية وأمنية للبنان»، وشدد على وجوب أن «تتجه الجهود نحو تعزيز العلاقة مع سورية وتنقيتها من الشوائب التي تعلق بها من وقت إلى آخر بسبب سوء أداء لمصرح هنا أو لمسؤول هناك، وهو ما يصب في مصلحة لبنان». ونقل رئيس تيار التوحيد الوزير السابق وئام وهاب المقرب من حزب الله، عن رئيس الوزراء السوري محمد ناجي العطري أن «لقاءه مع الرئيس الحريري سيكون في الثلث الثالث من هذا الشهر». ولفت وهاب إلى أن «السوري ليس قلقا هذه الأيام بل مرتاح البال حيال ملفاته وخصوصا بعد زيارة الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف إلى دمشق، وبالتالي سورية غير مهتمة إلى أين يتوجه سعد الحريري». وأضاف: «ليس لدي معلومات تقول إن الأميركيين لديهم مشروع في لبنان كما كان الأمر في عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش».

وأشار منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعيد إلى أن «رئيس الحكومة سعد الحريري يحمل هم حماية لبنان مما يجري في المنطقة من استحقاقات آتية»، مشددا على وجوب أن «يومن رئيس الحكومة حماية لبنان من خلال زياراته الخارجية». وأضاف: «سعد الحريري قوي في زيارته إلى واشنطن اليوم، وحماية لبنان تتم باحترام ثلاث مرجعيات، وهي اتفاقية الطائف، والمبادرة العربية للسلام، ومقررات الشرعية الدولية وعلى رأسها الـ1701 و1559».

ورأى السفير السابق جوني عبدو أن «الأثمان التي تدفع من أجل الاستقرار في لبنان لا يستهان بها ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري مستعد لدفع هذه الأثمان»، معتبرا أنه «من الطبيعي أن تهاجم زيارة الرئيس الحريري إلى واشنطن، ولكن هذه التهجمات لن توصل إلى مكان». وفي كلمة ألقاها خلال الاحتفال الذي أقامته الجامعة الانطونية بمناسبة عيد سيدة الزروع، والذكرى السنوية الرابعة عشرة لتأسيسها تحدث الحريري عن «العيش المشترك في لبنان، بصفته قيمة وقيمة سياسية تحديدا». وقال: «في انتخابات بيروت البلدية الأخيرة، تعلمون جميعا أننا في هذه المناسبة لم يكن للائحة التي دعمناها أي منافسة تذكر. في الواقع، كانت هذه اللائحة تتنافس وبكلام أوضح، بكلام صريح، كنا نحن نتنافس، بما نمثله من إرث سياسي ومشروع سياسي مع كل ما يناقض العيش المشترك في بيروت، وبصفتها العاصمة، على امتداد الوطن». مشيرا إلى أن «هذه المنافسة لم تكن مع لائحة ولم تكن مع فريق سياسي بل كانت مع كل النوازع والغرائز مع كل الشعارات الطائفية والمذهبية ومع كل ما من شأنه أن يعرض المناصفة، المناصفة التامة، بين المسيحيين والمسلمين إلى خلل أو اهتزاز». وأضاف: «وعندما أتحدث عن المناصفة، لا أعنيها تنازلا عدديا من طائفة لأخرى، بل أتحدث عنها وأعمل لتكريسها بصفتها من واجبات المسلمين تجاه المسيحيين في لبنان، تماما كما هي من واجبات المسيحيين تجاه المسلمين في لبنان، بغض النظر عن الأعداد، ليبقى لبنان.. لبنان. فالمسلم اللبناني، من دون هذه المناصفة، لا يعود لبنانيا، تماما كما أن المسيحي اللبناني يفقد لبنانيته، من دونها». وشدد الحريري على أن «ضرورة الحفاظ على قيمة العيش المشترك للحفاظ على لبنان، باتت اليوم تتعدى لبنان، ومن شأن نجاحنا في ذلك، أن يؤثر على عالمنا العربي، على العالم أجمع. ففي وقت يشهد العالم كله، ردة خطيرة نحو الأصوليات، نحو الانغلاق، نحو التزمت، نحو التعصب، نحو الانعزال، يكاد وطننا الصغير، بمدنه وبلداته وقراه، بمؤسساته الوطنية والمجتمعية وبمؤسساته التربوية، يمثل في نظري آخر واحات الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار والاختلاط ومد الجسور بين الأديان والثقافات والبشر».