عودة طالبان إلى مارجا

بعد 3 أشهر من غزو آلاف الجنود الأميركيين

TT

يفر المزارعون من مقاطعة مارجا التي شكلت منذ فبراير (شباط) محور تركيز عملية عسكرية، تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان، على المنطقة، مبررين ذلك بأن جماعة طالبان ترهب السكان، وأن القوات الأميركية عاجزة عن حماية المدنيين.

ويعد فرار المزارعين واحدا من أبرز المؤشرات على تمكن مقاتلي طالبان من استئناف نشاطات التمرد، وذلك بعد ثلاثة شهور من غزو آلاف الجنود لهذا المعقل الخاص بالجماعة خلال الغزوة الافتتاحية لحملة ترمي إلى السيطرة على جنوب أفغانستان. وعمدت عناصر مسلحة إلى اختراق المنطقة مجددا، وكان من شأن تصاعد إمكانية خوض شهور أخرى من القتال تقويض الروح المعنوية العامة، حسبما أوضح مقيمون بالمنطقة ومسؤولون.

مع استعداد قوات الائتلاف للحملة الهجومية الكبرى التالية في مدينة قندهار الواقعة جنوب البلاد، يحمل الموقف المتأزم في مارجا - حيث عجزت أي من القوات الأميركية وقوات طالبان عن السيطرة على المدينة، وتقع مصادمات يومية بين الجانبين - درسا شديد الوضوح حيال التحديات المرتبطة بالقضاء على حركة تمرد تتسم بصبر بالغ، وتضرب بجذور عميقة.

من ناحيتها، أعلنت منظمة الهلال الأحمر الأفغانية في العاصمة الإقليمية، لاشكرغا، أن أكثر من 15 أسرة فرت من مارجا خلال الأسبوعين الماضيين، وقال سكان مارجا الذين وصلوا هنا الأسبوع الماضي، وبدا على كثير منهم الشحوب والفزع، إن المدنيين باتوا محاصرين بسبب أعمال القتال، ويحاولون الفرار من الألغام التي زرعها المتمردون، والمعارك الدائرة حول المباني الحكومية ومواقع قوات الائتلاف. ويحول انتشار وجود طالبان دون إجراء هذه القوات أي اتصال مع، أو الحصول على المساعدة من الحكومة أو قوات الائتلاف.

في هذا الصدد، قال عبد الرحمن، 52 عاما، الذي كان يسافر بمفرده: «يرحل الناس عن المدينة، حيث تجد ما بين 10 و20 أسرة يوميا على الطريق، راحلين عن مارجا جراء غياب الأمن. بات من الصعب الآن العيش هناك بسبب هذه الظروف».

وقال أحد المزارعين، كان يعكف على وضع أسرته وأمتعته في شاحنة على أطراف لاشكرغا الأسبوع الماضي، إنه هجر حياته بأكملها في سيستان بمارجا بمجرد جني المحصول، الذي جاء هزيلا هذا العام.

واستطرد المزارع عبد الملك أكا، 55 عاما، بأنه «كل يوم، كان يقع قتال وقصف. لا نشعر بالأمان في القرية، لذا قررنا الرحيل. إن وضع الأمن يزداد سوءا يوما بعد يوم». ونوه إلى أنه «كنا نخال أن الأمن سيتحسن». وأعرب الذين بقوا في مارجا عن شكاوى مماثلة خلال عشرات المقابلات والزيارات المتكررة للمدينة خلال الشهر الماضي. في هذا الصدد، أكد مير حمزة، 40 عاما، مزارع من لوي تشاراهي: «أثق بأنه حال بقائي في مارجا سألقى حتفي في يوم من الأيام؛ إما على يد طالبان أو الأميركيين». يذكر أن العمليات القتالية في مارجا انتهت في نهاية فبراير (شباط)، وأعلنت القوات العسكرية الانتصار في المعركة. ومع ذلك لم يغادر الكثير من أعضاء طالبان المحليين، بينهم على الأقل أربعة من القيادات من الطبقة الوسطى في القيادة؛ حيث أخفوا أسلحتهم، وتحولوا إلى العمل بهدوء في الزراعة. الواضح أن عودة طالبان لم تعد بالأمر غير المتوقع تماما، خاصة مع حلول نهاية موسم جني الخشخاش، وبالتالي أصبح لدى الرجال متسع من الوقت للمشاركة في القتال، ومع تحول درجات الحرارة نحو الدفء. على الجانب الآخر، نظرت المؤسسة العسكرية إلى مارجا باعتبارها عملية «تطهير وسيطرة»، مع توقعات بإنجاز المرحلة الأولى الخاصة بتطهير المنطقة من المسلحين بسرعة، إلا أنه في الواقع اتضح أن هدف التطهير أصعب مما كان معتقدا.

بحلول أبريل (نيسان)، بدأت الحياة في العودة إلى طبيعتها، حيث شرع الناس في التوافد لتلقي إعانات حكومية، وأبدى المزارعون غبطتهم لنيلهم تعويضات مالية عن تدمير محاصيل الخشخاش التي كانوا يزرعونها، التي يعد الأفيون المستخرج منها مصدر التمويل الرئيسي لطالبان. ومع مشاهدة القرويين للفوائد التي عمت جيرانهم، تشجع المزيد على التوجه إلى الإدارة الإقليمية أيضا، رغم تهديدات طالبان.

وبدا التحول بالغ الوضوح في مقاطعة نادي علي، حيث لحق الضعف بطالبان وتحسنت الأوضاع الأمنية، ويرجع الفضل الأكبر وراء ذلك إلى العملية العسكرية في مارجا.

ورغم ذلك، ظلت شبكة الاستخبارات الموسعة للمتمردين داخل مارجا سليمة، وتمكنت من الإبقاء على سيطرتها ونفوذها على السكان من خلال ما وصفوه بتهديدات وعمليات اغتيال. مثلا، في أبريل (نيسان) زار أعضاء من طالبان رجلا عجوزا في وقت متأخر من الليل، وأجبروه على ابتلاع أوراق التسجيل لطلب المساعدة الخاصة به، حسبما ذكر الكثير من المقيمين، وذلك في إطار تحذير، على غرار عصابات المافيا، لغيره بعدم تلقي مساعدات حكومية.

وفي مطلع مايو (أيار)، تعرض رجل يتمتع بسمعة طيبة بين أبناء المنطقة، يدعى شريف الله، إلى الضرب حتى الموت؛ بناء على اتهامات له بمناصرة رئيس المقاطعة والامتناع عن دفع ضرائب لطالبان. وتسبب مقتله في حالة من الجمود، وتوقف القرويون عن التوجه إلى إدارة المقاطعة.

* خدمة «نيويورك تايمز»