عودة الجدل حول حق المرأة في تولي منصب قاضية بمصر

تزايد مخاوف قضاة محافظين من أن يكون تعيينها توجها عاما بالدولة

TT

تتزايد مخاوف قضاة محافظين في مصر من أن يكون تعيين المرأة قاضية توجها عاما بالدولة، حيث عاد الجدل أمس حول قضية «حق المرأة في أن يتم تعيينها قاضية من عدمه» إلى الواجهة على الساحة المصرية من جديد، بعد نحو شهرين من حسم المحكمة الدستورية العليا في البلاد لهذا الخلاف بالإقرار بحق المرأة في العمل قاضية في مجلس الدولة، رغم معارضة هذا المجلس.

وقال مسؤول في مركز حقوقي ممن كانوا يدافعون بضراوة عن هذا الحق، إن القضية يبدو أنها ما زالت مستمرة بعد رفع قاض من مجلس الدولة، قضية ضد أحد هؤلاء الحقوقيين. ورغم مقاومة قضاة يوصفون بأنهم «محافظون» يعارضون تعيين المرأة قاضية، فإن المراقبين يقولون إنه يبدو أن هناك توجها عاما للدولة المصرية، بدأه الرئيس المصري حسني مبارك، قبل ست سنوات بتعيين امرأة قاضية بالمحكمة الدستورية. ورغم قيام دول عربية كثيرة بتعيين المرأة في منصب القاضية، فإن قطاعا من المصريين ما زال ينظر إلى المرأة باعتبار إمكاناتها أقل من إمكانات الرجل.

يأتي ذلك على خلفية قرار المكتب الفني للنائب العام المصري، المستشار عبد المجيد محمود، بتأجيل التحقيق مع مدير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، ناصر أمين، في البلاغ الذي تقدم به ضده رئيس نادي قضاة مجلس الدولة المستشار يحيى الدكروري. ويقول الدكروري إن أمين سبه وقذفه في تصريحات صحافية. وكان أمين مع عشرات الحقوقيين والناشطات من النساء قد وجهوا انتقادات شديدة اللهجة لموقف مجلس الدولة الرافض لتعيين المرأة في مناصب قضائية.

وانتقاد القضاء في مصر محظور، حيث يعتبر مجلس الدولة «جهازا قضائيا»، وهو ينظر القضايا المرفوعة ضد الحكومة. وأثار موقف المجلس برفض انضمام القاضيات إليه جدلا في الشارع المصري لعدة أشهر، مما اضطر الحكومة لإحالة الأمر إلى المحكمة الدستورية التي قالت إنه يحق للمرأة تعيينها قاضية في هذا المجلس.

واعتبر أمين البلاغ ضده «نوعا من أنواع الضغط»، معربا لـ«الشرق الأوسط» عن خشيته من أن يكون «الهدف من البلاغ الضغط على المؤسسات والأشخاص الداعمين لحق المرأة في تولي المناصب القضائية، لإسكات هذه الأصوات». وأضاف أن «المركز الذي أمثله يدافع طوال سنوات عن استقلال السلطة القضائية والقضاة، لكننا أيضا ندافع عن حق المرأة في تولي المناصب القضائية، وهو حق كفله الدستور المصري والمواثيق الدولية».

وسوف يمثل أمين، تسانده مراكز حقوقية وناشطات من النساء، للتحقيق معه يوم الاثنين المقبل. وتقدمت روضة أحمد، مديرة وحدة الدعم القانوني بالشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، بطلب لمكتب النائب العام للاطلاع على البلاغ، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «طلبنا تأجيل التحقيق مع أمين أمس حتى نتمكن من الاطلاع على أوراق القضية ونص البلاغ المقدم ضده ونوع التهم الموجهة إليه».

هذا النزاع الجديد، هو ثمرة حملة خاضتها ناشطات وعدد من الحقوقيين طوال شهري فبراير (شباط) ومارس (آذار) الماضيين، من أجل السماح للمرأة بالعمل قاضية، في إطار توجه عام للدولة المصرية بدأه الرئيس مبارك عام 2003 حين بادر بتعيين أول امرأة مصرية قاضية في المحكمة الدستورية، هي تهاني الجبالي، مما أغضب بعض القضاة المحافظين ممن حاولوا أن يكون قرار الرئيس مبارك «استثناء» وليس «توجها» عاما من الدولة.

وبالإضافة للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، شكلت ست مؤسسات حقوقية أخرى هيئة للدفاع عن أمين، أمس، وحضور التحقيقات معه، داعية في الوقت نفسه إلى حل قضية التهم الموجهة إليه من الدكروري، بالحوار بعيدا عن ساحات المحاكم، باعتبارها قضية خلاف في الرأي.

ومن بين المؤسسات الحقوقية الست المساندة لأمين، مركز هشام مبارك للقانون، والمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، حيث أعربا في بيان مشترك أول من أمس عن احترامهما للقضاة، ووقوفهما إلى جانب حق المرأة في تولي الوظائف القضائية، وأضاف البيان: «هذا البلاغ أثار دهشتنا وانزعاجنا، و... نتمنى ألا يصل اختلاف الآراء مع بعض القضاة لساحات المحاكم، عبر اقتطاع بعض التصريحات الصحافية من سياقها، بعيدا عن القضية الأساسية وهي عدالة ودستورية حق النساء في تولى منصب القضاء».