الخارجية الفرنسية: الاتفاق «لا يحل المشكلة».. وعلى إيران الانصياع للقرارات

باريس ترحب بتحفظ بالاتفاق الثلاثي الإيراني ـ البرازيلي ـ التركي

TT

راوح رد فعل باريس على الاتفاق الإيراني - التركي - البرازيلي ما بين التحفظ والترحيب والرغبة في كسب الوقت لإجراء مشاورات معمقة وإحالة الموضوع إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وكان أول المعلقين على التطور الجديد الذي يبدو أن باريس لم تكن تنتظره، هو وزير الخارجية برنار كوشنير.

بداية، اعتبر الوزير الفرنسي، في حديث لإذاعة فرنسا الدولية أمس، أنه «لا يعود إلى فرنسا» أن تقوم الاتفاق أو الرد عليه، بل إن ذلك يعود إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفي الموقف الفرنسي ما يثير الدهشة، إذ إن باريس طرف معني بالدرجة الأولى بالاتفاق الذي تم في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي بين إيران والوكالة الدولية وروسيا والولايات المتحدة الأميركية، إذ إنه يعود إلى فرنسا، بموجبه، أن تحول اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة إلى قضبان من الوقود النووي تستخدم في مفاعل طهران التجريبي. وذهب الوزير الفرنسي إلى التحجج بأن بلاده لم تحصل «بعد» على نص الاتفاق الثلاثي، وأنها بحاجة إلى «التشاور» مع الأطراف الأخرى قبل أن تعطي حكمها النهائي.

غير أن هذا التحفظ لم يمنع الوزير الفرنسي من الترحيب «الأولي أو المبدئي» بالاتفاق الثلاثي، إذ أعلن أنه «سعيد» بحصوله، مستطردا بالإشادة بالجهود التي بذلتها تركيا والبرازيل. وقال كوشنير: «إننا نحيي هذا الاتفاق» وكذلك «المثابرة التي أظهرها أصدقاؤنا الأتراك والبرازيليون في مساعيهم، ومن المفيد دائما التحدث (للطرف الآخر)، ومن الأفضل الاستماع» إليه. وفي الاتجاه عينه، أشاد الناطق باسم الخارجية الفرنسية بالجهود التركية - البرازيلية المشتركة التي نسب إليها الفضل في التوصل إلى الاتفاق.

غير أن فرنسا تعتبر أن الاتفاق «لا يحل المشكلة» التي يطرحها البرنامج النووي الإيراني، وفق ما أعلنته الخارجية الفرنسية التي دعت إلى «عدم الانخداع»، إذ إنه يحل موضوع المفاعل التجريبي ولكنه لا يحل موضوع التخصيب النووي الإيراني، الذي هو أساس المشكلة. وقالت الخارجية إن «مبادلة اليورانيوم ليس إلا أحد تدابير الثقة... لكن قلب المشكلة هو استمرار النشاطات التخصيبية في مفاعل ناتانز، وفي مفاعل أراك الذي يعمل بالمياه الثقيلة، وفي محاولات إيران إخفاء موقع قم ورفضها الإجابة عن الأسئلة التي طرحها مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، فضلا عن لجوئها إلى تخصيب اليورانيوم بدرجة 20 في المائة. وبلهجة لا تخلو من الحدة، أعلنت الخارجية الفرنسية أنه يتعين على إيران وضع حد «لانتهاكاتها قرارات مجلس الأمن الدولي وقرارات مجلس حكام الوكالة» الدولية، مما يفهم منه، بكلام آخر، أن الاتفاق الجزئي الثلاثي غير كاف. وفي أي حال، تعتبر باريس أنه إذا لم تستجب طهران، فإنه لن يكون هناك بديل غير العقوبات التي أشار الوزير الفرنسي بشأنها إلى أن مناقشات مجلس الأمن حولها أفضت إلى حصول «تقدم مهم نسبيا في اليومين الأخيرين».

وأشار كوشنير إلى مشكلة إضافية حينما أشار إلى أن إيران استمرت في تخصيب اليورانيوم منذ أن عرض عليها مبادلة 1200 كلغ من اليورانيوم الضعيف التخصيب لمبادلته بوقود يمكن استخدامه للحاجات المدنية في مفاعل طهران. فالعرض قدم قبل ستة أشهر. ويفيد الخبراء الفرنسيون بالاستناد إلى ما جمعته الوكالة الدولية إلى أن إيران قادرة على إنتاج 80 كلغ من اليورانيوم ضعيف التخصيب في الشهر الواحد، مما يعني أنها أنتجت نحو 500 كلغ إضافي من اليورانيوم منذ العرض الدولي عليها.

ويرى الباحث في الشؤون الاستراتيجية والخبير في الملف النووي افيراني فرنسوا جيريه، أن «فائدة» الاتفاق الأخير مع إيران مزدوجة: فهو من جهة سيؤجل فرض العقوبات الاقتصادية على إيران التي يعمل على بلورتها مندوبو الدول الست (الخمس الدائمة العضوية وألمانيا) في مجلس الأمن الدولي، وسيحرم من جهة ثانية إيران من تخصيب اليورانيوم بنفسها إلى درجة 20 في المائة. غير أن مساوئه، بحسب الخبير الفرنسي، أنه لن يمنع إيران من إعادة تكوين مخزونها من اليورانيوم في حال عدم حل مشكلة التخصيب بشكل جذري. وبحسب الخبراء، فإن ما تملكه إيران اليوم يسمح لها، لو أرادت، بأن تصنع قنبلة نووية في حال توافر الكفاءات العلمية والتكنولوجية لها. كذلك، فإن الاتفاق الثلاثي لا يضمن إخراجا «دوريا» لليورانيوم الإيراني ضعيف التخصيب، ولذا فالسؤال سيبقى مطروحا: ما العمل مع الكميات التي تمتلكها إيران اليوم والتي ستمتلكها غدا؟ ولكن في المقابل، يرى فرنسوا جيريه أن الاتفاق من شأنه أن يفتح باب الحوار مجددا بين إيران والوكالة الدولية من جهة، وبينها وبين الدول الست من جهة أخرى. وترى مصادر فرنسية أن الاتفاق في حال نفذ سيتيح للمجتمع الدولي أن «يكسب» عدة أشهر، وأن يتأمل في التوصل إلى «تسوية ما» مع إيران، التي وجدت أن «العقوبات الاقتصادية اقتربت كثيرا»، وأن الدعم الذي كانت تعول عليه من أجل وقف السير في اتجاهها «بدا في الانهيار»، بحيث أصبحت الأمور «شبه ناضجة» لاستصدار قرار جديد من مجلس الأمن الدولي.