إيران تؤكد أن الكرة في ملعب الغرب.. وتحذيرات من أنها «طبخت الكعكة وأكلتها»

أحمدي نجاد: نأمل بموافقة الدول الكبرى على مفاوضات * لولا داسيلفا: الاتفاق «انتصار للدبلوماسية» * طهران: سنواصل تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%

TT

تركت إيران العالم حائرا أمس في تقييم الاتفاق النووي بينها وبين تركيا والبرازيل الذي ينص على إرسال طهران 1200 كيلوغرام من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى أنقرة خلال شهر، مقابل حصولها على وقود نووي تستخدمه في مفاعلها للأبحاث في طهران. وفيما كان من المفترض أن يؤدي الاتفاق إلى طمأنة العالم إلى نيات طهران النووية، فإن توقيت الإعلان عن الاتفاق وعدم مشاركة أي من دول 5+1 فيه، بالإضافة إلى إعلان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية رامين مهمان باراست أن طهران ستواصل تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% على أراضيها، كل هذا «ترك مساحات غامضة وجعل من الصعب على الغرب أن يرقص فرحا كما يريد الإيرانيون والأتراك والبرازيليون» بحسب ما قال لـ«الشرق الأوسط» مسؤول غربي مطلع قريب من ملف إيران.

وكانت إيران قد فاجأت العالم بتوقيعها الاتفاق النووي مع تركيا والبرازيل، إذ رغم توجه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى طهران، اعتقدت الكثير من العواصم الغربية أن الاتفاق لن يتم في اللحظة الأخيرة بسبب عدم جدية طهران والخلافات داخل الأجنحة الحاكمة في إيران حول إرسال نحو ثلثي اليورانيوم الذي لديها إلى الخارج وهي الخطوة التي اعترض عليها من قبلُ مسؤولون كبار في إيران، بل إن المرشد الأعلى آية الله على خامنئي لم يعطِ أي مؤشر على أنه سيقبل مثل هذه التسوية، في وقت أظهر فيه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أنه لا يمانع في حل كهذا من أجل تخفيف الضغوط على حكومته التي تواجه مشكلات اقتصادية وسياسية متزايدة، ويمكن إذا فُرض مزيد من العقوبات أن تجد نفسها في متاعب داخلية أكبر.

وينص الاتفاق على أن ترسل طهران 1200 كيلوغرام من اليورانيوم الضعيف التخصيب إلى تركيا. على أن يبقى هذا اليورانيوم ملكا لإيران، ويمكن أن ترسل طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية مراقبين للإشراف على المتطلبات الأمنية لعملية التخزين. كما ينص الاتفاق على أن تبلغ إيران الوكالة الدولية بهذا الاتفاق في غضون سبعة أيام. وبعد الرد الإيجابي لمجموعة فيينا (الولايات المتحدة، وروسيا، وفرنسا، والوكالة الدولية للطاقة الذرية)، تكون تفاصيل تبادل الوقود النووي موضع اتفاق مكتوب بين إيران ومجموعة فيينا التي تعهدت بتقديم 120 كيلوغرام من الوقود النووي الضروري لمفاعل البحث في طهران. وعندما تعطي مجموعة فيينا موافقتها على شروط ونقاط هذا الإعلان، تعلن إيران موافقتها على إرسال 1200 كيلوغرام من اليورانيوم ضعيف التخصيب إلى تركيا في غضون شهر واحد، وتتعهد مجموعة فيينا بتقديم 120 كيلوغرام من الوقود الضروري في غضون سنة إلى إيران لمفاعل البحث في طهران. وإذا لم تحترم شروط هذا الإعلان، تتعهد تركيا بأن تسارع إلى إعادة اليورانيوم الضعيف التخصيب المودع لديها إلى إيران من دون شروط. وقد وقع الاتفاق وزراء خارجية كل من إيران وتركيا والبرازيل في طهران، وقدم كوثيقة مشتركة «لإطلاق دينامية بناءة» لتسوية الأزمة النووية الإيرانية.

