دبلوماسية البرازيل تجاه إيران مصدر قلق لمسؤولين أميركيين

وزير الخارجية البرازيلي: محادثات طهران تمثل محاولة لمنع تكرار أخطاء العراق مرة أخرى

TT

بينما يتجه الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا إلى طهران اليوم ليقوم بما ينظر إليه عدد كبير من الدبلوماسيين الغربيين على أنه محاولة أخيرة لإقناع إيران بتقليل سقف طموحاتها النووية، يعرب مسؤولون داخل واشنطن عن مخاوف من أن تعود هذه المحاولة بنتائج عكسية، ومن أن تمكّن الجمهورية الإسلامية من إعاقة الولايات المتحدة وحلفائها في سعيهم لفرض عقوبات، أو تعطلهم على الأقل.

ومن المقرر أن يناقش دا سيلفا هذه القضية اليوم مع نظيره الإيراني محمود أحمدي نجاد. وتأتي هذه الرحلة في لحظة دبلوماسية حساسة. وبعد أشهر من المفاوضات، قال مسؤولون أميركيون يوم الخميس إن الولايات المتحدة كانت على وشك ضمان دعم مجلس الأمن لقرار بفرض عقوبات على إيران. وحذرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون من أن أحمدي نجاد ربما يستغل محادثات مع البرازيل للحصول على وقت لتقترب إيران من إنتاج سلاح نووي. وقالت أول من أمس (الجمعة) «لن يصلنا رد جدي من الإيرانيين قبل أن يتحرك مجلس الأمن».

وتعارض البرازيل فرض العقوبات، وترى أنها خطوة غير فعالة وربما تعزز الخلاف. وكدولة نامية دافعت عن طموحاتها النووية ضد ضغوط دولية، ترى البرازيل أن ظروفها تشبه ظروف إيران. وقال سيلسو أموريم، وزير الخارجية البرازيلي الذي كان يمثل بلاده لدى الأمم المتحدة عندما استخدمت أدلة غير مقنعة من أجل تبرير موقفها إزاء العراق، إن محادثات طهران تمثل محاولة لمنع حدوث ذلك مرة أخرى.

ويقول محللون إن هذه المحاولة ليست خالية من الأغراض الشخصية، ويرون أن دا سيلفا يعتبر المحادثات الإيرانية وسيلة للوقوف ضد النفوذ الأميركي وتعزيز ظهور البرازيل كلاعب مهم على الساحة الدولية. وفي إطار هذا الدور الجديد، الذي يعتمد بدرجة كبيرة على مكانة البرازيل كأكبر اقتصاد داخل أميركا الجنوبية، يتحدى الرئيس دا سيلفا الولايات المتحدة في كل شيء، بدءا من التجارة والتغير المناخي، وصولا إلى الانقلاب الذي وقع العام الماضي داخل هندوراس والحظر الذي تفرضه واشنطن منذ وقت طويل على كوبا.

لكن، أدى النزاع القائم بشأن إيران إلى خلاف غير مألوف، ويخشى مسؤولون برازيليون من أن العجز عن تحقيق تقدم في محادثات نهاية الأسبوع الحالي يمكن أن يجعل الرئيس دا سيلفا يبدو كشخص تعوزه الخبرة ويعوق سعي البرازيل للحصول على مقعد دائم بمجلس الأمن. ويتساءل منتقدون داخل البرازيل عن السبب الذي جعل دا سيلفا يقبل على الإيرانيين خلال الأشهر الأخيرة ويخاطر بالابتعاد عن الولايات المتحدة.

ويقول مايكل شيفتر، رئيس «الحوار الأميركي البيني»، وهي منظمة بحثية تتخذ من واشنطن مقرا لها «يوجد شعور داخل واشنطن بأن جزءا كبيرا من ذلك مرده ثقة لولا الكبيرة في نفسه، لدرجة أنه يعتبر نفسه ساحرا يمكنه تحقيق معجزات وإنجاز ما حاول الآخرون القيام به وفشلوا فيه». ويوم الجمعة، كانت هذه الثقة واضحة عندما قال الرئيس دا سيلفا للصحافيين في موسكو إن فرص نجاحه تبلغ 9.9 من 10. وخلال المؤتمر الصحافي نفسه، قال الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف إن فرص الرئيس البرازيلي تبلغ 30 في المائة. وفي مطلع الأسبوع، وبخ دا سيلفا الدول الأقوى في العالم على التلفزيون البرازيلي، وقال إنه لم يقم أي من رؤساء الدول التي تدفع بقوة من أجل العقوبات بحوار مباشر مع أحمدي نجاد. وتساءل دا سيلفا «لماذا لا يتصل (الرئيس الأميركي باراك) أوباما بأحمدي نجاد؟» «أو (الفرنسي نيكولا) ساركوزي أو (المستشارة الألمانية) أنجيلا ميركل أو (رئيس الوزراء البريطاني المنتهية ولايته) غوردن براون». وتدعم فرنسا وألمانيا وبريطانيا فرض عقوبات على إيران. وقال الرئيس البرازيلي «الناس لا يتحدثون، وسأذهب إلى هناك كي أتحدث».

