صوت سياسي حاد على موجات الـ«إف إم» في العراق

«برنامج المهدي» ينتقد إخفاقات النظام السياسي والرشوة وانتشار درجات الدكتوراه المشكوك فيها بين السياسيين

TT

صعد هادي المهدي، وهو الرجل الذي قد يطلق عليه اسم «راش ليمبو» العراق، السلم إلى إحدى استوديوهات الإذاعة في فيلا تم تحويلها إلى محطة إذاعية بجانب نهر دجلة. وفي إصرار، قال: «اليوم سندافع عن السنة».

وقد فعل ذلك المهدي، وهو رجل شيعي متزوج من امرأة كردية، على مدار الساعة التالية. وفي صوت ساخر ورنان، سخر من العملية الغامضة التي جرى فيها استبعاد المرشحين السنة في الانتخابات الأخيرة في العراق، وقال إنها بمثابة اعتداء على الديمقراطية متعددة الأعراق والمذاهب التي من المفترض أن ينشئها العراق.

وفي وقت الغروب في أحد الأيام في بغداد، أدان المهدي كلا من الرجل الذي يقف وراء هذه الاستبعادات «إنه رجل أمي»، ورئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي «هل هناك غِراء في مقعدك؟»، والخصم الرئيسي للمالكي في الانتخابات، إياد علاوي، ووزراء التعليم والكهرباء «هذا البرلمان القذر»، وبقية المسؤولين العراقيين «الذين يعيشون في المنطقة الخضراء، بينما تعيش أسرتك في الخارج».

وأضاف: «من في طريقه إلى الموت؟ هل هو نجلك؟».

يعد البرنامج الذي يقدمه المهدي - «يا سامعين الصوت» على إذاعة «ديموزي»، تردد 104.1 على موجة «إف إم» - برنامجا شعبيا يذاع ثلاث مرات أسبوعيا، ويتحدث حول الإخفاقات في النظام الديمقراطي المكتمل الأركان في العراق، وأحد الأوضاع التي قادت إليها الإطاحة بصدام حسين.

ولا يعد هذا البرنامج هو البرنامج الإذاعي الحواري الوحيد في العراق، لكن يمكن القول إنه واحد من أكثر ممارسات حرية التعبير إثارة في مكان لا تزال القيود فيه في مرحلة الإنشاء. وحسب بعض التقارير، يعد هذا البرنامج أحد البرامج الأكثر شعبية التي تذاع على الهواء في بغداد. ومن دون شك، إنه ممتع للغاية.

«لقد قالوا لي لا تتحدث حول السياسة»، هكذا قال المهدي في برنامج آخر بعدما دخل مدير المحطة بهدوء إلى الاستوديو أثناء فاصل موسيقي (ولم يقل شيئا من هذا القبيل حول تجنب السياسة».

وأردف قائلا: «لقد أرسلوا لي ملحوظة. ما هو الشيء الذي من المفترض أن أتحدث عنه؟ حول أمي؟!».

وانتقد بشدة بعد ذلك الحالة المزرية للتعليم العالي، والفساد والرشوة التي زحفت إلى الجامعات، والنفوذ الطائفي وانتشار درجات الدكتوراه المشكوك فيها بين السياسيين، بما في ذلك شهادة الدكتوراه التي جرى منحها لدراسة خطابات صدام حسين.

وقال: «يدعونهم بألقاب الدكتور، لكن ما هو الشيء الذي يمكنهم تعليمه الآن؟».

ويعد المهدي (44 عاما) رجلا كثير الكلام، وكاتبا مسرحيا ومخرج أفلام ويكتب مقالات استفزازية تسببت من قبل في الزج به إلى السجن، ثم نفيه بعد ذلك إبان حكم صدام حسين.

وفي الوقت الذي كان فيه حزب البعث يسيطر على كل شيء في البلاد، كانت لديه الجرأة لتقديم مسرحية في مهرجان عام من دون الحصول على موافقة الرقابة أولا. وفي الواقع، قدم سيناريو مختلفا تماما.

وأطلق على مسرحيته اسم «وداعا، أيها العالم القديم الغريب». لقد كانت رواية عراقية لكتاب «الأمير» لمكيافيللي.

وقال وهو يدخن في المطبخ في الفيلا قبل برنامج آخر: «عندما أتذكرها الآن، أشعر وكأنني كنت مجنونا. أي جحيم كنت أفكر فيه؟!».

يذكر أنه جرى إلقاء القبض عليه، وعلى سبعة آخرين، وقضوا ستة أشهر في السجن إلى أن طالب اتحاد المسرح بالإفراج عنهم لأنهم صغار في السن ولا يتسببون في أي ضرر. ولا يزال المهدي يعاني من آلام في الظهر جراء الاستجوابات.

أتم المهدي دراسته في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد عام 1989، وسافر إلى سورية (حيث عاش لفترة قصيرة في المبنى نفسه الذي كان المالكي يسكن فيه)، ثم اتجه إلى السويد، حيث عمل في المحطات الإذاعية والقنوات التلفزيونية العربية.

إنه على نحو لافت ليس لديه أي شعور بالمرارة، مثل الكثير من العراقيين الذين عانوا في ظل حكم صدام حسين. وعندما كان في سن المراهقة أثناء الحرب مع إيران في ثمانينات القرن الماضي، أمر بحضور تنفيذ حكم الإعدام ضد مجموعة من الخائنين في استاد لكرة القدم. وكان من بين هؤلاء الأفراد شقيقه البالغ من العمر 30 عاما حينها.

* شاركت في هذا التقرير ياسمين موسى

* «نيويورك تايمز»