إلا أن الشكوك الغربية في الاتفاق كانت جلية. وقال مسؤول غربي مطلع لـ«الشرق الأوسط» في هذا الصدد: «صحيح أن اتفاق إيران وتركيا والبرازيل للتبادل النووي ليس بعيدا عن الاتفاق الأصلي الذي اقترحته وكالة الطاقة الذرية، إلا أن هناك تساؤلات حول حجم ما تمتلكه إيران من اليورانيوم اليوم. فخلال الأشهر التسعة الماضية ظلت إيران تخصب اليورانيوم، وفي أحيان بنسبة 20% كما قالت هي بنفسها، وكل ذلك بعيدا عن رقابة مفتشي وكالة الطاقة الذرية، ومصدر القلق أن المخزون الإيراني من اليورانيوم قد يكون اليوم أكبر بكثير، مما يجعل إرسال طهران لـ1200 كليوغرام من اليورانيوم الذي لديها لتركيا بلا معنى. هذا سيعني أن إيران طبخت الكعكة وأكلتها، أي أنها أرسلت فقط جزءا من اليورانيوم منخفض التخصيب الذي لديها، وفي نفس الوقت أخذت الوقود النووي».

وفيما لم تعلق الوكالة الذرية على الاتفاق النووي، قال دبلوماسي مقرب من الوكالة إنه منذ فشل المباحثات مع طهران، ووفقا لآخر تقرير صدر في فبراير (شباط) عن وكالة الطاقة الذرية، زادت إيران مخزونها من اليورانيوم الضعيف التخصيب إلى 2065 كيلوغرام. وعليه «حتى إن قامت نظريا بتسليم 1200 كيلوغرام إلى تركيا، فسيبقى لديها الكثير منه».

وفور الاتفاق النووي أكدت طهران أن الكرة باتت في ملعب الدول الغربية الكبرى. وأعرب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عن أمله في أن توافق الدول الكبرى «على التفاوض بنزاهة واحترام وعدالة» مع إيران، قائلا: «آمل أن تدخل مجموعة 5+1 في مفاوضات بنزاهة واحترام وعدالة وأن تأخذ في الاعتبار العمل العظيم الذي بدأ في طهران». وأضاف أن «تجربة اللقاء الثلاثي في طهران تظهر أنه إذا استند التعاون إلى الصداقة والاحترام لا تكون هناك مشكلة، ولكن مشكلة المفاوضات مع مجموعة 5+1 كانت في عدم احترام بعض أعضاء هذه المجموعة تلك المبادئ». وأضاف: «لهذا السبب لم تؤتِ المفاوضات ثمارها». وفيما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية متحدثا حول الغرب إن «الكرة هي في ملعبهم»، أعلن رئيس الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية علي أكبر صالحي أن المسألة الآن باتت رهن موقف الدول الكبرى. وقال صالحي بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية إن «إيران بموافقتها على الاقتراح التركي والبرازيلي برهنت عن حسن نيتها، وعلى مجموعة فيينا (الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا) أن تعطي ردا مناسبا على عرض التعاون الذي قدمته طهران». بينما قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إنه لا يرى حاجة إلى أن يفرض مجلس الأمن عقوبات على إيران بعد الاتفاق. كما أشاد وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو بالاتفاق ووصفه بأنه «نقطة تحول تاريخية». وهو نفس موقف البرازيل التي قال رئيسها إن الاتفاق النووي «انتصار للدبلوماسية»، فيما قال وزير خارجيتها ثيلزو أموريم: «أعتقد أن ذلك الإعلان يزيل من وجهة نظرنا كل شكوك تستدعي فرض عقوبات على إيران. لا مبرر للاستمرار في محاولة فرض عقوبات جديدة... اتفاق المبادلة يجب أن يفتح الباب أمام مناقشات أوسع». وعلى الرغم من الحماسة البرازيلية - التركية للاتفاق، فإنه كان لافتا أن دولا مقربة من الدولتين ومن إيران مثل روسيا كانت أكثر حذرا وأقل تحمسا، بينما لم يصدر من بكين رد فعل فوري. فبينما رحب الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف بالاتفاق، اعتبر في الوقت نفسه أن إجراء مشاورات جديدة ضروري «للرد على كل الأسئلة العالقة». وتابع: «من بين الأسئلة: هل ستخصب إيران اليورانيوم بنفسها؟ في حدود ما فهمته من مسؤولي تلك الدولة سيستمر مثل هذا النشاط. وفي هذه الحالة ستستمر بواعث القلق التي أبداها المجتمع الدولي من قبل». وأضاف ميدفيديف أنه سيتحدث في وقت لاحق مع الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا داسيلفا ليناقش الموضوع معه. وأضاف أنه ينبغي أن تجري بعض الدول من بينها إيران مشاورات بشأن اتفاق مبادلة الوقود تعقبها «فترة توقف قصيرة» للمفاوضات.