وتمنت إدارة أوباما حظا جيدا للبرازيل خلال المحادثات، على الرغم من أن مسؤولين أضافوا أنهم يحدوهم تفاؤل ضعيف بشأن المحصلة. وقال مسؤول بارز في وزارة الخارجية الأميركية إنه يحتمل أن تبدي إيران العناد نفسه الذي أظهرته خلال المفاوضات السابقة. ويقول مسؤول أميركي آخر «هذه حركة مهمة من جانب البرازيل، وإذا فشلت، فإن مجلس الأمن سوف يتحرك قدما نحو العقوبات، ومن المتوقع أن تكون البرازيل معهم». وداخل الأمم المتحدة، قال بعض الدبلوماسيين إن رحلة دا سيلفا تلقي بظلالها على المحادثات منذ بدئها في مطلع أبريل (نيسان)، لأنها تعطي الصين وروسيا، اللتين لديهما حماس ضعيف لفرض عقوبات، سببا للاستمرار في التأكيد على النهج الدبلوماسي.

ويمكن أن يذهب نص القرار إلى الأعضاء الخمسة عشر في مجلس الأمن خلال الأسابيع القليلة المقبلة، حسب ما يقوله دبلوماسيون. وتمتلك البرازيل مقعدا غير دائم بمجلس الأمن، ودعمها للعقوبات مهم، حيث تريد الدول الغربية الوصول إلى قرار بالإجماع.

وكان الخلاف حول إيران واضحا في نهاية مارس (آذار)، عندما عقدت الأمم المتحدة اجتماعا للتركيز على إعادة بناء هايتي. وخلال مؤتمر صحافي في نهاية الاجتماع، أثنت كلينتون على الدعم الدولي للعقوبات على إيران. لكن أوضح وزير الخارجية البرازيلي أموريم أن بلاده ترى أن المفاوضات أكثر فاعلية. وردت كلينتون قائلة إن محادثات لا نهاية لها لم تجذب إيران. وكرر وزير الخارجية الفرنسي تعليقاتها نفسها. وتدخل رئيس هايتي رينيه بريفال «هل أحتاج إلى أن يكون لدي برنامج نووي حتى نعود إلى الحديث حول هايتي؟». وبعيدا عن الخلاف حول إيران، يقول مسؤولون أميركيون وبرازيليون إن هذا النزاع لم يمنع البلدين من الوصول إلى اتفاقات جديدة في مجالات أخرى، ومن بينها اتفاقية التعاون العسكري الأولى خلال أكثر من ثلاثة عقود، واتفاقية أنهت الخلاف القائم منذ وقت طويل على الدعم الأميركي لمزارعي القطن. ويقول ماتياس سبكتور، وهو أكاديمي برازيلي في مجلس العلاقات الخارجية، إن الانتشار النووي يمثل قضية حساسة للبرازيل، لأنه في مواجهة معارضة أميركية في السبعينات، قامت البرازيل في إطار جهد سري بتطوير قدراتها على تخصيب اليورانيوم. ولم توقع البرازيل معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية لعقد آخر، حسب ما قاله سبكتور. ويحظر الدستور الأخير للدولة استخدام المواد النووية لأغراض عسكرية. ويذكّر سبكتور بتعليق دبلوماسي برازيلي رفيع المستوى قال له «عندما تنظر البرازيل إلى إيران، فهي لا تنظر إلى إيران فقط، لكن تنظر إلى البرازيل أيضا».

وتقول جوليا سويغ، من مجلس العلاقات الخارجية أيضا، إن البرازيل تفعل ما قامت به أميركا لكن بطريقتها الخاصة. وتضيف «يعتقد الأميركيون أنهم يمكنهم جعل أنفسهم في منتصف الطريق في مختلف أنحاء العالم لإعادة تشكيل الأحداث على أرض الواقع، ويتوقعون إذعان المجتمع الدولي. ولأسباب مشابهة، تجد البرازيل لديها دافعا لإشراك نفسها في قضايا تتجاوز فيما يبدو مصلحتها الطبيعية».

* خدمة «نيويورك تايمز»