وشاركت بريطانيا روسيا قلقها من استمرار طهران في تخصيب اليورانيوم. وقال أليستير بيرت الوزير بوزارة الخارجية البريطانية في بيان إن «إيران عليها التزام بأن تطمْئن المجتمع الدولي بشأن نياتها السلمية». وتابع: «ذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها غير قادرة على التحقق من هذا، وهذا هو السبب في أننا نعمل مع شركائنا بشأن قرار للعقوبات في مجلس الأمن. وإلى أن تتخذ إيران إجراءات ملموسة لتلبية تلك الالتزامات فإن هذا العمل يجب أن يستمر»، مشددا على أن إيران لا تزال تشكل «مصدر قلق كبيرا» رغم الاتفاق بينها وبين تركيا والبرازيل. وقال بيرت إن على إيران إبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية «فورا» إن كانت ستشحن كمية من اليورانيوم القليل التخصيب الذي تملكه في صفقة تبادل للوقود تدعمها كل من تركيا والبرازيل. وفي وجه الانتقادات للاتفاق، خصوصا من إسرائيل، رفضت البرازيل تلك الانتقادات، مشددة على أنها المرة الأولى التي توافق فيها طهران على إرسال وقودها إلى الخارج لإتمام عملية تبادل. وقال مستشار للرئيس البرازيلي: «من حق إسرائيل أن تقول ما تشاء، لكنها المرة الأولى التي توافق فيها إيران على إرسال وقودها النووي إلى دولة أخرى لمبادلة» يورانيوم مخصب بنسبة عشرين في المائة به. وأضاف هذا المستشار من طهران التي سيغادرها لولا متوجها إلى مدريد ليشارك اليوم في قمة للاتحاد الأوروبي وأميركا اللاتينية أن «البرازيل ساعدت في تقريب المواقف».

ومن المؤكد أن تكون الأيام المقبلة مسرحا للكثير من النقاشات وردود الأفعال حول الاتفاق النووي بين إيران وتركيا والبرازيل، وستتجه الأنظار خصوصا إلى وكالة الطاقة الذرية التي سيكون لها الكلمة الأخيرة حول مدى جدوى ذلك الاتفاق. وفي هذا الصدد قال مصدر أوروبي مطلع لـ«الشرق الأوسط»: «نريد معرفة مدى جدية الالتزام الإيراني، ونريد رؤية الاتفاق. قد يكون الاتفاق خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن الوقت مبكر جدا للخروج بهذه النتيجة، فعلى إيران أولا أن تسمح لمفتشي الوكالة بالقيام بعملهم والسماح لهم بدخول المواقع النووية. فهذا ليس اتفاقا بعد، هذا مجرد إجراء إيراني لبناء الثقة وجسر للتحاور. ففي النهاية تواجه إيران شكوكا عميقة بسبب سلوكها في الماضي»، مشيرا أيضا إلى أن هناك نقاط فنية تحتاج إلى رأي وكالة الطاقة الذرية من بينها ما إذا كانت تركيا، التي لا تمتلك برنامجا نوويا، قادرة على تخزين اليورانيوم الإيراني.

ويعتقد دبلوماسيون غربيون أن إيران ربما تكون تنفذ مخططا بارعا يؤدي إلى تفكيك الإجماع الدولي لفرض عقوبات عليها فورا، مشيرين إلى أن طهران ربما شعرت بالقلق الشديد من اقتراب العقوبات، فقررت «خلط الأوراق» و«تصعيب الرؤية» بإعلانها الموافقة على شحن اليورانيوم إلى تركيا.